الاثنين 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

رايس الكاتبة

الاثنين 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par أمجد عرار

بعد أن كدنا ننساها، وهذا مستحسن، تعود كوندوليزا رايس لتثقل على عيوننا وعقولنا. وبمساعدة ما يشبه زفّة العروس تحظى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة بحملة إعلامية صاخبة للترويج لكتاب منسوب إليها يحتوي ذكرياتها السياسية والشخصية الجميلة بنظر اليمين المتصهين و«إسرائيل»، والمستفزّة بنظر الفلسطينيين واللبنانيين وكثير من العرب، وليت الشعب الأمريكي يستطيع الوقوف على حقيقة قدرتها على التأليف والتعبير بعيداً عن الثرثرة وإعجاب عدد من الزعماء بمستشارة الأمن القومي الأمريكي.

قليل من الزعماء أظهروا شخصياتهم الحقيقية بعد الخروج من السلطة، لكن الكثيرين منهم أصروا على إكمال المهمّة الموكلة بهم من خارج السلطة، وبوسائل أخرى تتكئ على التجربة ذاتها. رايس نموذج من هؤلاء الذين لم تكن فترة إمساكهم بالقرار السياسي والأمني لاستنفاد مهامهم. أي أن بعض المسؤولين الذين يؤدون أدواراً في المسرح السياسي يعودون إلى شخصياتهم الأصلية بعد أن تنسدل الستارة، لكن بعضهم الآخر يتقمّصون الدور ويحملونه بشكل دائم، أو أن الدور والشخصية الحقيقية متطابقان .

تستطيع رايس الكاتبة أن تسجّل أنها أكثر المسؤولين الأمريكيين مكوكية بين القيادة الفلسطينية و«إسرائيل»، لكن هذا السجل يختتم بحصيلة مقدارها صفر من الإنجازات لعملية التسوية، وتتجاوز السقف الأعلى من التغطية على جرائم «إسرائيل» ضد العرب.

من الصحيح القول إن القضية الفلسطينية والقضايا العربية ليست وحدها معيار الحكم على مسيرة مسؤول دولي، لكن من الأصح الإشارة إلى أن رايس لم تترك أي أثر إنساني يمكن أن يجعل الشعوب والمؤرخين يتذكّرونها. ورغم أن الشعب الأمريكي انتصر بها وبباراك أوباما على عنصرية لونية مقيتة، لكن كليهما فشل في الاختبار الإنساني، لا بل يتلطّخ تاريخ كوندا بوصمة من النوع الذي يحفر في الصلب من خلال تلويثها أكثر المفاهيم إنسانية وتوظيفه في تبرير الجريمة. حصل ذلك عندما خرجت كوندا على شعوب العالم لتصف المذبحة «الإسرائيلية» بحق الأطفال والنساء والشيوخ في لبنان، بأنها مخاض لـ «شرق أوسط جديد»، وهي تعلم علم اليقين، كما يفترض، أن مخاض الولادة ينتج حياة وطفولة بريئة، ولا ينتج مجازر وشلالات دماء.

حتى حفل الترويج لكتابها، لم تدعه سيدة الدبلوماسية الأمريكية السابقة يمر من دون التملّق لـ «إسرائيل» على حساب رئيس بلدها، حيث راحت تهاجم أوباما بسبب مطالبته «إسرائيل» بتجميد الاستيطان. في تبرير لموقفها اعتبرت أن المطالبة بتجميد الاستيطان من شأنه أن يكبّر رؤوس الفلسطينيين الذين لن يكونوا «أقل فلسطينية من الأمريكيين». أي أنها لو تحدّثت بالعامية العربية لقالت إن مطالبة واشنطن بأي شيء من «إسرائيل» من شأنه أن «يكبّر رأس» الفلسطينيين ويجعلهم يتجرأون على ارتكاب «جريمة» المطالبة بحقوقهم.

كوندا هنا تقدّم أسلوباً جديداً في «الوساطة» الأمريكية مفاده أن العرض لا يجب أن يخرج عن نطاق المقبول «إسرائيلياً». لذلك هي تفسّر بوضوح خلفية رفضها تجميد الاستيطان بالقول إنه ما من رئيس حكومة في «إسرائيل» يقبل تجميد الاستيطان، إذن يجب تجميد المطالبة بتجميد الاستيطان. هذا يفسّر الفشل الذريع للإدارة الأمريكية وخارجيتها حتى في الإيحاء بتمرير أي إنجاز ولو كان بالمللمترات على طريق التسوية في فترتها كما غيرها من الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يتاجرون بالديمقراطية ليلاً نهاراً، ولا يخجلون من كشف القناع عن وجه دكتاتوري بائس عندما يتعلّق الأمر ب «إسرائيل».

في كل الأحوال ما يمكن استنتاجه من جانبنا كعرب أن المراهنة على أمريكا لن تفعل شيئاً سوى مساعدتها في التغطية على ظلمها للشعوب وتبنيها لجرائم «إسرائيل».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40