السبت 17 أيلول (سبتمبر) 2011

محاكمة نظام مبارك أم الثورة؟

السبت 17 أيلول (سبتمبر) 2011 par الياس سحاب

صحيح أن القاضي المولج بقضية محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه علاء وجمال، ووزير داخليته العدلي وستة من كبار مساعديه، بتهمة قتل مئات من المتظاهرين الذين شاركوا في ثورة 25 يناير، قد أمر بالغاء نقل وقائع الجلسة الثالثة من هذه المحاكـمة علنا على أثير التلفزيون المصري الرسمي (خلافا لما حدث في الجلستين الاوليين)، الا ان من تابع تغطية وقائع تلك الجلسة الثالثة، كما نوقشت وعرضت مساء يوم الجلسة الثالثة، على القناة الفضائية التابعة للتلفزيون المصري الرسمي، وسائر الاقنية الفضائية المصرية الخاصة، يصاب بالهلع مما يجري حاليا على ارض الكنانة من وقائع المرحلة الانتقالية بين اسقاط رأس نظام مبارك، وقيام النظام السياسي الذي يجسد بصدق ودقة ووضوح نظام الثورة البديل، كما يفترض منطق الامور. بل ان الهلع يذهب الى حد طرح السؤال عن الصفة الحقيقية لما شاهده المشاهد يوم الجلسة الثالثة: هل نحن امام محاكمة نظام مبارك وبعض رموزه، ام محاكمة الثورة ومن قاموا بها؟

النقاش الذي دار على مختلف الاقنية التلفزيونية المصرية (الرسمية والخاصة) كان يدور على مسائل عديدة تساعد على تحليل وفهم حقيقة احداث جلسة المحاكمة الثالثة. حتى ان احد المشاركين في النقاش كان يطرح وجهة نظر قانونية تقول ان القاضي الذي ينظر بدعوى جريمة قتل، لا يستطيع ضميريا الا ان يحكم وفق الاوراق التي بين يديه (من مذكرة النيابة العامة الى مذكرة محامي الدفاع)، وليس على اي شيء آخر، حتى لو كان القاضي قد شاهد وقائـع جريمة القتل بعينيه، ولاحظ ان اوراق الدعوى التي بين يديه تدين شخصا آخر غير القاتل الحقيقي. فهو في النهاية محكوم ضميريا بما بين يديه من اوراق الدعوى، وليس بما شاهده بأم عينيه.

معنى ذلك عمليا، ان المستشار أحمد رفعت، المولج بالنظر في الدعوى، قد يدفع دفعا، برغم نزاهـته المشهود له بها، الى بلوغ حد تبرئة مبارك واعوانه ورموز نظامه، من كل ما وجه اليهم من تهم بارتكاب جرائم قتل وفساد، بحق الثوار وحق مصر، اذا ما احسنت جهات خفية ترتيب اوراق الدعوى ومستنداتها، بما لا يستطيع القاضي النزيه ان يجد فيه ما يدعو الى اثبات التهمة على المتهمين، رغم علنية الجرائم موضوع الدعوى، من فساد مالي نهبت ثروات الدولة على مدى عقود، الى اصدار الاوامر العليا باطلاق النار على المتظاهرين من ابناء مصر، وقتلهم.

وليست هذه الرؤيا اضغاث احلام، او كابوس لا وجود له الا في النقاش النظري، بل هو كابوس حقيقي برز في تصرفات النيابة العامة، كما ظهرت في وسائل الاعلام، التي بدلا من ان تؤدي دور الدفاع عن الحق العام واثبات التهم على المتهمين، من خلال الادلة المثبتة في اوراق الدعوى وتحقيقاتها، جاءت الى الجلسة الثالثة باربعة شهود، من كبار ضباط وزارة الداخلية في عهد مبارك ووزير داخليته العادلي، على اساس انهم شهود اثبات، يتحولوا بقدرة قادر امام القاضي الى شهود نفي، تقود شهاداتهم القاضي النزيه لتبرئة المتهمين، اذا بقيت هذه هي الادلة التي تقدمها له النيابة العامة. وذلك على الرغم من ان احد هؤلاء الشهود قد اعترف بأنه اتلف تسجيلات فيها اثباتات دامغة تشير بالاسماء الى الجهات التي اصدرت الاوامر العليا باطلاق النار على المتظاهرين.

ليست المسألة منوطة فقط بنزاهة القاضي الذي ينظر في القضية، وهي نزاهه يعترف بها الجميع على ما يبدو، لكن التعـامـل مع المتهــمين ووكلاء الدفـاع عنهم باحترام ملوكي، ثم التعامل مع اهل الضحايا وممثلي الدفاع عنهم، كأنهم «ايتام على موائد اللئام»، أمر يدعو الى قلق حقيقي، خاصة بعد ان كانت الشرطة القضائية تفتــش احذية محامي الحق المدني (وكلاء اهالي الضحايا)، ثم تسمح فجأة بدخول صورة كبيرة للرئيس المخلوع يرفعها أحد وكلاء الدفاع عنه، ويافطة كبرى بتأييده ترفعها امراة دخلت قاعة المحكمة بكل راحة وسهولة.

ليس الامر بسيطا كما قد يعتقد البعض، فاذا ذهب القضاء الى حد اعلان براءة نظام مبارك ورموزه خاصة من تهمة قتل المتظاهرين عمدا، فان ذلك لا يمنع ـ منطقيا ـ من رفع دعاوى قضائية ضد كل ثوار 25 يناير، بتهمة القيام بانقلاب على رأس الدولة، وتهديد الامن القومي.

انها مرحلة انتقالية شديدة الحساسية، لا بد منها من بقاء العيون مفتوحة والعقول متيقظة والهمم مشحوذة، حتى لا تتحول محاكمة نظام مبارك فيها، الى محاكمة للثورة ومن قاموا بها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2177693

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

2177693 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40