الأحد 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

صفقة التبادل ومناكفاتها

الأحد 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par أمجد عرار

من الطبيعي أن تنتقد السلطة الفلسطينية كل ما تقوم به «غريمتها» حركة «حماس»، والعكس صحيح تماماً، لا بل من غير الطبيعي أن يمر موقف أو سلوك لأي منهما من دون اعتراض أو انتقاد أو تنديد من الآخر. هذا يحصل أيضاً في شأن صفقة مبادلة الجندي «الإسرائيلي» غلعاد شاليت بأكثر من ألف أسير فلسطيني، في وقت يخوض هؤلاء إضراباً مفتوحاً عن الطعام منذ أكثر من أسبوعين.

على نحو عام، لا يمكن أن تمر صفقة تبادل أسرى بلا انتقادات وخيبات أمل، بعضها مبرر أو مفهوم، والبعض الآخر لا لون له ولا طعم ولا رائحة، ويصدر على سبيل المناكفة التي لا علاقة لها بمعاناة الأسرى ومعنى كل دقيقة يقضونها في السجن. ليس أمراً مستبعداً أن تشوب أي صفقة أو عملية تفاوضية أخطاء أو عيوب، وهنا يكون النقد البناء ضرورياً وواجباً وطنياً، لكن ليس النقد الهدام وتصيّد الأخطاء.

بعض المنتقدين لا يأخذون بالاعتبار، أو يتعمّدون تجاهل، أن الصفقة نتاج لصراع تفاوضي بين طرفين كل له أوراقه ومصدر قوته، وبالتالي فالمسألة ليست ناتجة عن إرادة مطلقة لأي من الطرفين، بل محصلة كسر الأذرع التفاوضية. فلو استطاعت «إسرائيل» أن تستعيد «شاليتها» من دون أي مقابل لما فرّطت بهوايتها المفضّلة في الإبقاء على معاناة الأسرى حتى موتهم، ولو تمكنت «حماس» من إقفال أبواب سجون الاحتلال خلف آخر أسير فلسطيني، لما توانت عن ذلك، ولو من باب حرمان خصومها من انتقادها أو المزايدة عليها.

على الجميع ألا ينسى أن قضية الأسرى أسمى وأكثر إنسانية من أن تتحوّل إلى مادة للمزايدة والمناكفات، سيما وأن سوابق حصلت وكانت تحمل مآسي تفاوضية، بل إن توقيع اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة وعودة القيادة إلى الداخل مع بقاء آلاف الأسرى في السجون، كانت سابقة السوابق القاسية. وحتى في صفقات التبادل، نتذكّر كيف أن قيادة منظمة التحرير خضعت سنة 1983 للتعنّت «الإسرائيلي» وخفّضت عدد الأسرى الذين طالبت بهم مقابل ثمانية جنود «إسرائيليين» أسرتهم خلال العدوان «الإسرائيلي» على لبنان في 1982، من 1200 أسير إلى 150 أسيراً، ما أدى إلى خلاف فلسطيني داخلي دفع أحد الفصائل لإخراج جنديين من الأسرى «الإسرائيليين» من الصفقة باعتبار أن عملية أسرهما تمت على أيدي مقاتليه. وعندما تمت الصفقة «خصم» الجانب «الإسرائيلي» خمسة وثلاثين أسيراً من المئة والخمسين.

نتذكّر أيضاً قضية حصار كنيسة المهد في بيت لحم، وتلك الصفقة البائسة التي تم بموجبها إبعاد عشرات الفلسطينيين إلى قطاع غزة وعدد من البلدان الأوروبية وما زالوا يكابدون من أجل العودة إلى وطنهم.

إذا كانت المناكفة بين قوى واقعة تحت الاحتلال، أوضح تعبير عن الممارسة السياسية المريضة، فإنها حين تتعلّق بالأسرى، تصبح وباء قاتلاً، فهذه مسألة لا علاقة لها بالمزايدات السياسية والمناكفات العبثية. يكفي أن هؤلاء الأسرى احتملوا فوق معاناة الأسر مرارة رؤية الأشقاء يتبادلون سفك الدماء، ويكفيهم تحمل بؤس حالنا، وصمودهم أمام جيش التشاؤم الذي يجتاح كل جبهاتنا في زمن عربي يزداد صعوبة وغموضاً.

مرة أخرى يحدونا الأمل أن تجعل القوى الفلسطينية من خلافاتها هدفاً قائماً بحد ذاته، والا تكون بدلاً من الداعم والسند، خنجراً في ظهر قضية القضايا .. الأسرى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2165557

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

2165557 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 33


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010