الأربعاء 7 أيلول (سبتمبر) 2011

«إسرائيل» تتمدد بحرا

الأربعاء 7 أيلول (سبتمبر) 2011 par أمجد عرار

كما يمر فاصل إعلاني قصير، مرت وسائل الاعلام على بدء «إسرائيل» إنجاز استراتيجية عسكرية لحماية ما وضعت يدها عليه من حقول نفطية مكتشفة قبالة الشواطئ الفلسطينية واللبنانية على البحر الأبيض المتوسط، وتبجّحها بالمنظومة العسكرية المتطورة التي تعمل على إنشائها، فمرة تتحدث عن طائرات بلا طيار، ومرات تستعرض عضلات «التحكم عن بعد». الموضوع يأتي ويمضي كأن الحديث يدور عن خشبة مهترئة طافية على سطح الماء، وليس عن حقوق عربية ومستقبل عربي، كأني بالعرب يقولون في قرارة أنفسهم إذا ضاع الحق الأكبر فلماذا نعطي اهتماماً بحق أقل أهمية؟

من المفروغ منه أن النظام الرسمي العربي لا يشغله هذا الموضوع، وهو ليس في وارد إثارته لا إعلامياً ولا دبلوماسياً ولا قانونياً. وإذا كان الجانب الفلسطيني لا يجد نافذة تمكنه من إثارة موضوع له علاقة بالبحر، ما دام لم يملك بعد موطئ قدم آمناً على البر، فإن الداخل اللبناني غارق في مناكفات بعضها له علاقة بمصير لبنان كبلد، وبعضها الآخر أقل شأناً من أن يتلهى به أطفال يلعبون في ساحة عامة. هذا البعض لا تعنيه استعادة الوعي المفقود واستعادة الإحساس بالخطر الاستراتيجي، أو في الحد الأدنى الحرص على حماية الحقوق الطبيعية بحدها الأدنى والاستثمار في البر والبحر، فيترك «إسرائيل» تستبيح حقوق لبنان بالقرصنة والاسئثار. وحدها تركيا عبّرت على طريقتها عن الغضب من ذهاب «إسرائيل» لإجراء ما يسمى ترسيم للحدود البحرية.

صحيح أن وزير خارجية لبنان أرسل لأمين عام الأمم المتحدة غير معترف بهذا الترسيم، لكن موقفاً يصدر عن بلد منقسم ومتناكف، لا يستطيع أن يفعل فعله أمام «إسرائيل» التي أوقف مئات الآلاف من محتجيها ضد الغلاء، احتجاجاتهم عندما سالت دماء «إسرائيلية» في «ايلات»، ليرسلوا رسالة إلى من يهمّه الأمر بأن «إسرائيل» تصبح كتلة واحدة عندما يتعلق الأمر ب «أمنها». بالمقابل نجد أنفسنا حائرين بين الضحك والبكاء ونحن نرى حروباً كلامية تشتعل بين اللبنانيين لأسباب تافهة أو بلا أسباب، فقط من باب انتهاز الفرص والتجييش الفئوي والطائفي والتصيّد في المياه العكرة، خدمة لمآرب ومصالح تخص أصحابها ولا علاقة لمصلحة لبنان بها.

ليس مجدياً أن نضيّع الوقت في تحليل أطماع «إسرائيل» بكل ما تصل إليه أيديها في البر والبحر والجو، واستهدافها كل من يعوق زحفها وتمدّدها على حساب الأرض العربية وحياة الإنسان العربي أينما كان. «إسرائيل» لم تكتف باغتصاب فلسطين، فاحتلت أراضي عربية أخرى وترفض الانسحاب منها حتى لو مقابل تطبيع فلسطيني وعربي وإسلامي، وذلك لشعورها بإمكانية الحصول عليها من دون ثمن. لقد جرّبت هذه السياسة وأوصلتها إلى ما هي عليه، فلماذا تقدم ثمناً لشيء تستطيع أخذه مجاناً؟

ورغم أنها لم تصل إلى نهايات مشروعها الكولونيالي في البر، فإنها مدفوعة بلعابها السائل على النفط والغاز، ذهبت للزحف بحراً لوضع يدها على الحقول المكتشفة حديثاً نظراً لما ستحققه منها من مردودات اقتصادية تصب في خانة تفوّقها على العرب، وتكرّسها كقوة إقليمية عظمى تفعل ما تريد وتملي أجندتها وترسم الخرائط بقلمها الخاص ووفقاً لمصالحها.

ربما تشعر «إسرائيل» بأن الظروف العربية الراهنة مؤاتية لها لكي تفرض حقائق في البحر، مراهنة في ذلك على التبعثر العربي والصراع العبثي في لبنان المستهدف على الدوام. لكن هذا يفرض على عقلاء لبنان الذي كان أضعف البلاد العربية فأصبح الآن أقواها، أن يمنعوا عودة عقارب الساعة إلى الوراء، وإلا فإن مقولة «قوة لبنان في ضعفه»، ستتحوّل إلى «ضعف لبنان في قوته».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2165923

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165923 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010