بوتين ـ مدفيديف : حكاية صداقة حكمت بلداً

يصل مدفيديف في حديثه إلى القرار الصعب الذي اتخذه : سيتبادل المواقع مع فلاديمير بوتين. بوتين لرئاسة الجمهورية وهو إلى رئاسة الوزارة. كان ذلك هو التغيير الأهم الذي يحدث منذ 12 سنة عندما سمى بوريس يلتسين (رئيس الجمهورية آنذاك) بوتين رئيس جهاز الاستخبارات KGB خليفة له. وقد حكم بوتين تلك المساحة الهائلة من الأرض والتي تدعى روسيا مدة 8 سنوات. ومن ثم يتسلم مدفيديف، السياسي المبتدئ، رئاسة الجمهورية 4 سنوات، ستنتهي في شهر نيسان القادم.

تدور في الأوساط السياسية الغربية أسئلة عديدة: هل ستكون عودة بوتين لرئاسة روسيا أمراً حسناً لاستقرارها، أم ستكون تلك العودة الطلقة الأخيرة في جسد الديموقراطية الروسية؟ هل سيعود النمو الاقتصادي أم يسود الركود؟ والسؤال الأهم ماذا فعل مدفيديف خلال السنوات التي أمضاها في الكرملين؟ هل طبق شيئاً من أفكاره الليبرالية؟ هل كان جندياً بسيطاً في فريق بوتين الذي وفر له الوقت كي يعود مظفراً إلى رئاسة الجمهورية وكزعيم للأمة؟ وفي التاريخ الروسي حدثت حالات مماثلة. فقد أمضى ميخائيل كالينين 23 سنة كرئيس اسمي لا صلاحية له في عهد ستالين. وظل نيقولا بودغورني 12 عاماً كرئيس مشابه زمن ليونيد بريجنيف زعيم الحزب الشيوعي الحاكم.

جاء بوتين إلى الاجتماع وهو يقود وحيداً ومن دون مرافقين سيارة لادا. ويذكر ذلك وهو يقود دراجة نارية في سيبيريا، أو وهو يصطاد عاري الصدر وغير ذلك من الممارسات الرياضية التي تزيد الاعجاب به بين أفراد الشعب وخاصة الشبان.

كانت الرسالة واضحة بالنسبة لمدفيديف : عليك الابتعاد، لقد انتهى وقتك. كان الأمر واضحاً منذ أشهر. إن إعادة انتخاب مدفيديف كرئيس للجمهورية، مرة ثانية أمر مستحيل.

تولى مدفيديف من قبل الإشراف على الإعلام الروسي. وكان يجلس دوماً بجانب بوتين. وقد اختاره كمعاون له منذ تسعينيات القرن الماضي في الحكومة المحلية لمدينة بطرسبرج. وفي عام 1999 عندما تولى بوتين رئاسة الحكومة أتى به كرئيس لمكتبه، وفي عهد بوتين الرئاسي كان مدفيديف مديراً لموظفي الكرملين ومن ثم رئيساً لمجلس ادارة الشركة العملاقة غاز بروم. وأظهر مدفيديف في جميع المناصب التي تولاها إخلاصاً كبيراً لبوتين. وقد استطاع أيضاً إبعاد وزير الدفاع آنذاك سيرجي ايفانوف.

لم يكن مدفيديف في أي وقت الخصم الليبرالي لبوتين. كما حاول الاعلام الغربي تصويره. وفي سنوات الفوضى في التسعينيات أظهر مدفيديف كفاءة نادرة في المحافظة على المؤسسات وتطبيق القوانين. لم يكن مدفيديف رئيساً تقليدياً.

لم يحمل مدفيديف بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في عام 2008 اية أجندة خاصة به. وقد عُدل الدستور في عهده ومددت فترات رئاسة الجمهورية والبرلمان. وقد اعتبرت تلك التغييرات ثمرة اتفاق سري بين بوتين ومدفيديف. وقد اعتبر الإعلام الغربي ذلك خيانة لأفكار مدفيديف الليبرالية في فترة رئاسته المتعثرة.

انتقد مدفيديف اعتماد الاقتصاد الروسي على صادرات النفط والغاز التي تعد مواد أولية، والفساد المتفشي والمزمن، ونظام التصويت المزدوج. وقال إن على القادة السياسيين اعادة النظر بكل الأوضاع الراهنة، وإجراء تغييرات جذرية في كافة المجالات. وقد بعث له بعض الشبان رسائل الكترونية يقولون فيها : «نحن شعب بلا مستقبل، شعب من العبيد، تسودنا الفوضى والمعاناة. إفعل شيئاً أيها الرئيس».

لم يستطع مدفيديف اتخاذ أي قرارات حاسمة، وخاصة بالنسبة لرئيس بلدية موسكو السابق يوري لوجكوف، أو بالنسبة لقرار مجلس الأمن الذي خول «حلف الناتو» الدخول في الحرب التي سماها بوتين «بالحرب الصليبية». كان مدفيديف يريد إدخال روسيا في منظمة التجارة العالمية ولكن بوتين رفض.

كان مدفيديف يود تنفيذ مشروع سوكولوفو، وهي النسخة الروسية لوادي السيليكون في الولايات المتحدة المتخصصة بابتكارات المعلومات وتكنولوجياتها. وقد وضع مبلغ 250 مليون يورو كميزانية لها. اما بوتين فألف لجنة للتحديث والتطوير بلغت ميزانيتها 2,4 مليار يورو.

تتضمن خطة بوتين الجديدة رفع قيمة الرواتب بنسبة 19%. واعادة تسليح الجيش والأسطول البحري. وبناء بنية تحتية جديدة وخاصة للمياه والكهرباء، وافتتاح 1000 مدرسة جديدة. ويتلقى المعلمون والأطباء ورجال الشرطة زيادة فورية على رواتبهم بنسبة 6,5%. وينوي بوتين أيضاً وضع خطة اقتصادية لرفع نسبة النمو إلى 7% سنوياً.

هذا ما يريد بوتين ان يفعله. اما مسؤولية التنفيذ فستكون من نصيب مدفيديف الذي سيكون رئيساً للحكومة.