الثلاثاء 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

جباه لا تعرف الخجل!

الثلاثاء 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par د.امديرس القادري

أصحاب هذه الجباه هم فئة لا تجري الدماء في عروقها، وبالتالي وكتحصيل حاصل فهم لا يعرفون أبداً طعم الحياء، ولا يعترفون مطلقاً بالمبادئ والثوابت والقيم، وكل شيء عندهم جائز ومستباح، ولذلك فإن جميع الحواس لديهم لا تعمل إلا بموجب قانون المصالح الشخصية الرخيصة، ولا يعترفون بالديانات وعليه فهم يديرون ظهورهم للسماء وقوانينها، لذلك فهم لا يجيدون سوى فنون الانبطاح والالتصاق بالأرض ولا يصادقون بالتالي سوى دودها الذي يختبئ في ترابها.

ليس لهم معدن يعتزون به، ولذلك فالصدأ يكسوهم من أصابع الأقدام وحتى شعر الرأس، ونفوسهم غارقة في الدناءة ما داموا قد اعتادوا على فتات الموائد وبواقيها، والمقياس الوحيد الذي يحركهم يعتمد على ما يدخل إلى جيوبهم التي أصبح الحلال والحرام لديها سيين، ولديهم في ذات الوقت قدرة عالية على التسلق فوق كل الأجسام من خلال اللف والدوران والنفاق والتملق والمداهنة، انتهازيون وصوليون وأقدامهم دائماً على أتم الاستعداد لتدوس على كل المحرمات والمقدسات لأن قاموسهم العفن لا يحتوي على هذه المعاني والمفردات.

يمارسون كل المهن، ولذلك فمن الطبيعي أن تجدهم في كل المجالات، وفي كل مناحي الحياة، أيديهم كالحرير، ولذلك فلا يمكن أن تستعصي عليها الأقفال لأنهم يكرهون كل ما هو مغلق ويتلذذون بكل ما هو مفتوح، وغريزتهم لا يشبعها استراق السمع وراء الأبواب، لذلك فهم حريصون كل الحرص على أن يكون لهم موقع متقدم في الصفوف الأولى، ويتمنون الكون والمشاركة في كل الكواليس الهادئة لأنهم يعشقون الهمس واللمس، ويكرهون الصراخ والضجيج، لأنه قد يصيبهم بالتوتر، والتعرق، وبالاحمرار، الذي ما أسهل أن يداهم وجناتهم وشحمة الأذن منفصلة كانت أم ملتصقة بالخد فلا خلاف في ذلك.

من مواصفاتهم أيضاً أن لديهم شطارة وكفاءة عالية في نسج العلاقات ومد الحبال وفي الاتجاهات الأربعة التي انصهرت وتداخلت عندهم حتى غدت طريقاً واحداً يصلون من خلاله وعبره إلى كل ما تشتهيه نفوسهم المريضة، والمؤهلات التي تساعدهم على تحقيق ذلك عجيبة وغريبة حتى ولو كانت مكشوفة ولا ستائر تغطيها، فالبكالوريس في هز الرأس بالإيجاب دائماً، والماجستير في الانحناء أمام المقامات العليا، والدكتوراة في تقبيل أيدي الزعيم وأينما يكون.

عزيزي القارئ، أنا أعتذر إذا كنت قد أرهقتك بالقراءة، ولكن هل لديك شك بوجود هذه الفئة؟ ألم تصطدم بها في يوم من الأيام؟ ألم تكتو مرة منها ومن فسادها؟ ألم تشعر بحرقة وغصة منها ومن سلوكها وتصرفاتها وودت لو أنك تحرق الأخضر واليابس تحت أقدامها؟ لا تذهب بعيداً فالسؤال لم ينته بعد، فما رأيك فيمن يصر على أن هذه الفئة التي تنتشر كالطاعون هي التي سيتحقق على يديها تحرير فلسطين وعودتها الميمونة إلى أهلها وناسها وأصحابها الشرعيين؟!.

أنا لا أبالغ، ولا أتجنى ولا أفتري على الحقيقة والواقع، فهذه الفئة أصبحت تملأ أرجاء البيت الفلسطيني وبشهادة الحمام الزاجل الذي يأتي بالأخبار كل صباح من غربي النهر، ففي السلطة وحكومتها، وفي وزاراتها ومؤسساتها، وفي الأجهزة الأمنية التي أصبحت تتكاثر كخلايا السرطان في الجسد، وفي الجامعات وفي كل الصروح التعليمية، في الاقتصاد، في ثقافة السلام التي ابتدعوها ولوثوا بها أجواءنا الوطنية، والتي سوف ننزلق من خلالها نحو منحدر الهاوية الذي ستختفي في نهايته فلسطين كتاريخ ووطن، ولكي نفوز بالدولة التي ننتظرها هدية من الأمم المتحدة لتكون بديلاً عنها.

العرس الفلسطيني المفتعل الذي رافق «استحقاق أيلول» وبكل ما احتوى عليه من أشعار، وزجل، وعتابا وميجانا، وصولاً إلى خطاب الرئيس الذي ألقاه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة والذي يشار إليه على أنه أعاد الروح للقضية الفلسطينية ووضعها من جديد على مشارف فجر الانتصار القادم، ولكن إذا ما سلمنا جدلاً بذلك، ووضعنا رأسنا بين بقية الرؤوس وحتى لا يقال إننا نحمل السلم الوطني بالعرض، أفلا يحق لنا أن نتساءل وأن نصرخ بأعلى صوت، ومن فوق كل قمم الجبال الفلسطينية، عن السبب والدواعي التي اقتضت اتصال الرئيس أبو مازن برئيس الكيان الصهيوني المجرم شمعون بيرز لتهنئته بحلول «أعياد رأس السنة العبرية» في الوقت الذي لم تبرد بعد حرارة خطابه الذي سعى من خلاله للمطالبة بالدولة؟!.

الرئيس أبو مازن يهنئ ويبارك للقتلة وللمجرمين في أعيادهم، في الوقت الذي تفرض به سلطاتهم طوقاً أمنياً شاملاً على الأراضي الفلسطينية ولمدة أربعة أيام ليتسنى لهم الاحتفال بمناسبات كاذبة لا وجود ولا معنى لها، ألا زال عند الرئيس أبو مازن أعذار ومبررات بالتهنئة؟ فيما عصاباتهم المجرمة والفاشية تحاصر أبناء شعبنا الذين كانوا قبل أيام يحتفلون بعودته المظفرة ويهتفون باسمه ويرفعون صور سيادته، ويدنسون مساجدنا ويحرقونها، ويقتلعون الأشجار ويدمرون المزروعات، ويدوسون الأبرياء في الطرقات، ويهدمون البيوت ويصادرون الأراضي وكما يشاؤون، ألا يحق لي بعد ذلك أن أقول إن الجباه التي فقدت الخجل لا يمكن أن تعيد لفلسطين وشعبها ذرة كرامة، أترك الحكم لكم ولضميركم!!.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165956

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165956 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010