الخميس 8 أيلول (سبتمبر) 2011

مخاطر القواعد الأمريكية بالعراق

الخميس 8 أيلول (سبتمبر) 2011 par فيصل جلول

تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال حملته الانتخابية لعام 2007 بالخروج من العراق بطريقة «مشرفة»، استناداً إلى الاتفاقية الأمنية المعقودة بين حكومة المالكي وسلطات الاحتلال، التي تنطوي على التزام واضح بخروج آخر جندي أمريكي من العراق في نهاية ديسمبر/ كانون الأول عام 2011. ومن غير المستبعد أن يواصل أوباما التمسك بوعده المذكور، لا بل يمكن أن يقدم الانسحاب من العراق بوصفه أحد أهم إنجازاته في الحملة الانتخابية المقبلة عام 2012 من أجل ولاية ثانية في البيت الأبيض.

كان يمكن لهذا السيناريو أن يكون راسخاً لو لم يشوشه روبرت غيتس في فبراير/ شباط الماضي، عندما تحدث عن احتمال بقاء قوات أمريكية في العراق بعد التاريخ المذكور، وبرر ذلك بالإشارة إلى أن التغييرات في البيئة الشرق أوسطية حول العراق ما كانت قائمة حين توقيع اتفاقية الانسحاب، وبأن وقوعها يستدعي ترتيباً مختلفاً للوجود الأمريكي في بلاد الرافدين.

وفي السياق انتشرت تصريحات عراقية يرحب بعضها بهذا الاحتمال، شأن معظم القوى السياسية الكردية التي تخشى فقدان الحماية الأجنبية، ومثلهم التركمان الذين يشكلون أقلية مهددة لا تتعدى المليون نسمة بين العرب والأكراد، فضلاً عن بعض الجماعات السياسية التي تدين بوجودها للاحتلال، وبالتالي لا تصمد بوسائلها الخاصة بعد خروجه.

بالمقابل صدرت تصريحات قاطعة عن التيار الصدري وعن هيئة علماء المسلمين تهدد باستئناف المقاومة إذا ما بقيت قوات أمريكية على الأراضي العراقية بعد التاريخ المذكور، وأكد طارق الهاشمي وجوب الالتزام بالموعد المحدد للانسحاب، ذلك بأن «الجيش الأمريكي هو المشكلة، وليس جزءاً من الحل» على حد تعبيره، وهو يرى أن الوجود الأمريكي المقبول يجب ألا يتعدى الـ 150 تقنياً يشكلون مكتب ارتباط بين العراق وأمريكا.

ويلاحظ التفاوت نفسه بين الدول المحيطة بالعراق التي تباينت مواقفها بين مؤيد ورافض لبقاء المحتل إلى ما بعد نهاية العام الجاري، ويعتقد بعضها أن العراق ليس جاهزاً بعد للدفاع عن حدوده، في حين يرى البعض الآخر أن الحكومة العراقية باتت مؤهلة للدفاع عن البلاد وأن بقاء الأمريكيين في العراق يشكل تهديداً لبعض جيرانه ولا سيما إيران وسوريا، وبالتالي لا بد من الالتزام بالجدول الزمني للانسحاب بمعزل عن التغيير الذي طرأ على بعض الأنظمة في المنطقة.

تبقى الإشارة إلى أن العراق يحتاج إلى تغطية عسكرية جوية لسمائه وهي غير متوافرة بعد، كما أنه يحتاج إلى استكمال قواته البحرية رغم محدودية إطلالته على الخليج بعد ترسيم الحدود البحرية مع الكويت، ومن المحتمل أن تستخدم الولايات المتحدة هذا النقص من أجل توفير الحماية للأجواء العراقية وللشاطئ العراقي، وربما أيضاً الاحتفاظ بقوات برية من أجل حماية السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء وهي الأكبر في العالم، ناهيك عن القنصليات ومكاتب الاتصال في البصرة وأربيل والموصل وغيرها.

يفصح ما سبق عن توجه أمريكي للاحتفاظ بوحدات عسكرية في العراق لـ «حمايته من أطماع» الدول المحيطة على ما تزعم أوساط وزارة الدفاع الأمريكية، وقد بنت واشنطن قواعد عسكرية لهذه الغاية. وتشير أرقام الموازنة الدفاعية الجديدة للعام المقبل إلى تخصيص أكثر من مئة مليار دولار للعراق وهو مؤشر مهم على تصميم وزارة الدفاع على الاحتفاظ بوجود عسكري ثابت في هذا البلد. يبقى تحديد الحجم الذي يمكن ألا يتعدى العشرين ألف جندي نظامي أو جنود وموظفين في الشركات الأمنية التي اكتسبت خبرة كبيرة في العمل في هذا البلد خلال السنوات الماضية.

نعم يمكن للبقاء في العراق أن يعيد تذكير الأمريكيين بسنوات الجمر الفائتة، كما يمكن للانسحاب التام أن ينطوي على مخاطر جدية ليس فقط على الاستقرار في بلاد الرافدين، وإنما في جوار أكبر مخزون للنفط في العالم. وحين يطرح البقاء مشكلة، والانسحاب مشكلة لا تقل خطورة عن الأولى فإن الطرف المعني يميل عادة إلى الخيار الأول مع علمه التام أنه يغامر بالرحيل عنوة، كما حصل في لبنان وفي فيتنام والهند الصينية من قبل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165412

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165412 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010