الخميس 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

الأسرى والنفاق الدولي

الخميس 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par أمجد عرار

يوم من أيام النصر عاشته فلسطين ومن لا زال يتذكّرها من أشقائها العرب والمتعاطفون مع قضيتها العادلة في هذا العالم المتخم بالظلم. مشاعر مختلطة طغت على مشهد تحرير مئات الأسرى الفلسطينيين من معتقلات الاحتلال الأطول في العصر الحديث، بات معها المرء غارقاً في بحر الأسئلة عن جدوى الكلام والكتابة والتنظير الأجوف عن حقوق الإنسان وحريته عندما تكون مطلباً مدعوماً بالنار في مكان، وجريمة تقاوم بالنار والحصار في مكان آخر.

للمرة الأولى في تاريخ الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» تحدث عملية اختطاف ويتم الاحتفاظ بالجندي المختطف لخمس سنوات في مكان على مرمى حجر من القوة الإقليمية التي تتبجّح بذراعها الأمنية الطويلة. تجرى مفاوضات شاقّة وتتوّج بمبادلة على أرض فلسطين. هذا ليس أمراً عادياً، بل فيه دروس كثيرة لنا ولعدونا في الآن ذاته. أولها، بالنسبة لنا، أن الأصوات الفلسطينية التي غمزت من قناة الصفقة للتقليل من شأنها من باب المناكفة والتعصّب الغبي، ظهر إلى أي مدى كانت أصواتاً نشازاً وسط هذه السيمفونية الفلسطينية الجامعة التي عزفت لحن الفرح. هؤلاء الانقساميون كانوا في حالة لا يحسدون عليها وهم يشاهدون رايات «فتح» ورايات «حماس» تتعانق في المكان ذاته، وأحياناً تجمعها يد أسير واحدة ليوجه أبلغ رسالة للمتبلّدين الذين استمرأوا الانقسام ويعتبرونه الرئة التي تتنفس عبرها مصالحهم الضيقة.

عالمياً كان مشهد الصفقة حديث العالم، وإن لدوافع مختلفة. نكاد نجزم أن ملايين البشر في كل القارات ممن تابعوا البث الحي لعملية مبادلة هؤلاء الأسرى بالجندي «الإسرائيلي» غلعاد شاليت، ذرفوا الدموع استجابة لحس إنساني يتجاوب تلقائياً مع أمهات وآباء أبعد أبناؤهم وبناتهم عنهم قسراً لثلاثة عقود أو أكثر، ومع أبناء كبروا وترعرعوا محرومين من كلمة أبي وأمي. لكن هناك من تجلّدوا وتكلّست قلوبهم في متاحف العمل السياسي الجاف ولم يروا في المشهد غير غلعاد شاليت. هيلاري كلينتون ونيكولا ساركوزي وأنجيلا ميركل وقادة إيطاليون وأتراك، عبّروا عن «الفرح» بإطلاق سراح شاليت أو تباهوا بالدور الذي لعبته بلدانهم في حماية حياة شاليت وتأمين الإفراج عنه، ولم ينبسوا ببنت شفة عن مئات الأسرى الذين خرجوا مقابل شاليت، أو الآلاف الذين بقوا في المعتقلات وللتو علّقوا إضراباً عن الطعام استمر عشرين يوماً أدى لتدهور صحتهم ونقل بعضهم، كالقيادي أحمد سعدات، إلى مستشفيات الاحتلال العسكرية.

رئيس بلدية روما ذهب إلى حد دعوة شاليت لزيارة العاصمة الإيطالية لمنحه «مواطنة شرف». لو كان الأمر مبادرة إنسانية لمررنا على هذا الموقف بلا تعليق، لكن تجاهل مثل هذه المواقف لمعاناة آلاف البشر الفلسطينيين، ينم عن بعد سياسي متجرد من الإنسانية وتملّق لـ «إسرائيل» بأسخف وأبشع أنواع التملّق وأرخصها وأشدها بؤساً.

شاليت الإنسان لا مشكلة لنا معه، بل كتبنا أكثر من مرة أننا، بعيداً عن الوجه الصراعي، نتعاطف معه ومع ذويه ولو كان محتجزاً لدى دولة وفي ظروف عادية، لكننا طالبنا بالسماح لأهله ومندوبي الصليب الأحمر بزيارته مهما كان السلوك المقابل من جانب «إسرائيل». ولو لم يكن هناك أسرى فلسطينيون، لأطلق سراحه بعد ساعة من أسره. لكن المسألة ليست مجرّدة من الصراع الذي يتجاوز جندي أسير وآلاف الأسرى، إلى قضية أرض مغتصبة واحتلال يتشبث بوسائله الإجرامية لتأبيد بقائه. وما دام الأمر كذلك، سيبقى الصراع مفتوحاً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165651

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165651 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010