الاثنين 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

اليونيسكو وثَمَن الاعتراف

الاثنين 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par خيري منصور

اقترح مثقف عربي على زعيم بلاده أثناء لقاء حول أزمة اقتصادية عصفت بالبلاد قائلاً، إن عشرين رجل أعمال من الأثرياء فقط يستطيعون إنقاذ البلاد إذا تبرعوا بسخاء. عندئذٍ ابتسم الزعيم وأجاب المثقف المتفائل : لو أنك كنت أحد هؤلاء لما تقدمت بهذا الاقتراح، فنحن لا نريد من أحد أن يتبرع باسم الآخرين.

وقد تذكّرت هذه الحوارية الملغومة وأنا أصغي لاقتراحات إعلاميين ومثقفين عن تبرع رجال أعمال عرب وفلسطينيين لمنظمة اليونيسكو لأنها تعرضت لعقاب مزدوج من واشنطن و«تل أبيب»، بسبب اعترافها بعضوية فلسطين في المنظمة، رغم أن ما حجبته واشنطن كعقاب عاجل لليونيسكو، هو خمس ميزانيتها، وبالتالي فهو ليس رقماً فلكياً، وبإمكان رجال أعمال عرب، ومنهم فلسطينيون بالطبع، أن يعوضوا اليونيسكو عن خسائرها بسبب الاعتراف وما تلقته من عقوبة اقتصادية.

ورغم صراحة ذلك الزعيم الذي أيقظ المثقف من حلمه وذكّره بالطبيعة الإنسانية التي تحدد مواقف الناس فيها أوضاعهم المالية والاجتماعية، فإن من حق المثقف أن يواصل الحلم، ومن حق الناس جميعاً أن يتبنوا هذا الاقتراح، لأن هذه الحلقة المتعلقة باعتراف اليونيسكو بفلسطين دولةً، هي ضمن سلسلة طويلة من الكفاح الوطني في نطاقيه القومي والفلسطيني. وإذا قُدّر لهذا الاقتراح أن يبوء بالفشل، فلا بأس أن يُطرح الأمر على العرب من الماء إلى الماء، فتعدادهم الديمغرافي الآن أكثر من ثلث مليار، وقد لا تشكل تبرعاتهم المتفاوتة، تبعاً لأوضاعهم الاقتصادية، حمولة شاقة، أو تقصم الظهر.

إن حرباً أخرى تدار الآن، وبأسلحة غير تقليدية وغير نووية أيضاً، هي حرب ثقافية بامتياز. وإذا كان الهدف الأبعد لأي احتلال أو استيطان هو محو الهوية، فإن ما يحدث الآن هو محاولات متواصلة لمحو هذه الهوية، خصوصاً بعد أن بدأت الدولة الصهيونية بتنفيذ مشروع مؤجل، هو عبرنة فلسطين بدءاً من أسماء الأماكن والمقدسات، إضافة إلى استراتيجية تعليمية تهدف إلى تهويد الذاكرة و«أسرلة» المناهج الدراسية، خصوصاً في القدس. إن موقف واشنطن من منظمة اليونيسكو العزلاء إلا من رعاية الثقافة والحفاظ على التراث الحضاري للإنسانية، هو موقف سوف يخجل منه الأمريكيون القادمون من المستقبل، ولن يجدوا له أي تفسير أو تبرير سوى استرضاء الصهيونية، وسوف تضطر منظمة اليونيسكو إلى تجميد الكثير من مشروعاتها الثقافية والحضارية إذا استمر هذا العقاب المادي، لهذا فواشنطن تعاقب أيضاً أطلال الحضارات في القارات الخمس، وكأنها تريد لهذه المنظمة الثقافية أن تتحول إلى غوانتانامو ثانية، لكن السجناء فيها هم من المثقفين وليسوا من الإرهابيين إلا إذا اعتبرت الولايات المتحدة منظمة اليونيسكو بعد قبولها فلسطين عضواً فيها، منظمة إرهابية ومدرجة على قائمة العقاب، ولهذا سعت أيضاً إلى تجفيف ينابيعها.

ما من حل الآن لهذا الحصار الذي فرض على اليونيسكو سوى تعويضها مادياً، إما بالتبرعات التي تقدمها دول أو رجال أعمال عرب، وإما بفتح باب التبرعات في الشوارع والساحات العربية، كي تدرك واشنطن و«تل أبيب» معاً أن التجويع لا يؤدي بالضرورة إلى التطويع والتركيع، سواء تعلق بالسياسة أو الثقافة، وإذا كان المطلوب من اليونيسكو ورئيستها الاعتذار عن قبول فلسطين عضواً فيها، فهذه عيّنة أخرى من اعتذار رسمي، عندئذٍ كيف للغريم أن يكون قاضياً؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165328

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165328 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010