السبت 29 أيار (مايو) 2010
التسلط الحواري والرأي العام وحدود الآراء المعارضة

عندما تذهب وسائل الإعلام إلى الحرب ... (2-2)

تأليف: أنتوني ديماغيو- عرض وترجمة: محمد ابراهيم فقيري
السبت 29 أيار (مايو) 2010

عندما تذهب وسائل الإعلام إلى الحرب ... (2-2)

تأليف: أنتوني ديماغيو- عرض وترجمة: محمد ابراهيم فقيري

1/1

في هذا الكتاب، الجديد والمثير، يستخدم المؤلف وهو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إيلينوي الأمريكية، أنتوني ديماغيو، الحرب الأمريكية على العراق والصراع الأمريكي الإيراني كوسائل اختبار لتمحيص العلاقة الواهية بين الأخبار و”البروباغندا” في وسائل الإعلام الأمريكية والغربية . وفي كتابه، ينهل ديماغيو ويقتبس من مفاهيم المفكر الإيطالي اليساري أنتونيو غرامشي، التي تركز على التسلط والهيمنة الثقافية، ويستشهد ديماغيو كذلك بأعمال ومؤلفات مناهضي الإمبريالية السياسية والثقافية من أمثال نعوم شومسكي، إدوارد هيرمان، وروبرت ماكشيسني . وببراعة يمزج ديماغيو نهجه الأكاديمي التجريبي الصارم بلغة تحليلية واقعية وجزلة، لينير القراء ويسلط الضوء على قضايا جوهرية، ويقدم دفعة إيجابية للنضال من أجل إعلام ناقد وهادف، وديمقراطية فاعلة .

الإعلام الأمريكي يتجاهل ضحايا العراق في ظل الاحتلال

يظهر ديماغيو، عبر دراسة أجراها شملت كبريات الميديا الأمريكية من 2002 حتى ،2007 أن هذه الميديا أولت اهتماماً كبيراً ومتكرراً بالضحايا الأكراد، وعبرت عن تعاطف أخلاقي ووجداني كبير بهؤلاء الضحايا، وصورتهم بأنهم أهداف تطهير عرقي . بيد أن الميديا نفسها، التي اهتمت أيما اهتمام وتباكت بشدة على الضحايا الأكراد في العراق أيام صدام حسين، أظهرت اهتماماً شحيحاً جداً بالضحايا الأكراد في تركيا، كما غضت الطرف عن براهين تتحدث عن تنفيذ عملية إبادة بحق الأرمن العام 1915 . وأبدت الميديا الأمريكية اهتماماً ثانوياً ضئيلاً بالضحايا العراقيين، الذين بلغوا مئات الآلاف، تحت نير الاحتلال الأمريكي .

ويلاحظ ديماغيو أن الميديا الأمريكية تحاول دائماً التقليل من حجم وعدد الضحايا العراقيين، وتفعل ذلك بفجاجة وغلظة “كما أنها تحاول التقليل من دور الاحتلال الأمريكي في المجازر التي يتعرض لها الشعب العراقي” بإلقاء اللوم على العنف العراقي وعلى “بعض” الجنود الأمريكيين “الفوضويين” . ومعاناة العراقيين في ظل الاحتلال الأمريكي لا تستدر تعاطفاً معنوياً من قبل إدارات الميديا الأمريكية، ويبدو جلياً أن معاناة العراقيين تعتبر أمراً ثانوياً مقارنة بالاهتمام الذي تبديه الميديا لضحايا الحرب من الجنود الأمريكيين . ويلاحظ ديماغيو أن الميديا الأمريكية تجعل الغضب تجاه الضحايا المدنيين العراقيين مرادفاً للعداء والحقد على الأمريكيين، ومرادفاً للإرهابيين والمتمردين والمتزمتين، وتبدي الميديا اهتماماً إنسانياً زائفاً بالمدنيين العراقيين، الذين تزعم أنهم سيكونون في خطر إذا انسحبت القوات الأمريكية من العراق .

منتقلاً من الحرب الأمريكية الحقيقية في العراق، إلى حرب واشنطن اللغوية “الخطابية” على إيران من 2002-،2007 يظهر ديماغيو في الفصل الخامس من كتابه كيف أن الميديا الأمريكية عملت بتطابق وتماه مع نموذج هيرمان شومسكي، وذلك بدفعها لحملة العلاقات العامة التي أثارتها واشنطن ضد طهران .

ويقول ديماغيو إن الميديا الأمريكية عملت على تضخيم وتهويل ما أطلقت عليه: التهديد الإيراني الكبير، وتدعي الميديا الأمريكية بالإشارة لتقارير وتصريحات صادرة من مصادر أمريكية حكومية أن إيران تعمل على تطوير وإنتاج سلاح نووي، وتورد الميديا الأمريكيج تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية، التي تتحدث عن مزاعم “التهديد النووي الإيراني”، وتتجاهل الميديا تقارير منظمة “IEAE” لمراقبة الأنشطة النووية، التي تفيد بأن إيران لا تشكل أي خطر نووي، وتتجاهل الميديا أيضاً نتائج تقارير أجهزة الاستخبارات الأمريكية نفسها، التي خلصت إلى أن إيران لا تطور أسلحة نووية . وتقسو الميديا الأمريكية على خيال إيران النووي، وتشجب مزاعم انتهاكات إيران لاتفاقية حظر الأسلحة النووية، وفي ذات الوقت تتجاهل الترسانة النووية التي تملكها “إسرائيل”، حليفة الولايات المتحدة، وتغفل عن ذكر التحايل على اتفاقية حظر الأسلحة النووية التي تمارسها الولايات المتحدة بشأن “إسرائيل” والهند .

هذا الأداء الإعلامي الخبيث موروث من الدور الذي لعبته المؤسسات الإعلامية الأمريكية في دعم أكاذيب وضلالات إدارة بوش، عندما زعمت بمصاحبة جوقة الميديا أن عراق صدام يهدد العالم ب “أسلحة الدمار الشامل” .

صحافيو السلطة

وديماغيو لا يقنع بمجرد البرهنة على استمرارية نظرية البروباغندا الخاصة ب “هيرمان وشومسكي”، التي يرى أنها تنطبق على عمل الميديا الأمريكية، ففي الفصل الرابع يسهب في تحليل السمة السادسة “أو المصفاة السادسة”، التي تتحكم بمحتوى وأداء وتقارير الميديا الأمريكية وهو: الطبيعة المحافظة للصحافة الاحترافية أو ما يعرف بالصحافة “الموضوعية” “المهادنة لواشنطن ومؤسسات المال والنفوذ” .

وهذا النزوع الطبيعي نحو المهادنة وتملق السلطة، يجعل صحافيين المؤسسات الإعلامية الكبرى متلهفين للعمل كسدنة للسلطة، ومروجين للسياسة الخارجية الأمريكية . وكما يشرح ديماغيو، لا يوجد سوى عدد ضئيل من الصحافيين الأمريكيين والبريطانيين ممن هم بحاجة إلى ترهيب أو رقابة على تقاريرهم وتغطياتهم، فالمؤسسات الإعلامية الأمريكية تعمل جلها وكيلة علاقات عامة مهمتها الترويج للمشروع الامبراطوري الأمريكي “وكذلك للأفعال الامبريالية البريطانية المصاحبة للمشروع الأمريكي” .

ويقول ديماغيو إن بتر وحذف الآراء المناهضة للحرب، يكون غالباً نتيجة طبيعية لاحتقار الصحافيين للآراء ووجهات النظر التقدمية والسلمية . فالصحافيون الأمريكيون والبريطانيون ومنذ أيام الدراسة في المدارس الابتدائية والثانوية، ثم كليات الصحافة، وحتى عملهم المهني كإعلاميين ومراسلين، يتعلمون ويتعودون على أن يصبحوا “أعضاء فاعلين ومتعاونين ضمن فريق عمل متجانس”، ذلك أن الصحافيين الأمريكيين والبريطانيين يعودون على عدم الانحراف كثيراً على منظومة القيم المألوفة في النظام الحزبي الأمريكي والبريطاني . وثمة حزمة من الحوافز ينالها الصحافيون الذين يؤدون عملهم ضمن الأطر المرسومة .

وفي ظل المنظومتين الإعلاميتين الأغنى والأكثر تأثيراً في العالم “الميديا الأمريكية والبريطانية”، يحتفظ الصحافي بعمله ويرتقي فيه، وينال الرواتب والامتيازات الهائلة طالما بقي وفياً ومخلصاً لميكانيزمات وآليات وأهداف البروباغندا القومية الامبريالية . كما أن الصحافيين الأمريكيين يعتقدون أن الولايات المتحدة قوة عظمى معطاءة، ملتزمة بصيانة وترقية حقوق الإنسان، تقليص الفقر، وحماية الديمقراطية حول العالم . والجدل قد يكون حول أنجع الوسائل لتحقيق هذه الأهداف، ولكن ليس ثمة نقاش حول مدى أو حقيقة التزام الولايات المتحدة بها .

الإعلام الغربي

ويلاحظ أن ديماغيو وفي فصول عديدة، خاصة الفصل السادس المعنون: “الميديا والعولمة والعنف” اختبرت موضوعاً لم يتطرق له شومسكي وهيرمان إلا لماماً وهو: الفوارق الملموسة في تغطية وتحليلات الميديا حول السياسة الخارجية الأمريكية .

وبعد أن أجرى ديماغيو بحثاً استقصائياً شمل 30 صحيفة إنجليزية وإسبانية حول العالم، اكتشف ديماغيو أن مؤسسات الميديا في دول العالم الرأسمالي “الأغنى”، أولت اهتماماً بالغاً بالحرب الأمريكية في العراق، أكثر بكثير من اهتمام المؤسسات الإعلامية في الدول النامية والفقيرة بهذه الحرب .

ويقول ديماغيو إن الارتياب في دوافع الولايات المتحدة متجذر بعمق في الدول الفقيرة والنامية، لأن كثيراً من هذه الدول ذاقت مرارة ويلات العنف الأمريكي، كما أن مؤسسات الميديا في هذه الدول متحررة من سطوة ملاك وسائل الإعلام في الدول الغربية .

ووجد ديماغيو فوارق بارزة في ما يتعلق بالرغبة والمقدرة على انتقاد سياسات الولايات المتحدة، حتى بين صحافيين ومحللي الدول الرأسمالية الكبرى . فعلى الرغم من أن الميديا البريطانية تلعب دوراً كبيراً في دعم الامبريالية العسكرية الأمريكية، إلا أن الصحف البريطانية تتمتع بقدر أكبر من المرونة النقدية “إذ لا يزال منتقدو الولايات المتحدة اليساريون أمثال روبرت فيسك، جوناثان ستيل، وجون بيلغر يحتفظون بمكانتهم الإعلامية وشهرتهم كمحللين ونقاد بارزين” .

الميديا البريطانية كما يرى ديماغيو لديها بعض التوجهات النقدية “يشمل ذلك الشجب الأخلاقي لأفعال الولايات المتحدة ومزاعمها التبريرية” . وإلى جانب نسبة التركيز القليلة لملكية الصحف الانجليزية “مقارنة بالملكيات شبه الفردية والعائلية للميديا الأمريكية”، وكذلك التدخلات العسكرية والاقتصادية الضعيفة “مقارنة بالولايات المتحدة”، ينسب ديماغيو التفاوت بين الميديا الأمريكية ونظيرتها البريطانية للتباين في الطبيعة “المهنية” الإعلامية بين هاتين الدولتين الامبرياليتين . فغالبية الصحافيين والمحررين الأمريكيين تدربوا في كليات ومعاهد الصحافة الأمريكية “المحافظة”، وبالتالي أصبحوا مهيأين لإبراز مفهوم الكتابة الموضوعية “المهادنة” التي تخدم المعتقدات السلطوية الحاكمة، وتروج لرؤى النخبة الأمريكية المتنفذة . أما الصحافيون البريطانيون فلديهم خلفيات أكثر عمقاً وتنوعاً، وتم تشجيعهم وتهيئتهم للتفكير باستقلالية، وبروح نقدية أكبر “مقارنة بنظرائهم الأمريكيين” عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية الأمريكية، التي أضحت السياسة الخارجية البريطانية ملتصقة بها الآن أكثر من أي وقت مضى .

الإعلام والمواطن

وفي الفصول الثلاثة الأخيرة من كتابه، يعالج ديماغيو معضلتين لم يتم التطرق إليهما في دراسة هيرمان شومسكي المعنونة: “تلفيق الرضا” .

المعضلتان هما:

1- التأثير الفعلي للتحريف الإعلامي “البروباغندا” الذي تحدثه وسائل الإعلام الأمريكية المهيمنة على الرأي العام الأمريكي “بعبارة أخرى، هل تقوم الميديا حقيقة بتلفيق الرضا أو تلفيق موافقة وتأييد الرأي العام؟” .

2- الدور الذي تلعبه ميديا الترفيه التي يبدو أنها تعني بالنسبة لديماغيو ثقافة وبيئة حياة النجوم والمشاهير، والأخبار والشائعات المحيطة بهم .

فديماغيو إذاً يبحث عن دور ميديا الترفيه، في صرف وتشتيت أنظار الأمريكيين عن القضايا السياسية .

والنتائج التي خلص إليها ديماغيو في ما يتعلق بالمعضلة الأولى “التأثير الفعلي للبروباغندا والتحريف الذي تحدثه مؤسسات الميديا الأمريكية الكبرى على الرأي العام” تبدو نتائج متفائلة . فعلى النقيض من الاعتقاد الشائع لدى الطبقة السياسية الأمريكية، التي تحسب أن الشعب الأمريكي جاهل للغاية، وغير عقلاني إلى الحد الذي لا ينبغي معه أخذه على محمل الجد عندما يتعلق الأمر بصناعة السياسات . ويستخدم ديماغيو بيانات بحثية واستقصائية للرأي العام لكي يظهر الكيفية العقلانية والإيجابية التي يستجيب بها الشعب الأمريكي للتغييرات في المعلومات والأحداث عندما توفرها الميديا لمعرفة نوايا واتجاهات الرأي العام في حرب العراق مثلاً وتوصل ديماغيو الى ان الأمريكيين يميلون عامة لرفض واقصاء رسائل التهديد والتلويح بالخطر التي تبعث بها الميديا الأمريكية، فالشعب الأمريكي اذا توفرت لديه معلومات حقيقية وصادقة، لا يقتنع ببروغاندا الميديا الأمريكية . و”الأمر الذي يبعث على التفاؤل أكثر من غيره” هو أن أغلبية الأمريكيين يشاركون بقية العالم في “شكوكه العميقة حول أحادية الولايات المتحدة وجبروتها العسكري” .

في 2009 أجرى ديماغيو استطلاعاً عشوائياً مفتوحاً، شمل أكثر من 200 من قاطني ولايات الغرب الأوسط الأمريكية “موزعين بين مناطق حضرية، وشبه حضرية، وريفية”، وقد قال 55% من المستطلعين ان النفط هو أقوى أسباب ودوافع الاحتلال الأمريكي للعراق، مقارة ب 22% ذكروا أن نشر الديمقراطية هو السبب الأول، و16% أشاروا الى مكافحة الإرهاب، و8% قالوا إن منع الحرب الأهلية يعتبر الدافع الأكبر .

وفي تناقض حاد مع نتائج استطلاعات الرأي، لاحظ ديماغيو ان أنباء وتقارير “الانسحاب من العراق” التي وردت في صحيفة ال”نيويورك تايمز” في الفترة من 2005 حتى 2007 لم تذكر ولو لمرة واحدة أي إشارة إلى اهتمام وطمع الولايات المتحدة بالنفط باعتباره أحد أسباب المعارضة الشعبية لحرب العراق . ويقول ديماغيو إن أحد سكان الغرب الأوسط، أخبره بأن احتلال العراق الغرض منه الاستحواذ على النفط وتأسيس قاعدة في الشرق الأوسط . لأن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة، وهي تعمل بنفس التكتيك الذي عمل به البريطانيون عندما أنشأوا مستعمراتهم في دول أخرى كانت تعارض سياساتهم .

أما في ما يتعلق بالمعضلة الثانية، فإن نتائج ديماغيو تبدو أقل وضوحاً، ولكنها أيضاً مشجعة . فديماغيو يعتقد أن “أخبار وشائعات النجوم والمشاهير” تساعد على تشتيت وإلهاء كثير من المواطنين خاصة المراهقين والشباب الذين لم يبلغوا سن الثلاثين عن الأخبار والموضوعات الجادة وينوه ديماغيو أيضاً بأن أغلبية الأمريكيين غير راضين عن هوس الميديا واهتمامها المبالغ فيه بالمشاهير والنجوم، وينتقدون الميديا الأمريكية على تصعيدها للتوافه وتهويلها للفضائح، على حساب تثقيف وتنوير الشعب بالقضايا والموضوعات المهمة والحيوية .

شريحتان من الرأي العام

في الفصل الثامن، يقول ديماغيو إن بيانات واستطلاعات رأي كثيرة أوضحت أن الشريحة الأكثر تعليماً وسط الشعب الأمريكي، والتي تبدي اهتماماً أكبر بالأخبار والتغطيات الإعلامية والسياسة التي ترد من الحكومة الأمريكية، وكذلك تبدي هذه الشريحة اعتماداً أكثر من بقية أطياف الشعب الأمريكي الأعرض على مقدرة الحكومة واستعدادها “للقيام بما هو صائب في القضايا الكبرى المتعلقة في السياسة الحكومية . ويمكن القول إجمالاً، ان المتابعة الكثيفة للأخبار والأحداث السياسية مرتبطة بشكل وثيق بمستويات التعليم العالي وبالثقة العالية بصناع وواضعي السياسات الأمريكية .

فأفراد الطبقة العاملة الذين لم ينالوا شهادات جامعية، يشاهدون في التلفزيون مباريات الكرة والسلة الأمريكية ومسلسل “ذا سيمبسونز”، ولا يتابعون الأخبار ويكتفون فقط بقراءة ومتابعة الصفحات الرياضية والهزلية في الصحف اليومية، ويقول ديماغيو إن هذه الشرائح من الشعب الأمريكي، التي لم تنل تعليماً عالياً، مهيأة أكثر من غيرها للارتياب والتشكك في البروباغندا الحكومية، وذلك بعكس الشرائح الأكثر تعليماً، التي تطالع الأخبار والأحداث السياسية بشكل يومي، وتشاهد محطات ال”سي .إن .إن” وال”إم .إس .إن .بي .سي”، والتي يشير ديماغيو إلى أنها تكون أكثر ميلاً لتقبل وتصديق الروايات والأخبار الرسمية . وينوه ديماغيو الى أن التفاوت، في طريقة تلقي وتقبل أطياف الشعب الأمريكي للأخبار والأحداث السياسية ينسجم مع نظرية هيرمان شومسكي “نموذج البروباغندا” وعملية “غسل الأدمغة” التي تعتبر محوراً من محاور “نموذج البروباغندا”، تفترض أن الناس الذين يتابعون الميديا ويهتمون أكثر من غيرهم بالانتخابات وسياساتها، ويحصلون على مستويات تعليم عالية، يصبحون مهيئين أكثر من غيرهم لتقبل تصريحات وأحاديث السياسيين الرسميين، والدفاع عنها .

التلفيق

كتاب “الميديا في الحرب”، الذي صاغه ديماغيو ببراعة ومهنية أكاديمية عالية، أثار ضجة واسعة عند صدوره مؤخراً، وبالرغم من احتفاء الأوساط الأكاديمية الأمريكية به، إلا أن بعض المحللين وجهوا لديماغيو بعض الانتقادات، ومن أبرز هذه الانتقادات، حشو ديماغيو للكتاب بنظريات ونقاشات أكاديمية مرهقة للغاية بالنسبة للقارئ العادي، لأن تكثيف النظريات بالطريقة التي أتبعها ديماغيو تجعل كتابه أشبه برسالة دكتوراه .

والأهم من ذلك، كما يرى بعض نقاد الكتاب، تسطيح ديماغيو لعملية تلفيق رضا وقبول الشعب الأمريكي، وتزييف وجدانه، فديمايغيو يعزوها لميديا الترفيه، التي رغم مساهمتها الكبيرة في تشتيت اهتمام الشعب الأمريكي بالقضايا السياسية والاجتماعية الكبرى، إلا أنها ليست سوى محور من محاور التضليل، التي تشمل أطيافاً واسعة من التحريف السياسي والايديولوجي، يتم إنتاجها وإخراجها عبر نشرات وأخبار الشؤون العامة والتحليلات السياسية . فالشعب الأمريكي لا يتم تحييده فقط عبر ميديا الترفيه وأخبار وشائعات النجوم والمشاهير، فالبرامج والأخبار في قنوات التلفزة الكبرى، مثل “إن .بي .سي”، و”فوكس”، وال”سي .إن .إن” تضخ شحنات عالية من التضليل السياسي والايديولوجي، وهووليود بإمكاناتها الهائلة ومقدرتها على الإبهار تروج بخبث للامبريالية والشوفينية، عبر إنتاج أفلام مثل “رامبو”، و”توب غن” و”فيرست بلود”، و”ضابط وجنتلمان” و”ألعاب باتريوت”، وهذه الأفلام تبرر وتروج المبادئ الأمريكية العسكرية والسياسية الامبريالية، كاثرين بيغلو مخرجة الفيلم الذي أنتجته هووليود مؤخراً، حول حرب العراق، “خزانة الألم”، قالت عندما تسلمت جائزة الأوسكار في حفل الأكاديمية الأمريكية: “أود إهداء هذا الأوسكار للرجال والنساء في الجيش الذين يخاطرون بحياتهم يومياً في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى حول العالم” .

كما أن مضخة التزييف الأمريكية تشمل أيضاً ألعاب الفيديو والروايات التي تمجد القيم الامبريالية والجبروت العسكري الأمريكي . ولا تقل أهمية وتأثيراً عن نشرات الأخبار المسائية، ومقالات وافتتاحيات ال”نيويورك تايمز” .

وإذا نحينا هذه الانتقادات جانباً، نستطيع القول، إن كتاب “الميديا في الحرب” يعتبر إضافة جريئة ومهمة لدراسات الميديا اليسارية الأمريكية، وإضاءة جيدة لأبحاث هيرمان شومسكي حول بروباغندا الميديا الأمريكية، وطريقة تحريفها وتزييفها للأخبار والأحداث السياسية، ولوعي ووجدان الشعب الأمريكي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2180777

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2180777 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40