الثلاثاء 13 أيلول (سبتمبر) 2011

ماذا يريد «الإخوان» في مصر ومأزق جمعة «تصحيح المسار»؟

الثلاثاء 13 أيلول (سبتمبر) 2011 par د. محمد السعيد ادريس

وضعت أحداث وتداعيات الجمعة الماضية (9-9-2011) التي عُرفت باسم «جمعة تصحيح المسار» جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وحزبها السياسي «حزب الحرية والعدالة» في مأزق مزدوج، الأول أمام القوى السياسية الأخرى وبالذات القوى المدنية بعد تورطها في رفض المشاركة في مليونية تلك الجمعة التي استهدفت الدفاع عن الثورة ومبادئها ومعالجة الخلل في أداء الحكومة وبالذات في ما يتعلق بالأوضاع الأمنية والمخاوف من احتمال حدوث انحرافات في محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وأركان نظامه، والثاني بسبب التداعيات التي ترتبت على تلك المليونية وبالذات ما حدث من اقتحام لسفارة الكيان الصهيوني في القاهرة واعتداءات على مديرية أمن الجيزة، ومن ثم صدور ذلك البيان المخيف عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة معاً الذي أعاد العمل بقانون الطوارئ وأعطى لقوات الأمن الحق في الدفاع عن نفسها ما يعني إعادة تمكين هذه القوات من الاشتباك العنيف مع المتظاهرين ومن ثم العودة إلى أجواء ما قبل ثورة 25 يناير.

نجاح مليونية جمعة تصحيح المسار وامتلاء ميدان التحرير بالقوى السياسية المنحازة لدعوة الدولة المدنية وخلوه من «الإخوان» والقوى الإسلامية الأخرى «السلفية» على وجه الخصوص جاء تحدياً «للإخوان» وإعادة للتوازن السياسي مرة أخرى بعد جمعة 29 يوليو/تموز الفائت التي شهدت أبرز استعراض للقوة من جانب «الإخوان» و«السلفيين» وحملت اسم «جمعة الإرادة الشعبية ووحدة الصف» واشتهرت باسم «جمعة قندهار» (إشارة إلى إمارة أفغانستان الإسلامية وحكم حركة طالبان) بسبب حرص الإسلاميين «السلفيين» خصوصاً على استعراض قوتهم وإطلاقهم شعارات إسلامية إقصائية للقوى والتيارات السياسية الأخرى، ورفض أي دعوة لإقرار وثيقة مبادئ دستورية تسبق عملية إجراء الانتخابات التشريعية المرتقبة.

في جمعة تصحيح المسار جرى تمرير رسالتين مهمتين، الأولى «للإخوان» ومجمل القوى الإسلامية التي تبرأت من المشاركة في تلك المليونية، والأخرى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حرص الإسلاميون على إعلان انحيازهم له ودعمه في مواجهة مطالب القوى السياسية الأخرى. شعارات تلك الجمعة أكدت هاتين الرسالتين وأكدتها أيضاً الهتافات الصاخبة التي استمرت على مدى يوم كامل وامتدت إلى منتصف الليلة الثانية قبل أن تتوجه الجموع الحاشدة إلى سفارة الكيان الصهيوني لتحطيم «الجدار العازل» الذي كانت محافظة الجيزة قد قامت بتشييده مؤخراً بعد حادثة إسقاط العلم الصهيوني من فوق البناية التي تقطن بها تلك السفارة، فقد ردد المتظاهرون في تلك المليونية هتافات يقول بعضها : يسقط حكم العسكر و«حكم العسكر باطل .. والمشير باطل» و«شيلنا مبارك جبنا مشير .. مش حاسين بالتغيير» و«الميدان مليان مليان .. من غير عسكر ولا إخوان» و«الإخوان فين .. الميدان أهو».

احتشاد مئات الآلاف في ميدان التحرير كان تحدياً «للإخوان»، وجاءت مطالب القوى السياسية في تلك الجمعة لتزيد من حرج غيابهم ووضعهم في مأزق التخلي عن الثورة ومطالبها والتهافت على السلطة بالارتماء في أحضان المجلس العسكري. فقد طالب المتحشدون بمطالب مهمة زادت من شعبيتهم على حساب شعبية «الإخوان». طالبوا ببسط الأمن في أرجاء البلاد وتنقية جهاز الشرطة من المنحرفين أصحاب الولاء للنظام السابق ووزير داخليته حبيب العادلي وممارساتهم القمعية والإجرامية، كما طالبوا بتطهير مؤسسات الدولة من رموز الفساد خاصة في الأمن والإعلام والجامعات والاقتصاد والمحليات، وإلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين، وتغيير مجموعة القوانين المعادية للثورة، وتدعيم استقلال القضاء، وإزالة الغموض واللبس الذي يكتنف العملية الانتخابية الوشيكة وبالذات القانون المعيب لتلك الانتخابات.

خسر «الإخوان» كثيراً من غيابهم عن هذه المليونية التي أكدت أمرين، أولهما أن القوى السياسية قادرة على الحشد الجماهيري من دون أي تأثير كغياب «الإخوان» والقوى الإسلامية الأخرى، وثانيهما أن «الإخوان» مستعدون للتضحية بالمبادئ للحصول على المكاسب، الخسائر تضاعفت بانضمام أعداد كبيرة من شباب «الإخوان» والإسلاميين إلى تلك المليونية، رغماً عن ارادة «الجماعة» و«حزب الحرية والعدالة»، في إشارة إلى تأكيد ظاهرة انسلاخ الآلاف من شباب «الإخوان» عن «الجماعة» وانضمامهم إلى أحزاب أخرى خاصة «حزب التيار المصري» المؤيد لترشيح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي «الإخواني» السابق لمنصب رئيس الجمهورية و«حزب النهضة» الذي تزعمه القيادي «الإخواني» السكندري الدكتور إبراهيم الزعفراني، في ظاهرة انشقاق باتت ملموسة عن «جماعة الإخوان المسلمين» ما يزيد من الخسائر المعنوية والسياسية «للإخوان» الذين كانوا قد تعرضوا في الأيام الأخيرة التي سبقت مليونية تصحيح المسار لمشكلات في ائتلافهم الانتخابي الذي يحمل اسم «التحالف الديمقراطي من أجل مصر» بمشاركة 28 حزباً وفصيلاً سياسياً بينهم أحزاب الوفد والغد والنور (السلفي) والكرامة (الناصري) والوسط.

المشكلة الأولى حدثت عندما تراجع «الإخوان» عن دعم وثيقة مبادئ دستورية كانوا قد توافقوا عليها مع شركائهم من الأحزاب الأخرى واضطروا للتراجع أمام ابتزاز «السلفيين» ومزايدتهم عليهم في إسلامهم، والثانية بسبب الخلاف حول توزيع المقاعد الانتخابية على الدوائر الانتخابية، حيث حرص «الإخوان» على الحصول على 33% من إجمالي مقاعد مجلس الشعب (الثلث المعطل) إلى جانب الحق في توزيع باقي المقاعد على الأحزاب الأخرى بالصورة التي يرونها ما يجعل منهم قوة مسيطرة داخل المجلس ويحول دون تكوين برلمان متوازن. هذا الإصرار على تلك النسبة من جانب «الإخوان» جعل شركاءهم يتهمونهم بأنهم تحولوا إلى صورة منسوخة من «الحزب الوطني» المنحل. الخلاف تفاقم مع الوفد والوسط بعد اتهام «الإخوان» للحزبين بضم أعضاء من الحزب الوطني المنحل على قوائمهما الانتخابية، وهو الاتهام الذي لقي رفضاً واستهجاناً من قادة الحزبين.

المأزق الثاني الذي يواجه «الإخوان» الآن هو كيف سيتعاملون مع الواقع المأزوم الجديد الذي خلفته تداعيات «جمعة تصحيح المسار» وبالذات تداعيات اقتحام السفارة «الإسرائيلية» والاعتداء على مديرية أمن الجيزة ووزارة الداخلية. فالبيان الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولجنة إدارة الأزمات بمجلس الوزراء معاً يكشف عن سياسة جديدة إزاء حركة الرفض الشعبية يتضمن العودة إلى السياسات الأمنية لمرحلة ما قبل الثورة، الأمر الذي يعني أن مصر أمام تطورات درامية شديدة الخطورة قد تشهد مواجهات دامية ظلت محرَّمة على مدى الأشهر الماضية بين الجيش والشعب في وقت أصبح فيه السلاح منتشراً في أيدي الكثيرين بعد كل ما حدث من اقتحامات لأقسام الشرطة والسجون.

فالبيان المذكور الذي تلاه أسامة هيكل وزير الإعلام تضمن النص على تحويل جميع المقبوض عليهم ومن يثبت تورطهم في أحداث جمعة تصحيح المسار إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بعد إعادة تفعيل قانون الطوارئ، وتطبيق كل النصوص القانونية المتاحة بذلك القانون، والنص على تمكين قوات الأمن من اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات للتصدي لأعمال البلطجة والدفاع عن النفس.

اللافت هنا أن هذا البيان وما يتضمنه من إجراءات أمنية مشددة لم يجئ استجابة لمطالب شعبية للتصدي لحالة الانفلات الأمني على مدى الأشهر الماضية ولكن جاء رداً على اقتحام سفارة الكيان الصهيوني، كما أنه جاء مصحوباً بانتكاسة في أداء الإعلام الرسمي والخاص حيث جرى التنديد بما جرى في تلك الجمعة على العموم وليس فقط اقتحام تلك السفارة أو الاعتداء على وزارة في جمعة تصحيح المسار، ولذلك دلالات أولها: أنها تستهدف النيل من كيان الدولة والجيش المصري، والعمل على توريط الجيش في صراع مع الشعب، وثانيها تأجيل أو الحيلولة دون إجراء الانتخابات البرلمانية حتى تبقى مصر تدور في حلقة مفرغة معدومة الاستقرار، وثالثها تحقيق الأجندات الخارجية التي تنفذ بأياد في الداخل بهدف توريط وإحراج مصر أمام المجتمع الدولي.

واقع مأساوي وخطاب قد يبدو في ظاهره يحمل كلمة حق لكنها قد تكون كلمة حق يراد بها باطل. هناك فعلاً من يهددون الاستقرار، ويصرون على جعل الفوضى هي الثمن الذي يجب أن تدفعه مصر وثورتها من جراء إسقاط النظام السابق، وهناك من يعرقلون تنفيذ الأهداف التي قامت الثورة من أجلها، كل هذا كان يحدث ولم تتحرك الحكومة ولا المجلس الأعلى للتصدي، لكن التحرك السريع جاء في أعقاب اقتحام سفارة العدو ودخول محاكمة مبارك ونظامه مرحلة حرجة.

ماذا سيفعل «الإخوان» إزاء هذا كله؟

«الإخوان» ليس أمامهم غير خيارين شديدي الحرج فإما أن ينحازوا للسياسات والمواقف الأمنية الجديدة والانقلاب على الثورة ومن ثم خسارة صدقيتهم وسط الشركاء السياسيين وأمام شبابهم الحريص على أن يكون ضمن قوى الثورة، وإما التصدي لهذه السياسات والانحياز إلى مسار الثورة ومن ثم خسارة كل جهود التقرب إلى السلطة الجديدة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

خياران كل منهما صعب على «الإخوان» ومشروعهم السياسي، وخياراتهم المبهمة وغير المفهومة حتى الآن في إدارة السياسة والحكم في المرحلة الانتقالية الحالية وهنا يكمن مأزقهم الصعب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2178200

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178200 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40