الاثنين 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

طلب عضوية الدولة الفلسطينية المنقوص

الاثنين 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par د. عبد الاله بلقزيز

ليس من موقع المُطالِب بالحدّ الأقصى الوطني والقومي نقول إن القيادة الفلسطينية أخطأت خطأ فادحاً في المطالبة باعتراف الأمم المتحدة بعضوية دولةٍ فلسطينيةٍ على الأراضي المحتلة في حرب 67، وإنما من موقع سياسيّ براغماتي، واقعي، مرحلي. نترك المبدئية الثورية والتمسُّك الثابت بفلسطين التاريخية، المحرَّرة من النهر إلى البحر، لِمَنْ يُتقن أكثر منّا المرابطة عندها، مثل «الجبهة الشعبية»، و«الجبهة الشعبية - القيادة العامة»، و«حماس»، و«الجهاد الإسلامي»، وَلْنَسْتَعد لغة السياسة ونواميسها الواقعية فنقول: إنه الخطأ الثاني الذي ترتكبه القيادة الفلسطينية في المسألة عينها منذ ما يزيد على عقدين بثلاثة أعوام، وتكرّر به إنتاج شروطِ متاهةٍ سياسية جديدة ستأخذها إلى المجهول على مثال ما أخذتْها إليه منذ «مؤتمر مدريد»، ثم «اتفاق أوسلو» حتى اليوم.

في «إعلان الاستقلال»، الذي تلاه الشهيد ياسر عرفات في المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر (نوفمبر 1988) في الجزائر، رسمت منظمة التحرير حدود دولتها في نطاق أحكام القرارين الدوليين 242 و338، وارتضتها سقفاً للمشرع الوطني، ولم تَكُنِ المشكلة في أنها بادرت إلى رسم حدودٍ لدولتها، فيما «إسرائيل» محجمة حتى ذلك الحين - حتى الآن - عن تحديد حدود كيانها، بل في أنها أقامت فكرة الدولة المستقلة على حدود متواضعة جداً ودون تلك الحدود التي «يمنحها» القانون الدولي المجحف للفلسطينيين في قرار التقسيم المشؤوم الحامل رقم 181، الصادر في العام 1947. فلقد تبرَّع «إعلان الاستقلال» للكيان الصهيوني - وبشكل مجاني - بسائر الأراضي الواقعة في الجانب العربي خارج قرار التقسيم والمحتلة في حرب عام 1948 من دون مبرر قانوني أو سياسي، وأسبغ الشرعية على احتلالها التوسعي لأراضٍ فلسطينية لم يمنحها إياها قرار التقسيم.

الخطأ عينُهُ يتكرر اليوم في خطاب محمود عبَّاس في الأمم المتحدة، وفي الطلب الفلسطيني المقدّم للحصول على عضوية دولة في المنظمة الدولية : القبول بما دون الحد الأدنى من الأرض لمجرد الحصول عليها نظرياً، أو رمزياً، وحتى من دون أن تتضح صورة المطالب الأخرى الجوهرية ولا مآلاتها مثل القدس وعودة اللاجئين وتفكيك المستوطنات، ثم التشديد - في الوقت عينه - على التفاوض مع الدولة الصهيونية خياراً وحيداً لتحصيل الحقوق.

للخطأ وجهان : قانونيّ وسياسيّ. والوجهان ذيناك لازما الخطأ إياه حين ارتكابه، ابتداءً، في «إعلان الاستقلال» قبل ثلاثة وعشرين عاماً، وحين تكراره اليوم في الاجتماع العام السنوي في الأمم المتحدة. وهو - بوجهيه - مما لا يقع فيه عقلٌ سياسيّ براغماتي رصين، دعك من العقل المبدئي الذي لا يقبل، أصلاً، فكرة دولة فلسطينية صغيرة على جزء من الوطن!

يتمثل الوجه القانوني في هذا الخطأ، في أن الطلب الفلسطيني يتخلّى عمّا يمنحه القانون الدولي للفلسطينيين، ويتمسك بما لا يصرّح ذلك القانون بأنه من حقوقهم. يرفض إسناد شرعيته إلى القرار 181 - قرار التقسيم - الذي «يمنح» العرب حقّ إقامة دولة على قرابة نصف فلسطين، بينما يرتضي إسناد شرعيته بالقرارات الدولية الصادرة بعد حرب 67، وأولها القرار 242، وهي لا تتحدث عن حقوق فلسطينية، بل ولا تكاد تشير إليها إلا من زاوية تعريفها السلبي لأصحاب الأرض بوصفهم مجرد لاجئين.

ثم ماذا يعني التسليم بجغرافية الكيان الصهيوني قبل حرب 67 سوى التسليم بشرعية احتلاله أراضيَ لم يمنحها له قرار التقسيم، مع أن هذه الأراضي - ومنها الجليل - ينطبق عليها ما ينطبق على المناطق المحتلة عام 67 مثل الضفة والقطاع والقدس؟

أما الوجه السياسي - وقد يكون الأهمّ - فهو في أن عدم تعريف حدود الدولة الفلسطينية بأنها الحدود التي يتحدث عنها قرار التقسيم، وليس حدود 4 يونيو 67، إنما يُضيع على المفاوض الفلسطيني ورقة سياسية ما أحوجه إليها للحصول على عضويةٍ لدولته حتى في حدودها المتواضعة التي يرتضيها اليوم، فثمة فارق في منطق السياسة ونتائجها بين أن تطلب من العالم عضوية دولة على أرضٍ تَقِلّ قليلاً عن نصف مساحة فلسطين التاريخية، وبين أن تطلب عضويتها على مساحة الضفة والقطاع وشرقي القدس، حيث لا تتجاوز من مساحة فلسطين الـ 22%! إذا كان التفاوض على دولة على حدود التقسيم قد لا يعطيك في النهاية غير دولة على حدود القرار 242، فأية دولة سيعطيك ذلك التفاوض المجحف إذا كنت تسلّم بأن مساحتها هي تلك الـ 22%؟! إنه تفريطٌ غيرُ مبرَّر بورقة سياسية ثمينة اسمها الجغرافيا القانونية للمناطق التي يسلّم قرار التقسيم المشؤوم بالحق في إقامة دولة عربية عليها. وهو نظير التفريط الفلسطيني الرسمي بالحق في مقاومة الاحتلال - الذي يكفله القانون الدولي - بدعوى أن التفاوض هو الخيار الاستراتيجي الوحيد لـ «استرداد» الحقوق. وهو نظير التفريط بصيغة المؤتمر الدولي الذي ترعاه الأمم المتحدة لإنهاء الصراع العربي - «الإسرائيلي» وحلّ القضية الفلسطينية، بتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، بدعوى أن الحل لا يكون إلا من طريق المفاوضات المباشرة : حيث يستفرد القويُّ الضعيف ويُملي عليه شروط المنتصر.

ربما مَلَكَ أبو مازن بعضاً من الشجاعة كي يعلن أمام الأمريكيين والأوروبيين - بهذه الخطوة - أن النخبة الفلسطينية الحاكمة، منذ ست سنوات، لم تحصل على شيء من طريق المفاوضات على الرغم من أنها خاضت فيها كخيار وحيد، وأنها باتت تراهن على تدخّل المجتمع الدولي لإنصاف شعبها. غير أن هذه الشجاعة ناقصة حتى الآن، ليس فقط لأنه كان في وسع محمود عبَّاس أن يذهب في المطالبة أبعد متسلّحاً بالحقائق الجديدة التي ولّدتها الثورات العربية، وإنما هي ناقصة لأنه لم يتَخَلَّ - وفريق عمله - عن فكرة التفاوض كخيار وحيد أمام شعب فلسطين لتحصيل الحد الأدنى من حقوقه. لا معنى، في مثل هذه الحال، لأن يحترم المرء احتجاجاً رمزياً على مفاوضات عبثية ينتهي إلى التزام مادي متجدّد بها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2176659

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2176659 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40