الخميس 27 أيار (مايو) 2010

الإحباط الوطني برميل بارود مدمر

بقلم:سعيد موسى
الخميس 27 أيار (مايو) 2010

غزة ذلك السجن الصغير لمليون ونصف نزيل، تغرق في حصار ودمار لايحتمله بشر ولا يستوعبه عقل ولا يقره شرع ولا يرضاه ضمير، غزة الشريط الساحلي الضيق يكابد كل أصناف التعسف والظلم، من فقر وقهر وثأر وبطالة مكشوفة ومقنعة وحصار اكبر من حصره بمصطلحات المجاعة، وضع مأساوي فوق تصور الآدمية ، وكأن غزة سقطت من قمة جبل ولا تقوى على النهوض، وكأنها انحرفت إلى ظلمة لاشروق لها، وكأنها جزء انشق عن مدار الكرة الأرضية يسبح في فضاء؛ لا أول له ولا آخر؛مرض وضجر تتسابق به الأيام والشهور والسنون صوب المجهول، يفيق أهله من سباتهم دون هدف أو طموح، على واقع هو كالأمس الرافض لكينونته بحلوها ومرها، يترنح أهله مابين مرض عضال وواقع ملبد بحكايات الضياع،والعدو الصهيوني ليس ببعيد،بل رابض بين ثنايا المدينة والمخيم يحصي أرقام قتل وإفلاس ومخدرات وانتحار، عدو برائحة النازية يسكن البحر والهواء والمياه والرمال، يتلذذ بكل شبق الوحوش على عذابات الأطفال والشيوخ والنساء، أما الشباب فجلهم تائه بين هائم في دوامة المجهول الوطني، وبين باحث عن حبة النسيان اللعينة“الترمال”؛ لا مغيث إلا رب العباد،مواطن يومه مثل أمسه مثل غده لاحراك للأمل به، مكبل كما الأرض تمتشق الأوتاد/ لك الله ياغزة كم ظلمك اهلك ، بعدما شجوا كل ثقل المراسي، لتصبح غزة سفينة تتقاذفها أمواج عاتية من كل صنف ولون، تعصف بها رياح الحقد وتمزق وجهها المشرق الجميل أتربة الانقسام.

كم هو الحال مؤلم عندما نقبح الجميل ونجمل القبيح، ونصف الظلم بالعدل، وننعت الرعب بالأمان، ونرتضي واقع لامصلحة لعاقل فيه، بل استمرار الحال الوطني المقيت جنون في جنون، متى يفيق الراعي على أنين الرعية، متى يعلم الفرحون بسلطاتهم أو تسلطهم؛ أن الأغلبية الصامتة المطحونة من الشعب يغرقون في وحل الهم ومستنقع الحزن،وأتحدى أن تأتي جهة ماكانت تكون بشخص واحد غير منتفع من جحيم الانقسام يبتسم مجرد ابتسامة حقيقية، وأتحدى أن تأتي جهة ماكانت تكون ولكن بمصداقية بعيدا عن البهرجة الإعلامية الكاذبة، بشخص واحد غير المنتفعين من جحيم الانقسام لايصرخ ألما ويطالب بإنهاء مهزلة الانقسام اللعين بالأمس قبل اليوم والغد، والذي يعني لعرابي الانقسام نعيم فئوي مقابل جحيم شعبي، فكم هو هين على اهلك الأبطال ياغزة مواجهة الصهاينة الأوغاد، ليكون الموت زغرودة شهادة وفجر جديد، وكم هو أقسى من هدير فوهة بركان عندما تقاد النيران بيد الجسد في قلب الوطن، لابصيص أمل لعودة العقل الوطني إلى صواب ومستقر جمجمته، فالجنون واتساع هوة البين الوطني سيد الموقف وعنوان المرحلة، لهث خلف سراب من اجل سراب، هل تجمدت الرحمة والمشاعر كي لا يشعر الأخ بعذابات أخيه، هل صُمت الآذان عن سماع أنين الصمت المتفجر، هل طُمس على القلوب لتنفض غبار سكرة ووهم امتلاك السلطة ومن بعدها الطوفان، هل بلغنا بهرولة الجنون إلى نقاط اللاعودة ليستمر التيه الوطني، تلك غزة الرباط والفداء والثورة والشهداء، والتنكر لوحدة وصايا من صدقوا ماعاهدوا الله عليه من الأبرار الشهداء، فماذا ينتظر من بقي من زمان الوحدة وصولا إلى وحل التشرذم والضياع، كم يهون مواجهة جنون الصهاينة ومجازرهم وحصارهم المجرم ، كم يهون أمام واقع مزري نجمله بماكياج المصالح الحزبية والفئوية، ونجعله مطية لجدلية الحق والباطل، فلاحق غير وحدة الصف والدم والمصير، ولا باطل سوى التمسك بالكرسي على حساب عذابات الشباب والشيبة، كم يهون صوت قذيفة صهيوني جبان أمام صرخة ألم وطني صامت، أمام لعنة مباريات القذف والقذف المضاد الإعلامي المقيت؛ بما يحمله من حقائق وافتراءات حين تصبح كل وسائل الحق والباطل متساوية ومتاحة للعبث بالوعي الوطني في تلميع وتقديم الذات الحزبية، بما يتناقض مع الواقع الرديء المعاش،، الم يعلم الراعي ان الرعية تعي فن تزوير الألوان واحتراف تشويه اللوحة لتصبح الزهور أغنام، والأحياء أصنام!!!

غزة هذه التي نتغنى بأمنها وأمانها وصمودها، ليست سوى بقايا وطن تبعثرت حباته بين جوقات كراسي ومسميات أوسلو وبريقها ونعيمها وليذهب الشعب إلى الجحيم، جرائم قتل بشعة وعدوان صهيوني أبشع، وموت جماعي إن لم يكن بالسرطانات المتسبب فيها الفسفور النازي الصهيوني،أو بسموم نصف مليون مولد كهربائي يوميا ينفث إلى سماء غزة الصغيرة عشرات الأطنان من كتل أول أكسيد الكربون القاتل،فبالإحباط الزاحف كما الموت على كل شيء فيه بقايا حياة، هل تسمون هذا صمودا؟؟؟!!!، ونعم الصمود!!!، إن الجرم الأكبر هو تزوير المشهد، والجرم الأكبر هو الانقسام اللعين الذي يعتبره البعض المتنفذ والمستنفع نعمة، أو كما يقال“مصائب قوم عند قوم فوائد”، وكأن التاريخ توقف عند محطة الانقسام المقيت، صحيح أن معظم مصائبنا من الاحتلال، ولكن من الجرم استخدام شماعة الاحتلال لإخفاء المصائب الوطنية الأعظم ؛ جراء التمترس خلف نعيم الانقسام!! فمصائب الاحتلال لم تتوقف منذ النكبة الأولى قبل 62 عام خلت، وماذا ننتظر من عدو محتل غير المصائب؟!،، ولكن ما يشهده الوطن من مصائب لا وطنية على امتداد شطري الانقسام وخاصة غزة بمساحتها الصغيرة ,الكبيرة بكثافتها،وضفة غربية مقطعة الأوصال لا تصلح أن تكون دويلة ودون غزة لن تكون هناك أوهام دولة، حالة شاذة بل وصمة عار في تاريخنا الفلسطيني الوطني، سوف تتداولها الأجيال القادمة لتلعن كل من أساء لأهله وشعبه وشغلهم بمقارعات السراب السلطوي عن مقارعة العدو الأساسي والاستثناء الصهيوني الوحيد قبل اختراع الاستثناء والعدو الوطني اللدود.

ألا يكفي لقرع ناقوس الخطر بان العدو الصهيوني يوظف قراراته في خدمة تكريس الانقسام بين جناحي الوطن، ويرتب أولوياته حين يتخذ قرار في برلمانه العنصري الصهيوني“1560” والذي تم تمريره بعد زوبعة عربية وفلسطينية في فنجان اللاجدية واللاحدية، وكأنه يقول“غزة للغزيين فقط”، بعدما فشلوا في مخططهم الأسود“غزة للمصريين”، وعلى كل غزاوي أن يرحل ويُرحل قسرا من أي قرية ومدينة فلسطينية في الضفة الغربية إلى قطاع غزة وبالقوة، ماذا يعني ذلك لعرابي الانقسام!!، انه يقوم بخدمة من اعتبر الانقسام صيد سمين،فمواطني الانفصال في غزة إلى غزة،ومواطني القدس إلى الضفة الغربية، ومواطني الضفة مقطعي الأوصال في الضفة، ومازالت مصائب الاحتلال تتزايد ضاربين بعرض الحائط كل الزوبعات التي يثيرها عرابي السياسة والمقاومة، ولن يكون قانون“شاليط” النازي العنصري الأخير،كل هذه الغطرسة الصهيونية بفضل جحيم الانقسام وإصرار البعض الفلسطيني على استمراره، وهو كانقسام يأتي في سياق مخطط صهيوني عالمي استهدف وطننا العربي والإسلامي، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه،فالعراق يقسم، ولبنان تقسم، والسودان يقسم، واليمن تقسم، ومصر مطلوب تقسيمها، والصومال يقسم، وموريتانيا تقسم، والباكستان وأفغانستان “والحبل على الجرار” والتقسيم بأيدي وطنية ودعم وسخاء من مستثمري الانقسام الشامل،، لأنه ببساطة شديدة العدو الصهيوني قالها بالبنط العريض“الانقسام كان أهم أسباب الأمن والأمان للمغتصبات والقرى الصهيونية المجاورة”،الم يختلف الفرقاء على المصالحة وعدم أولويتها؟!!، الم يتفق الفرقاء على عبثية الصواريخ وأهمية التهدئة مع الكيان الصهيوني؟!!، الم يتم توظيف كل أعوان الشيطان العرب والإقليميين والدوليين ليرعوا نبتة الانقسام الشيطانية، لتنبت وطن مهشم الأركان، وتثمر كراهية وحقد بين أبناء الوطن والدم والدين والمصير الواحد؟!!.

ألا يكفي ذلك كي يفيق من هم في سبات عميق ويتوهمون بان دوام الحال ممكن،ويتم التضحية بأهم ركائز الصمود والتحدي“الوحدة الوطنية” لصالح مصالح الحزب الضيقة،إن إطالة أمد الانقسام يعني بكل المبررات الواهية المقيتة إطالة أمد معاناة وإحباط المواطن الفلسطيني، ويعني كذلك تشجيع العدو الصهيوني على دعم لركائز الفئوية والحزبية التي تصور الانقسام وكأنه رحمة ربانية وفي حقيقته نقمة إنسانية ووطنية وإلهية، الانقسام نبتة شيطانية يرويها الصهاينة ليل نهار، وثمارها إحباط نتيجته بؤس ومعاناة متراكمة ستصل يوما إلى حد تساوي الموت والحياة، وهذا مايسعى إليه الصهاينة أن يتسبب هذا الانقسام وثماره من الإحباط إلى انفجار داخلي أو حتى انفجار على جبهات عربية أخرى ، والانشغال عن زخم المقاومة بمسميات لا يقتنع بها مطلقها، والانشغال بصناعة التوتر والكراهية التي لن ينتج عنها سواء نتاج براميل إحباط متفجرة.

أما آن للراعي أينما وجد أن يفيق من سباته ليمتثل لرغبة الرعية التي ترنوا بقلوبها وأبصارها لمصالحة وطنية عاجلة غير آجلة، كطوق نجاة من الغوص في أعماق مستنقع الإحباط الوطني، وتداعياته التي لايحمد عقباها؟ وفي محصلة الوصف فان صناعة الإحباط المزدهرة في فلسطين عامة وفي قطاع غزة خاصة؛ سينتج عنها مسخ كل خلاياه من الإحباط المتراكم؛خلايا متبلدة لاينفع لعلاجها وصفة الموت لأنها خلايا إحباطية كل مكوناتها درجة من درجات الموت، فإن لم يكن علاجها بإذابة جليد التبلد والسبات الوطني، وسريان مياه المصالحة في شرايين الوحدة الوطنية التي تعرضت إلى أبشع عملية تصحر وجفاف؛فان معادلة الربح والخسارة على الخارطة الوطنية ستكون حتما خسارة فلسطينية شاملة ومكسب صهيوني استراتيجي محقق، وعلى مستوى الفرقاء ونسبة الخسارة ستتراوح بين إفلاس وخسارة تكسر الظهر بشكل جزئي بقدر ما يلهث أي من الفرقاء لموادعة ومهادنة العدو الصهيوني، فيكسب رضاهم إلى حين ، ويخسر شعبه وغالبية مناصريه، وفي المحصلة دوام المحال من المحال، لن يستمر الإحباط إلى مالا نهاية فحتمية الانفجار والانتحار تلازم الإحباط كظله، وحتمية التغيير من واقع سيء إلى أسوء أو أفضل هي حتمية مؤكدة لاريب فيها، وما على الفرقاء سوى التزود برصيد الشرف أو العار حيال القبول باستمرار معاناة هذا الشعب المكلوم من اجل مصالح حزبية فئوية مهزلة ومخزية أو التنازل وعدم التشدد في مواجهة الخصم الوطني لرفع هذه المعاناة القاتلة عن عموم الشعب المقتول،، وعندها تسود وجوه وتبيض وجوه، وطال الزمن أم قصر فالسقوط للحزبية والفئوية والنصر والعلو للشعب الذي قدم عشرات آلاف من أبناءه من اجل فلسطين ومقدساتها، وليس من اجل حزب أو فئة جل اهتمامها وهدفها السلطة وبريقها ومن بعدها الطوفان، لينتظر هذا الشعب المصدوم بأولياء أموره وبمزيد من تراكم الإحباط وتعاظم الجنون، ماذا تحمل الأيام والشهور والأعوام القادمة من مصائب ونكبات وطنية فاقت مجمل النكبات والانتكاسات التي تسبب بها العدو الصهيوني على مدار نصف قرن من الزمان مقارنة بنكباتنا الوطنية على مدار أربع من سنين الإحباط المدمر، وماذا بعد الله وحده اعلم، لا نسأله رد القضاء بل نسأله اللطف فيه.

greatpalestine@hotmail.com



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165626

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع المنبر الحر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165626 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010