الاثنين 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

تزوير الثورة

الاثنين 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. عبد الحليم قنديل

ربما لا يصعب توقع نتائج الانتخابات البرلمانية الوشيكة في مصر، فسوف يحقق التيار «الإسلامي» فوزاً مؤكداً، وربما يكون خلاف التقدير وارداً في نسبة الفوز، لكن السؤال الذي يبقى واضحاً في حيرته هو : هل هذا الفوز «الإسلامي» أو الإخواني يعادل فوز الثورة .. أم يعاكسه؟.

أول الحقائق التي قد تعين في الجواب تتعلق بدور الإسلاميين المصريين، وعلاقتهم بالثورة الشعبية المصرية الأخيرة، وليس من مجال لكثير من تأويل، ففي الإسلاميين ثلاثة فصائل رئيسية هي الإخوان والسلفيون والجماعة الإسلامية «الجهادية سابقاً»، وكانت مواقف الفصائل على النحو التالي، فلم تشارك الجماعة الإسلامية في عمل معارض، لا بالعنف ولا بالسلم، خلال عشر سنوات سبقت خلع مبارك بالثورة، كانت الجماعة قد انشغلت في عمليات العنف الدموي خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، ونجح جهاز أمن الدولة في إنهاك وتحطيم الجهاز التنظيمي للجماعة وتنظيم الجهاد، وبعد حادث الأقصر في نهايات 1997، توالت مبادرات وقف العنف من جانب قادة الجماعة المعتقلين، وإلى أن انتهت القصة بكتب المراجعات الشهيرة، والتي أدانت الجماعة فيها نفسها بصورة كلية، وجزمت بارتكابها خطأ دينيا باللجوء إلى العنف، وكان إعلان التوبة نهاية مرحلة، ودون أن تبدأ مرحلة جديدة يصح أن تنسب لمعنى المعارضة، فقد دأب قادة الجماعة المفرج عنهم على إصدار بيانات تأييد لمبارك وحكومته، ولم يختلف حال السلفيين كثيراً عن حال الجماعة الإسلامية، بل كانوا في الموقف الأشد بؤساً، والسلفيون في مصر ليسوا جماعة واحدة، بل جماعات ومشايخ، ولم يصدر عن أي جماعة أو شيخ سلفي أي نوع من المعارضة العلنية للنظام، ولا الدعوة ـ بالطبع ـ إلى الثورة عليه، وكان النظام وأجهزة أمنه يستخدمهم لأغراض خاصة، ويحصل على فتاوى تأييد من عدد كبير من مشايخهم، والذين صدرت عنهم فتاوى تحرم الإضرابات والمظاهرات، وتكفر فكرة الخروج عن الحاكم، بل وتحرم المشاركة في الانتخابات، ولو لدعم جماعة الإخوان المسلمين، وكانت الأخيرة هي الفصيل الإسلامي الوحيد المشارك في المعارضة، وهي أكبر الفصائل الإسلامية المصرية تنظيماً وتمويلاً وامتداداً في التاريخ، وكانت كوادرها وقياداتها عرضة لاعتقالات شبه يومية في النصف الأخير من عهد مبارك، وكانت علاقتها بالنظام تمضي بين شد وجذب، لكنها ظلت على العموم في موقف المعارضة، ودون أن تطرح أو تتجاوب أبداً مع فكرة الخروج على النظام أو الدعوة للثورة عليه، وقد دخلت شخصياً ـ مع آخرين من قادة «كفاية» ـ في حوارات مجهدة مع الإخوان، وعلى مدى الخمس سنوات الأخيرة من حكم مبارك، كان الكفائيون بالطبع طلاباً لثورة، بينما كان موقف الإخوان راغباً في «إصلاح» من داخل النظام نفسه، كان الإخوان يرفضون المشاركة في المظاهرات ضد التمديد لرئاسة مبارك أو توريث الرئاسة لنجله، وكانوا يدعون أن مشاركتهم في المظاهرات تعرضهم لخطر ماحق، وأن النظام سوف يدهسهم بالدبابات، وإذا شارك بعضهم في مظاهرة مع الكفائيين ومن لف لفهم، كانوا ينفذون تعليمات صارمة لقيادة الإخوان، أهمها عدم الهتاف ضد مبارك شخصياً، ثم غابوا تماماً، وبقرار من مكتب الإرشاد، عن انتفاضة 6 إبريل 2008، وهي أبرز تحرك شعبي سبق ثورة 25 يناير 2011، بعدها ظل السلوك نفسه منهجاً ثابتاً لقيادة الإخوان، ولم يفلح أحد في زعزعته، ولو حتى من داخل قيادة الإخوان نفسها، وتعرضت قيادات الإخوان الراديكالية من نوع عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب للإقصاء من مكتب الإرشاد، ثم جرى فصلهم نهائياً من الجماعة بعد الثورة، وقبل الثورة بساعات، وتحديداً في مساء يوم الأحد 23 يناير 2011، كنت طرفاً مباشراً في اختبار أخير لموقف الإخوان، كان قد جرى الترويج بكثافة لمظاهرات 25 يناير 2011 من قبل نشطاء الـ «فيس بوك»، وكان عدد من قادة القوى السياسية يناقشون الموقف النهائي، وحضرت اجتماعاً سرياً في مكتب محاماة النائب السابق علاء عبد المنعم، وكان الحضور إضافة لعبد المنعم حمدين صباحي وأيمن نور وعبد العظيم المغربي وسعد عبود والقيادي الإخواني محمد البلتاجي، كنا سبعة، وكنت حاضراً بصفتي المنسق العام لحركة «كفاية» وقتها، وكان الحضور قد كلفوني قبلها بصياغة بيان تأييد ومشاركة في مظاهرات 25 يناير، وقرأت البيان على الحضور، ولم يعترض أحد سوى محمد البلتاجي، كان اعتراضه الأساسي على عبارة يطلب نصها «الإنهاء السلمي لحكم مبارك وعائلته»، وقال البلتاجي وقتها بالنص : إن الإخوان لن يوافقوا أبداً على المشاركة في توقيع على بيان يرد فيه ذكر اسم مبارك، أو الدعوة لخلعه، وأضاف : نريد الاقتصار فقط على المطالبة بحل مجلسي الشعب والشورى في مظاهرات 25 يناير.

ربما لا تحتاج القصة هنا لتعليق، فالحقائق تشرح نفسها، ولم يكن لأي فصيل إسلامي مصري فضل في الدعوة لثورة في مصر، أو في المبادرة إليها، وإن شارك بعض الإخوان في مظاهرات 25 يناير، وبصورة رمزية تماماً، وظلوا على حال التردد في الفترة من 25 يناير حتى جمعة 28 يناير 2011، والتي شاركوا فيها بكثافة لافتة، وتحت شعار (الشعب يريد إسقاط النظام) الذي صاغه غيرهم، وكانت حركة كفاية هي الوحيدة في مصر التي جعلت هدف 25 يناير قاطعاً نهائياً، وحمل بيانها الصادر عشية تحرك 25 يناير عنوان «خلع مبارك هو الحل»، بينما كانت بيانات الآخرين في صورة شعارات عامة مجردة، فيما اتسم موقف القيادة الرسمية للإخوان بالتحفظ المشدد، ولم تشارك بثقلها في التحرك إلا بعد أن أصبحت الثورة حقيقة واقعة، لكنها ظلت حريصة على علاقات وصل مع النظام، حتى وهو يترنح، وأدارت اتفاقات مع عمر سليمان الذي عينه مبارك في أيامه الأخيرة نائباً له، لكن ثورة النور جرفت اتفاقات الظلام، ولم يجد الإخوان بداً من الالتحاق بالثورة وهدفها الساطع، وهكذا فعل إسلاميون آخرون من طراز الجماعة الإسلامية وفصائل من السلفيين.

المحصلة إذن أن الإسلاميين المصريين التحقوا بالثورة، وبطريقة متباطئة وبراجماتية جداً، ولم يكونوا أبداً من دعاتها، ولا من المبادرين إليها، وعلى العكس تماماً مما يروج له الإخواني أحمد منصور في برنامجه العجيب بقناة «الجزيرة»، وبتحيز فاقع لا يحترم ضميراً ولا مهنة، ويزور الحقائق الصلبة التي يعرفها هو نفسه، وقد التقيته شخصياً لأول مرة في منزل السفير إبراهيم يسري بضاحية المعادي القاهرية، كان اللقاء قبل الثورة بشهور، وكان القيادي الإخواني حمدي حسن حاضراً، وفوجئ بهجوم أحمد منصور الكاسح المندد بتردد قيادة الإخوان، ومشاركتها في ألعاب وانتخابات نظام مبارك الهزلية، وكما يقول أحمد منصور في السر عكس ما يقوله علناً، فكذلك تفعل قيادة الإخوان، والتي تتصرف بعجرفة الآن، وتصور فوزها الانتخابي المحتمل كما لو كان فوزاً للثورة، بينما الحقيقة في مكان آخر، وتلك قصة أخرى قد نعود إليها إن شاء الله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2165786

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165786 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010