الثلاثاء 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

الأسرى ومعركة الجوع

الثلاثاء 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par أمجد عرار

الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال يخوضون هذه الأيام إضراباً جديداً عن الطعام في مواجهة ممارسات إدارات الاحتلال في السجون القائمة على الإذلال المقصود والممنهج للأسرى، وفي خطوة تحمل هذه المرّة عنوان الاحتجاج على سياسة العزل التي تتبعها ما تسمى مصلحة السجون بحق عشرات الأسرى الذين يحتجز بعضهم في زنازين انفرادية وفي مقدّمهم القيادي والنائب أحمد سعدات المعزول عن العالم الخارجي وعن زملائه الأسرى منذ أربع سنوات. لكن هذا لا يعني أن الأسرى بإضرابهم عن الطعام يتضامنون مع المعزولين فحسب، إنما يتضامنون مع أنفسهم أيضاً، إذ إن كثيراً من أسباب الاحتجاج ودوافعه يتعلّق بظروف الأسرى الذين يواجهون أوضاعاً اعتقالية قاسية وزادت قسوة في الآونة الأخيرة حيث تستسهل إدارة سجون الاحتلال فرض عقوبات واجراءات غير مسبوقة عليهم جعلت حياتهم لا تحتمل. وعندما تصل حياة الأسرى إلى هذه المرحلة من دون أن يسمع صرختهم أحد في هذا العالم المنافق، ليس أمامهم سوى سلاح الجوع وقاعدته «نعم لآلام الجوع وألف لا لآلام الركوع».

ينبغي علينا أن ندرك أن الحديث سنة لا يوازي التجربة الاعتقالية دقيقة واحدة، وبخاصة في سجون «إسرائيل» حيث القهر متعدد الأشكال، وفي ظل عدم اعترافها بالمعتقلين كأسرى حرب بل كـ «إرهابيين» و«مخربين» تسعى بكل السبل والوسائل لإذلالهم وتدفيعهم ثمن نضالهم من أجل حرية شعبهم. إن تعرية الأسير خلال تفتيشه لا يمكن أن يكون لها بعد أمني في ظل التقنيات المتطورة، ولا معنى لها سوى إشعار الأسير بأنه «لا شيء» أمام جندي يفعل ما يحلو له. وفي الفترة الأخيرة عمدت إدارة سجن الدامون إلى تكبيل الأسيرات الفلسطينيات من أيديهن وأرجلهن خلال زيارة أهلهن . وهنا أيضاً تبدو الذريعة الأمنية أكثر من سخيفة، إذ إن السجان يدرك استحالة هرب الأسيرة من سجن محصّن وموجود في عمق المناطق المحتلة عام 48، لا معنى لهذه السياسة سوى الإذلال وكسر إرادة الأسيرات وكرامتهم، وتيئيس أهلهن الذين يرونهن في هذا المشهد المهين.

«إسرائيل» المدلّلة تستفرد بالأسرى ولا تجد من يلزمها باحترام القانون الدولي، ولا سيما احترام حق المعتقلين في تلقي الزيارات العائلية الدورية، واحترام الحد الأدنى من معايير الأمم المتحدة الدنيا لمعاملة المعتقلين الصادرة عام 1955، ووثيقة جنيف لعام 47 المتعلقة بالتعامل مع المدنيين في زمن الحرب.

إن الأسر لدى قوة غاشمة تجمع بين أيديولوجية عنصرية وسياسة إلغائية متعجرفة، يتحوّل إلى رحلة عذاب من لحظة الاعتقال إلى لحظة الخروج، إذا قدّر للأسير بأن يخرج. فـ «إسرائيل» هي الوحيدة في العالم التي تغطي التعذيب بقوانين من أعلى الهيئات القضائية فيها، وهي تبرر لنفسها، تحت ذريعة «الإرهاب» أن تفعل ما تشاء بالأسرى، ما دام العالم يوافق على وضعها فوقه وخارج قوانينه.

في ظل هذا الاستفراد، يلجأ الأسرى مرة جديدة لأنفسهم حيث لسان حالهم يقول «يا وحدنا». ويكفي التذكير بمنطق المحققين «الإسرائيليين» الذين يوظّفون حالة الهوان العربي كسلاح في مواجهة الأسير، فيقولون له إن إخوانه العرب لا يسألون عنه ولا يعيرونه أدنى اهتمام وإن فلاناً أو علاناً يرسل أبناءه للدراسة في أمريكا وبريطانيا، في ما هو بين ستة كتل أسمنتية ولا أحد يسمع صرخته. مع الأسف الشديد، ينبغي الاعتراف بأن هذا الوصف صحيح، وإلا هل من مبرر قومي أو ديني أو إنساني لترك الأسرى وحيدين في مواجهة القهر والذل واحتمالات الموت؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165958

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165958 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010