هل يمكن لمشهد واحد في غرفة واحدة قد لا تملأ مساحة الشاشة أن يختزل ويكثف تاريخ الاضطهاد والعسف والتطهير العرقي والسادية السياسية؟
لم يحلم مسرحي من طراز «آرتو» بمثل هذه القسوة عندما فكر باستحداث مسرح مكرس للعنف والقسوة.
ما من ذريعة لكائن في هذا الكوكب كي يدعي بأنه لم يشاهد قطيعاً متوحشاً من شرطة «إسرائيل» وهو يركل بالبساطير امرأة وطفلة وشاباً عزل من كل شيء إلا من أسمائهم العربية واستغاثاتهم التي لم تصل..
جريمتهم وفقاً لقانون الغاب الاحتلالي والاستيطان أنهم لاذوا بخرابة بلا أبواب أو نوافذ كي يحتموا من العراء، وجريمتهم الثانية هي أنهم تجاسروا على تخطي الخط الأحمر العنصري حيث يقطن لصوص سطوا على أرضهم وبيوتهم وحاولوا أخيراً السطو على ذاكرتهم ولغتهم.
إن من قدم هذا المشهد يهودي مضاد للصهيونية وناشط لا يدافع عن حق الفلسطينيين فقط، بل عن حق اليهود القادمين من المستقبل لأن الجنرالات والحاخامات والمستوطنين حولوا المستقبل إلى كمين لأحفادهم وأحفاد أحفادهم.
من استباحوا المقابر والجوامع والبشر حتى النّخاع استكثروا على عائلة عزلاء أن تلوذ بسقف من سقوف يافا أو ما تبقى منها بعد أن حولت المآذن إلى مداخن وشواهد القبور إلى بقع من الدم على وجوه المستوطنين والجرافات.
عن أي سلام يثرثرون؟ إذا كانوا يسحقون عظم الأطفال ويحرقون الشجر الخالد الذي لم يزرعوه، والذي أصبح زيته دماً ودمعاً على تلك السّفوح التي ما خلقت إلا لكي تكون طريقاً إلى قمم الجبال وليس على قيعان الاستيطان والحاويات المليئة بقمامة التاريخ.
من منّا.. من منكم ومَن مِنْ هؤلاء المليارات الستة الذين يقطنون هذا الكوكب لم يشعر بثقل البسطار على عنقه؟ ومن منا أو منكم أو من هؤلاء الذين يرطنون بالسلام من لم يتعرف على خصلة شعر لأمه أو أخته وهو يرى وحشاً بوجه بشري مستعار يمرغ رأسها في التراب، ثم يرميها بطفلتها كما لو أنها دمية من قش؟
ما من غفران بعد الآن.. بل قبل الآن وفي كل أوان لمن رأى بأم العين وتعامى، ولمن سمع الاستغاثة بالعربية بالسّنسكريتية ثم وضع أصبعيه في أذنيه..
نعرف أنه ما من معتصم في هذا التابوت الممتد من الماء إلى الماء فالعرب مشغولون بقتل بعضهم والبلطجة والتشبيح واقتسام غنيمة هي جثة الأم أو ما تبقى منها بعد أن التهمت الضباع ما عافته السِّباع!
متر واحد من الأرض يكفي عينة لقراءة الوجود.. هذا ما قاله صاحب كتاب ينسج الحياة.. وعينة واحدة من دم المصاب بالايدز تكفي أيضاً.. للفحص وكتابة التقرير..
فلماذا لا تكفي غرفة واحدة في يافا بلا أبواب ولا نوافذ وعائلة واحدة بينها امرأة وطفلة عينة لأقصى ما عرف التاريخ من البربرية والتوحش إضافة إلى التخلي والخذلان؟؟