الاثنين 12 أيلول (سبتمبر) 2011

الشعب يريد طرد «الإسرائيليين»

الاثنين 12 أيلول (سبتمبر) 2011 par عبدالباري عطوان

كثيرة هي الاجتهادات والمواقف والايديولوجيات التي تفرّق بين الاشقاء المصريين، فهناك القومي، واليساري، والاخواني، والسلفي، المسلم والقبطي، المعتدل والمتطرف، ولكن القاسم المشترك الذي يوحد بينهم هو الكراهية المطلقة لـ «إسرائيل»، وهذه قمة الوطنية والشهامة، لان «إسرائيل» هذه، بما ارتكبته وترتكبه من جرائم في حق مصر، ومن ثم العرب والمسلمين لم تترك لهم خياراً آخر غير كراهيتها باعتبارها المصدر الاساسي للشرور في المنطقة بأسرها.

«إسرائيل» هي التي غزت جنوب لبنان عدة مرات وقتلت الآلاف من ابنائه، وهي التي غزت قطاع غزة واستخدمت قنابل الفوسفور الابيض لقتل 1400 معظمهم من الاطفال والنساء العزل، وهي التي اعترضت سفن الحرية في عرض البحر المتوسط، واغتالت تسعة من الاتراك، واخيراً هي التي قتلت ستة جنود مصريين بصواريخها امتزجت دماؤهم بتراب سيناء الطاهر.

الذين تظاهروا امام السفارة «الإسرائيلية» وحطموا السور الواقي لها، كانوا مواطنين عاديين، لم يرسلهم تنظيم اسلامي او علماني، اخواني او وفدي، عبروا عن هذه الكراهية بتسلق 19 طابقاً، واقتحام المقر واحراق العلم «الإسرائيلي».

الشاب الذي قاد عملية الاقتحام هذه قال في حديث لصحيفة «الجمهورية» انه عندما دخل المقر «شعر برهبة شديدة، واشتم دماء الشهداء المصريين الذين سقطوا في سيناء ومدرسة بحر البقر وعلى ضفة القناة برصاص «الإسرائيليين»». والاكثر من ذلك اشار الى «ان سكان العمارة الذين رأوه وزملاءه يتسلقون الادراج، استقبلوهم بالزغاريد، وكانوا ينادونهم بالأبطال».

ثلاثون عاماً من السلام المذل والتطبيع البارد لم تغير مشاعر الشعب المصري تجاه «إسرائيل»، بل زادتها غضباً وكراهية، والفضل في ذلك يعود الى «الإسرائيليين» وحكوماتهم المتغطرسة التي تعمدت اذلال العرب والمسلمين، والتغول في ارتكاب المجازر، وتدمير عملية السلام.

***

المجلس العسكري الحاكم في مصر ارتكب خطيئة كبرى بعدم إدارته لأزمة استشهاد الجنود المصريين الخمسة في سيناء بطريقة حازمة، وقراءته بشكل صحيح لمشاعر الشعب المصري على وجه الخصوص، فقد كان امامه خياران اساسيان لا بد من الاقدام عليهما او احدهما على الاقل:

الاول: ان يبادر فوراً الى طرد السفير «الإسرائيلي» من القاهرة وتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع «تل أبيب» الى الحدود الدنيا، مثلما فعل رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا، رداً على مقتل مواطنيه على ظهر السفينة «مرمرة».

الثاني: الاصرار على اعتذار «إسرائيلي» كامل لا لبس فيه او غموض، والتعهد رسمياً بعدم تكرار هذه المجزرة، ودفع تعويضات لأسر الضحايا.

من المؤسف ان المجلس العسكري لم يقدم على اي من هذين الخيارين، لامتصاص غضب الشعب بالتالي، الامر الذي دفع المواطنين المصريين الى الانتقام من السفارة «الإسرائيلية» بالطريقة التي شاهدناها، وتخفيض العلاقات الدبلوماسية مع «إسرائيل» من سبعين دبلوماسياً الى مساعد قنصل فقط.

مقتحمو السفارة «الإسرائيلية» الشبان كشفوا مدى ضعف هذه الدولة «الإسرائيلية» امام غضب الشعوب، فـ «إسرائيل» التي ارهبت حكاماً ودولاً عربية تملك الدبابات والصواريخ، عجزت كلياً عن حماية سفارتها، او اطلاق رصاصة واحدة على المقتحمين خوفاً ورعباً، رغم وجود الحراس المدججين بالسلاح، لانها تدرك جيداً ان استشهاد مصري واحد سيؤدي الى ثورة شعبية مصرية شاملة ضدها، وربما الانجرار الى حرب ساخنة، او باردة في اضعف الايمان.

نتنياهو المتغطرس المتجبر الذي يسير على الارض مثل الطاووس ويرفض الاعتذار لتركيا، ويتطاول على باراك اوباما رئيس الدولة الاعظم في العالم بعنجهيته، اضطر مرغماً الى الاتصال بالأخير طالباً النجدة والمساعدة لانقاذ الدبلوماسيين «الإسرائيليين» من محنتهم، بعد ان رفض المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري المصري الرد على استغاثاته، واستلام مكالماته الهاتفية.

هل هذا هو نتنياهو نفسه الذي كما قال روبرت غيتس وزير الدفاع الامريكي انه لم يتورع عن اهانة اوباما والقاء محاضرات عليه في كيفية التعاطي مع عملية السلام، وعدم المطالبة بتجميد المستوطنات، ووصفه اي غيت، بأنه اي نتنياهو، شخص «ناكر للجميل الامريكي»؟

***

كنا نتمنى لو ان المشير طنطاوي لفت انظار الرئيس اوباما، وهو يطالبه بالتدخل بسرعة لانقاذ الدبلوماسيين «الإسرائيليين»، بأنه (اي اوباما) لم يتدخل مطلقاً لانقاذ اطفال قطاع غزة من حمم الصواريخ والقنابل «الإسرائيلية» التي كانت تهطل كالمطر على رؤوسهم من طائرات (اف 15) و(اف 16) الامريكية الصنع اثناء العدوان على قطاع غزة.

ولكنه للأسف لم يفعل، بينما لم يتردد لحظة في اصدار الأوامر لقوات الامن المصرية باطلاق الرصاص على المتظاهرين وقتل اربعة منهم واصابة الف آخرين، من اجل عيون الدبلوماسيين «الإسرائيليين» وسلامتهم.

من سخريات القدر ان قوات الامن المصرية التي انقذت الدبلوماسيين «الإسرائيليين»، البستهم ملابس عربية ولفت رؤوسهم بالكوفية الفلسطينية لاخفاء هويتهم، وتسهيل نقلهم الى مطار القاهرة، حيث نقلتهم طائرة عسكرية «إسرائيلية» الى «تل أبيب»، وهذا هو اسوأ استخدام لهذه الكوفية، واساءة لها، وهي الكوفية التي باتت رمزاً للمقاومة والكرامة، ليس في فلسطين فقط، وانما في العالم بأسره ويعتبرها «الإسرائيليون» للاسف رمزا «للإرهاب».

وما يثير غيظنا، ويحرق اعصابنا نحن الذين نحترم الشرعية الدولية، ان نتنياهو الذي اعتبر اقتحام السفارة «الإسرائيلية» من قبل متظاهرين عزل، انتهاكاً لها، يتصرف وكأنه رئيس وزراء سويسرا او فنلندا، وليس رئيس وزراء دولة تعتبر الأكثر انتهاكاً لهذه القوانين والأعراف في تاريخ البشرية، من خلال احتلالها للأراضي العربية بالقوة، وبناء المستوطنات غير الشرعية عليها، وبناء سور عنصري لالتهام اكبر قدر من الأراضي الفلسطينية، والعدوان على دولة، بل دول مستقلة وعضو كامل العضوية في المنظمة الدولية، مثل لبنان وسورية، وقبلهما مصر والاردن.

«إسرائيل»، وبسبب غرور حكامها، فقدت اهم حليفين استراتيجيين لها في المنطقة، وهما تركيا ومصر، وباتت تعيش عزلة اقليمية ودولية حتى من قبل اقرب حلفائها في اوروبا، وقريبا في امريكا نفسها، فمنطقة «الشرق الأوسط» كلها تتغير وبسرعة، وهؤلاء يتغيرون ولكن الى الوراء، وهم الوحيدون الذين ما زالوا يعيشون في عصر الحرب الباردة وأدبياتها وممارساتها.

ولعلها صدفة سعيدة ان يحلّ السيد اردوغان رئيس وزراء تركيا ضيفا على مصر اليوم، في اول زيارة رسمية لرئيس وزراء تركي منذ 15 عاما، لوضع اسس اول تحالف استراتيجي بين البلدين الاضخم والأهم في العالم الاسلامي.

الجدران الاسمنتية حول السفارات، او على الحدود الفاصلة، سواء في الضفة الغربية او مصر او لبنان، لن تحمي «إسرائيل»، ولن تحصن دبلوماسييها ومستوطنيها من غضب الشعوب. السلام وحده هو الكفيل بذلك، ولكنها قتلت هذا السلام وعليها ان تتحمل نتائج جريمتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2177799

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177799 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40