الأربعاء 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

ربطة عنق

الأربعاء 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par يوسف أبو لوز

يركب الرجل أعلى خيله بعيداً عن نهر الخابور أو أوغاريت التي ما زالت لفائف التاريخ الكنعاني مدفونة تحت رمالها، لكنه في الواقع يركب على اللغة عندما تتحول إلى خطابة كلاسيكية أشبه بدروس الترشيد والتوكيد على الفاعل والمفعول به من دون أن ينتبه إلى الفرق التراجيدي بين القاتل والضحية.

فقط تلزمه خطبة مضبوطة البناء والتعمير في قطاع صغير ملقى على طرف البحر الأبيض المتوسط لكي يقول لأبناء المدارس هناك إن مشاعل هو جمع مشعل، وإن القتلة جمع قاتل، وإن المفرد البشري وحتى الحيواني إذا امتلك قوّته الداخلية، فإن كل قوة الكون لا تجعله مفرداً ضائعاً في الجمع العمومي الذي يشبه القطيع.

يقال إن لكل امرئ نصيباً من اسمه، وبالتالي، على هذا النصيب أن يتشكل ثقافة وموقفاً ورؤية وممارسة حتى لو تغيّرت الموازين والمعايير واتجاهات الرياح وطرق الزوابع.

مسك العصا من الوسط ليس موقفاً بالمرة، لأنه موقف رمادي، فلا هو أبيض ولا هو أسود، وفي الأرجح تنكسر العصا من وسطها .. النقطة الرمادية المواربة والأضعف بين طرفين أحدهما سالب والآخر موجب، طرفين قويين حتى في السلب وحتى في الإيجاب، بل هما طرفان محكومان دائماً وأبداً إلى الجذب والتنافر بتلك القوة الفيزيائية التي لا يمكن أن تحيط بها لغة البلاغة وحتى لغة السياسة عندما تكون هذه اللغة الأخيرة إرشادية وعظية، وكأن البحر أمام الجالس على شاطئه لا يُرى بالعين المجرّدة.

يركب الرجل خيول الآخرين أيضاً، ويضع تفاحاته كلها في سلال مصنوعة من قصب لا ينمو في بلاده، وعندما يرى صورته الكاريزمية في المرآة، يطمئن نفسه أنه ما زال بطلاً في زمن بلا أبطال.

قريباً منه، وليس بعيداً عن قطاعه، وبالقرب تماماً من مقاطعته أو من المقاطعة، يبدو الأمر أكثر سوءاً وأكثر كارثية، فالخطابة البليغة أمام العالم التي ترمي إلى الحصول على كيان ولو رمزي في الخريطة التي لم تصل إليها الطريق .. كانت هي الأخرى بلاغة الغائب عن مجرى تاريخه وكم سرى في هذا المجرى من دم ودموع.

الثاني أقل إقناعاً للضمير والقلب والذاكرة من الأول، والاثنان معاً يبدوان أكثر تصالحاً في المشهد المرئي وغير المرئي من أي وقت مضى، فقد عجزا تماماً عن التصالح في منطقة صغيرة تقع بين البحر واليابسة على أرض واحدة صغيرة يسميها الشعراء : بيت اللحم.

الأول بربطة عنق مشدودة جيداً على رقبته الممتلئة، والثاني بلا ربطة، والاثنان بلا أي رابط مع اللحم المحترق يومياً في الأرض الوحيدة المحتلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2182149

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2182149 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40