السبت 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

الفنجان نجس والساقي أنجس!

السبت 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par د.امديرس القادري

لا يزال الشارع الفلسطيني يعيش الفرحة التي عمّت جميع أطيافه، ولا تزال السعادة والأفراح تملأ كل بيت فلسطيني في الداخل والخارج احتفالاً وابتهاجاً بالصفقة المشرفة التي تتحرر بموجبها معتقلينا الأبطال من سجون الإجرام الصهيونية، فالأجواء الإيجابية فرضت نفسها رغماً عن كل النفوس المريضة التي ما أرادت لهذه الصفقة أن تكون، ولكن وبالرغم من ذلك، فسوف نبتهل إلى الباري عز وجل حتى تلقي هذه الأجواء الاحتفالية بظلالها الإيجابية على كل عناوين الانقسام والخلاف التي تخيّم آثارها السلبية بين بعض المكونات الداخلية لبيتنا الفلسطيني.

أمّا بعد، فقد أبدى بعض المقرّبين من قضايا الشأن الفلسطيني تخوفاً كبيراً من أن تقدم الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله على «الاحتكاك السلبي» بالإخوة والرفاق من الأسرى المحررين، فهذه الأجهزة وانطلاقاً من الأسس التي قامت عليها، وبالبناء على دورها وممارساتها المشبوهة القائمة على التنسيق الأمني الميداني مع الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية»، فمن الطبيعي أن لا يروق لها رؤية المظاهر الاحتفالية التي أقدم عليها الوطنيون المخلصون الأحرار من أبناء شعبنا التواق للحرية.

إنّ ملف «التنسيق والتعاون» بين أجهزة دايتون الأمريكي وعدونا الصهيوني ليس بالأمر الجديد، ولم يعد سراً حتى ننتظر إماطة اللثام عنه، ولا نشعر أبداً أننا في حاجة إلى المزيد من الدلائل والقرائن لإثبات هذه العلاقة المخزية التي لا ينكرها قادة وضباط هذا الجهاز، ويكفي في هذا الصدد التذكير بالاستنفار الذي أقدم عليه ضباط هذه الأجهزة للبحث عن كلبة أحد الصهاينة والتي ضلّت طريقها ودخلت عن طريق الخطأ إلى بيت لحم، حيث لم يهدأ لهم بال حتى وجدوها وأعادوها إلى الخنزير صاحبها. هذا مثال بسيط يعكس الغاية والدور الذي أنشئت من أجله هذه الأجهزة.

ولأننا لا نريد لهذا المقال أن يتحوّل إلى بحث وجدل حول هذه الأجهزة وعناصرها وما تقوم به من ملاحقة ومطاردة وتعقب واعتقال وتعذيب لكل ما هو وطني في الضفة الغربية، لأنّ هذا الموضوع أصبح حديثاً يومياً على كل الألسن، ولذلك فإنّ ما نريد تسليط الأضواء عليه من خلال هذه السطور نستقيه من الحديث الذي جاء على لسان عضو المجلس التشريعي الشيخ فتحي قرعاوي، والذي يبدي من خلاله استنكاره واستهجانه من عملية إقدام أجهزة أمن هذه السلطة على استدعاء الأسرى المحررين لتناول فنجان قهوة في مقراتهم التي لا تفوح منها سوى روائح العفونة والتعامل مع عدونا المجرم.

يقول الشيخ القرعاوي : «إنّ الشيء الأكثر غرابة يتمثّل في قيام هذه الأجهزة بالاتصال مع بعض الأسرى المحررين لزيارة مقرّاتها وهذا ما حدث فعلاً، من أجل شرب فنجان قهوة، ونحن نقول لهم أنّ من يريد شرب القهوة فليتفضل إلى بيت الأسير المحرر بدلاً من استدعائه وإهانته»، وأضاف الشيخ بأنّه «ينصح جميع الأخوة المحررين والذين شاركوا بالفرحة معهم لعدم الاستجابة لهذه الأصوات، فصوت الحرية أكبر منها كلها، وعليه فلا تلتفتوا إلى هذه الدعوات التي باتت من الماضي المقيت وبعد أن أجمع الشعب الفلسطيني على تجريم هذه الممارسات».

هذه التصريحات من الشيخ الفاضل جعلتنا نعود بشريط الذاكرة إلى صباح يوم الثلاثاء الماضي، ذلك اليوم التاريخي الذي سيبقى محفوراً على جباه كل الأحرار والشرفاء، حيث لاحظنا الغياب الملحوظ لكل أشكال التواجد «الرسمي» لهذه الأجهزة في الاحتفالات التي عمّت محافظات كل الوطن، اختبؤوا في أوكارهم حتى لا يشاهدوا الرايات وهي ترفرف فخراً وزهواً ومن كل الفصائل الوطنية، فهذه مناظر تزعجهم وتقلق راحتهم وتنغّص عليهم ميولهم وأهواءهم، وهذه مشاهد لم يعتادوا على رؤيتها بعد أن ظنّوا أنّهم أنجزوا تنظيف الشارع الفلسطيني من كل الظواهر الوطنية.

في أسبوع الأفراح الطويل، والذي لن ينتهي أبداً حتى الانتهاء من تحرير جميع معتقلينا وإعادتهم من جديد إلى الحياة الحرة والكريمة، كنّا نتوقع من الرئيس عبَّاس ومن رئيس وزرائه المعين فيَّاض المبادرة إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الوطنيين القابعين في سجون وأقبية ومعتقلات سلطتهم، وذلك استجابة لكل الهتافات التي صدحت بها حناجر أبناء شعبنا وهم يحتفلون بتحرير أسراهم من سجون عدوهم الصهيوني، ولكن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث، واكتفى الرئيس عبَّاس بالحديث عن «العهود» التي وقّعها مع حكومة أولمرت المجرمة!

إنّ هذا الشعب، وهذه القضية التي ينتمي إليها المؤمن الحر المغوار أبو العبد، والجعبري، وأبو عبيدة، وسعدات، والبرغوثي، والسنوار والمئات المئات من أمثالهم ممن لا يتّسع المقال لذكرهم، إنّ هذا الشعب وهذه القضية التي تختزن بين صفوفها هؤلاء الأبطال الأماجد لن تموت، ولن تركع لبني صهيون، ولن تنطلي عليها تمثيليات أيلول والاستجداء على منصة الإجرام العالمي في الأمم المتحدة ومجلس أمنها ما داموا يتنكّرون لحقوق شعبنا ولإصراره على الاستقلال الحر الكريم. ونقول بهذه المناسبة لكل الساقطين في هذه الأجهزة الساقطة.. تبّت أياديكم التي لم تترك خسيسا إلاّ وفعلته.

يا أحرار شعبنا، ويا شبابنا، ويا شيوخنا، ويا أمهاتنا، إنّ قهوة هذه الأجهزة نجسة وساقيها أنجس، فلا تشربوها وأعلنوا التمرد عليها، لأنّ جميع المنخرطين في صفوفها ليسوا سوى حثالة الفنجان التي لا قيمة لها، فأسقطوها من حساباتكم ولا تلتفتوا إليها، فالذي يتطاول ويتمادى على الحليب الطاهر الذي أرضعته إياه أمه لا يمكن أن ينتمي لفلسطين وشعبها، انتبهوا لعدوّكم وأعدّوا العدّة لانتفاضتكم القادمة فهذا طريق الجهاد الذي يحمل لنا موعداً مع النصر أو الاستشهاد، والبشرى كل البشرى لن تكون إلاّ من نصيب الصابرين الذين صدقوا في ما عاهدوا الله وشعبهم عليه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 101 / 2177993

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177993 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40