السبت 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

ليبقَ الحل عربياً

السبت 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. فايز رشيد

ما يجري حالياً في المنطقة العربية شبيه لما جرى قبل العدوان الأمريكي - الغربي على العراق، فمن التهديدات «الإسرائيلية» للبرنامج النووي إلى إمكانية قيام الولايات المتحدة ودول الناتو بتكرار ما حصل في ليبيا على سوريا، فقرار الجامعة العربية «بتوفير الحماية للمدنيين السوريين، وذلك بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية، وفي حال عدم توقف أعمال العنف والقتل يقوم الأمين العام بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة»، هذا القرار استكمله الأمين العام للجامعة نبيل العربي بتصريحات قال فيها إن الجامعة ستطلب حماية دولية للمدنيين السوريين.

كنا نتمنى لو بقى الحل وما يزال عربياً صرفاً دون الاستعانة بالحماية الدولية، فتجربة كل من العراق وليبيا أثبتت وتثبت بما لا يقبل مجالاً للشك أن الولايات المتحدة ودول الناتو لا تتدخل من أجل حماية المدنيين العرب، وإنما من أجل مصالحها ومن أجل قطف ثمار الثورات العربية، فمن يريد حماية المدنيين لا يدوس رقابهم ببساطير الجنود، كما كان المشهد في العراق، ولا يتسبب بقتل مئات المدنيين كما حدث ذلك في ليبيا. الولايات المتحدة ورغم انسحابها المقرر من العراق قبل نهاية العام الحالي، ستبقي قوات لها في هذا البلد العربي تحت مسميات مختلفة، هذا عدا القواعد العسكرية المتبقية في العراق. في ليبيا حازت العواصم الغربية وبدعم من واشنطن وبمقاسمتها للحصص، معظم صادرات النفط الليبي. هذه العواصم ليست حريصة على بناء الديمقراطية في أقطار العالم العربي، فالديمقراطية العربية لا تناسب هذه الدول، انطلاقاً من حرصها على الحليف «الإسرائيلي».

نفهم أن هناك تعثراً في تطبيق بنود المبادرة العربية في سوريا، ونفهم أن تكون هناك قرارات عربية تجعل من بقاء الحل عربياً خالصاً أيّاً كانت حدة القرارات، ولكن من الصعب مطلقاً فهم اللجوء إلى الحل الدولي، الذي هو في الأساس حل أمريكي - غربي بفعل موازين القوى السائدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية، وتحكم القطب الواحد في عالم اليوم. لا يقبل مطلق عربي بالحل الأمني كخيار أساسي وهو ما تقوم به الحكومة السورية في التعامل مع الأزمة في بلدها، فالحل الأمني كان فاشلاً ويظل فاشلاً ويبقى فاشلاً. الطريق الوحيد إلى حل الأزمة السورية هو الحوار والحوار فقط بين المعارضة بكافة أطيافها والحكم في سوريا الذي يقوم على قاعدة الاستجابة لمطالب الجماهير العربية السورية في الإصلاح والديمقراطية واحترام حرية الفرد وحقه في إبداء رأيه بنظام بلده السياسي، وما يجري فيه من تطورات بمختلف مناحيها من خلال انتخابات ديمقراطية حقيقية بعيدة عن التزييف، وبإشراف لجنة من الجامعة العربية على هذه الانتخابات. في هذا السياق نشير إلى جزء من المعارضة السورية التي تطالب بتدخل أجنبي في هذا البلد العربي، ونقول إنها تجانب الصواب وتخطئ في تقديراتها لحساسية الموقف انطلاقاً من الأوضاع المتوترة في المنطقة بشكل عام، وانطلاقاً من حساسية الوضع السوري، وسوريا دولة مجاورة لفلسطين المحتلة، وما تزال أجزاء من أرضها محتلة وهي هضبة الجولان التي ضُمّت بقرار من الكنيست واعتبرت أراضي «إسرائيلية»، وانطلاقاً أيضاً من حساسية الصراع الفلسطيني العربي - الصهيوني في هذه المرحلة تحديداً، وفي «إسرائيل» حكومة فاشية يمينية ترفض الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، والحقوق الوطنية لسوريا ولبنان في أراضيهما المحتلة، ومنذ زمن تهدد “إسرائيل” بشن الحرب في المنطقة إمّا على قطاع غزة وإما على لبنان وإما على سوريا.

انطلاقاً من كل هذه التقديرات والمواقف وانطلاقاً من العلاقات التحالفية العضوية بين الولايات المتحدة و«إسرائيل»، لابد من حل عربي للأزمة في سوريا وإبقاء هذا الحل عربياً خالصاً، وبخاصة أيضاً أن النوايا تتجه إلى إنشاء منطقة عازلة على الحدود التركية -السورية، بما يعنيه ذلك من تهديد لوحدة الأراضي السورية.

الولايات المتحدة ليست حريصة على حقوق الإنسان في العالم العربي لا في سوريا ولا في فلسطين ولا في غيرهما من الأقطار العربية، فبالأمس القريب كان مشهد صفقة تبادل الأسرى، حين رحبّت واشنطن وكل العواصم الغربية بتحرير الجندي «الإسرائيلي» غلعاد شاليت، وامتعضت واشنطن وحليفاتها الغربيات من تحرير الأسرى الفلسطينيين، واعتبرته مضراً بالسلام في المنطقة. وبالأمس وقفت الولايات المتحدة ضد قبول عضوية فلسطين في «اليونيسكو»، ولما نجح القرار رغماً عن إدارتها، أوقفت مساعدتها السنوية لهذه المنظمة. الولايات المتحدة تضغط أيضاً على العديد من دول العالم من أجل تغيير مواقفها من قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة. بماذا يشي هذا؟ هذه المواقف تؤشر إلى أن حقوق الإنسان العربي ليست أولوية بالنسبة إلى واشنطن وحليفاتها، بل الأولوية لمصالحها ولـ «إسرائيل». هذه المواقف تؤشر أيضاً إلى أن هذه الدول لا تحترم الديمقراطية، فلو كان العكس، لاحترمت واشنطن وحليفاتها قراراً صوتت عليه أغلبية دول العالم، ولكن ازدواجية المعايير هي شرعة واشنطن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 57 / 2177863

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177863 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40