الأحد 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

التوقيت السياسي للتصعيد ضد إيران

الأحد 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par علي جرادات

بعد غياب طويل نسبياً، ثمة تصعيد أمريكي صهيوني أوروبي غير مسبوق ضد إيران، بلغ حد ترجيح اللجوء إلى الخيار العسكري. وكان لافتاً حدوث هذا التصعيد قبل إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها حول الملف النووي الإيراني، وبعد اتهام لإيران بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، لكن الأكثر دلالة هو التوقيت السياسي لهذا التصعيد، المتمثل في ما تشهده منطقة «الشرق الأوسط» من تحولات نوعية ذات انعكاسات استراتيجية على مستقبلها، وعلى تحديد ميزان القوى والنفوذ فيها، سواء بالنسبة للدول الإقليمية النافذة، ومنها إيران، أو بالنسبة للدول العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي يصعب الحديث عن استمرار سيطرتها السياسية والاقتصادية والأمنية كقطب أوحد في السياسة الدولية، من دون استمرار تحكُّمها في شؤون هذه المنطقة المهمة في حسابات السيطرة على العالم. أما الكيان الصهيوني، العصا الغليظة للولايات المتحدة في المنطقة، وحليفها الاستراتيجي الثابت، والمطلوب الحفاظ على تفوقه على ما عداه من دول المنطقة وقواها، فإن من الطبيعي أن يكون أكثر المهتمين بهذه التحولات وانعكاساتها، ارتباطاً بكونه كياناً غاصباً مفروضاً على المنطقة، ناهيك عن مواصلة قادته التصرف بعقلية عدوانية توسعية استعلائية، والتعامل مع كيانهم، كما لو كان «قلعة» منيعة، قادرة، بما تمتلكه من عوامل قوة داخلية وخارجية، على إخضاع دول المنطقة وشعوبها، والتحكم في مصيرها، إلى ما لا نهاية.

عليه، يغدو من التبسيط السياسي فصل هذا التصعيد عما تشهده المنطقة من تحولات نوعية، تهدد، منفردة ومجتمعة، مصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ونفوذهما. فهنالك تفاقم أزمة احتلال الولايات المتحدة للعراق وأفغانستان، التي تجلت في قرار الانسحاب العسكري القسري من العراق، مع كل ما يتركه من فراغ، وفي ارتفاع منسوب نزيف شريانها في أفغانستان، مع كل ما يخلقه من أوجاع . وفي هذا الفراغ وتلك الأوجاع هنالك فرصة تاريخية لدول إقليمية نافذة، في مقدمتها إيران، للاستثمار وتوسيع النفوذ، وهنالك الحراك الشعبي العربي، مع كل ما جلبه من تداعيات وارتدادات، خاصة في مصر وسوريا، الدولتين العربيتين المحوريتين في صراعات المنطقة بعامة، وفي الصراع العربي الصهيوني بخاصة، وهنالك علاقة كل ذلك بالأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للأزمة المالية العالمية الآخذة بالتحول إلى أزمة اقتصادية ذات انعكاسات اجتماعية تجلت في حالة متصاعدة من الحراك الشعبي، سواء في دول «المركز» أو «المحيط»، عدا الانعكاسات السياسية لهذه الأزمة، وفي مقدمتها بداية التراجع لنظام القطب الأمريكي الواحد في السياسة الدولية وقراراتها ومؤسساتها.

لقد حرّكت التحولات النوعية آنفة الذكر صراعات المنطقة وتناقضاتها الأساسية، بضمنها العداء الأمريكي الصهيوني مع إيران، التي لا يجري إعادة ملفها إلى الواجهة كملف نووي فقط، بل، أيضاً كملف متداخل، مع الملفين العراقي والأفغاني، فضلاً عن تشابكه، (شئنا أم أبينا)، مع ملف أهم صراعات المنطقة، أي الصراع العربي الصهيوني، وجوهره القضية الفلسطينية، التي تحظى بعداء الولايات المتحدة، لا كسياسة فقط، بل، وكنظام نهب اقتصادي، ارتبط منذ البداية بعلاقة تحالف استراتيجي ثابت واستثنائي مع الكيان الصهيوني، الذي يعيش حالة قلق سياسي وأمني استراتيجية، ويسعى في لجة هذه التحولات النوعية المعقدة والمتشابكة، إلى استعادة زمام المبادرة، بهدف الحد من تأثيراتها السلبية فيه، وفي قوة ردعه الاستراتيجي في المنطقة.

عليه، أظن، وليس كل الظن إثماً، أنه بسبب هذه اللوحة المعقدة والمتشابكة من التحولات الاستراتيجية التي تعصف بالمنطقة، وبفعلها، يأتي التصعيد الأمريكي الصهيوني الراهن ضد إيران، ما يجعل من الصعب تصديق ادعاء ارتباط التصعيد الأمريكي الصهيوني ضد إيران بتقدم مفاجئ طرأ على التقنية العسكرية لمشروعها النووي، كما زعم تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بإيحاء أمريكي صهيوني واضح، أو تصديق ارتباطه باتهام إيران بالتورط في محاولة اغتيال للسفير السعودي في واشنطن.

هنا، وحتى لا يتجاهل البحث في الدوافع الحقيقية لهذا التصعيد ما برهنت عليه دروس تجارب مشابهة، يجدر التذكير، بأن التشجيع الأمريكي للعراق في حربه مع إيران في نهاية سبعينات القرن العشرين، قد تغطى بذريعة حماية المحيط العربي من تأثيرات انتصار الثورة الإيرانية، فيما كان «الاحتواء المزدوج» لمستجَدَّيْ نهوض القوة العراقية، وخسارة القلعة الإيرانية بعد إطاحة نظام الشاه، هو السبب الفعلي لذاك التشجيع على شنِّ تلك الحرب العبثية التدميرية. وكذا فإن احتلال العراق وتدميره كدولة ودور، وليس كنظام فقط، قد جرى بذرائع نشر مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذبة أسلحة الدمار الشامل، فيما كان نهب ثروات العراق وتدميره كقوة عربية وإقليمية نافذة، هو السبب الفعلي لهذا الاحتلال.

واليوم، يتكرر السيناريو التضليلي ذاته مع إيران، ويعاد الترويج للذرائع المفضوحة ذاتها، فيما يبقى هدف استعادة زمام المبادرة، سيان بلغة السياسة الناعمة أو العنيفة، أو بالجمع بينهما، في مواجهة التحولات النوعية الجارية في المنطقة، هو السبب الفعلي لهذا التصعيد، الذي نرجح اقتصار سقفه في المدى المنظور، على هدف الضغط على دول إقليمية ودولية، لكسب تأييدها تجاه تشديد العقوبات على إيران، وزيادة عزلتها السياسية، وزعزعة النظام فيها، مع مواصلة الحرب السرية والإلكترونية على برنامجها النووي، لإجبارها على تلبية الشروط الأمريكية، الرامية إلى الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة ونفوذها الآخذ بالتزعزع، ناهيك عن الحفاظ على تفوق الكيان الصهيوني، وتعزيز قوة ردعه، الآخذة بالتآكل، بفعل ما تشهده المنطقة من تحولات نوعية، وبضمنها تنامي قوة إيران، كدولة إقليمية نافذة، لها تدخلاتها المعلنة في مجريات الصراع العربي الصهيوني، وفي سوريا ولبنان وفلسطين تحديداً، ناهيك عن دورها الواضح في العراق وأفغانستان، وتوقعات ارتفاع منسوبه، في ضوء ما تعانيه الولايات المتحدة فيهما من أزمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2178555

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178555 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40