الخميس 3 حزيران (يونيو) 2010

المبادرة العربية وفراغ كاريزما الزعامة

الخميس 3 حزيران (يونيو) 2010 par سعيد موسى

هي مبادرة ولدت ميتة، وجنوح إلى السلام مع عدو يمسك بزمام العدوان، ولا يخفى على احد أن مبادرة السلام العربية انبعثت من واقع العجز الرسمي العربي، ورغم أن مطلقها خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ثم أصبحت بمباركة جامعة الدول العربية مبادرة عربية، حتى معارضتها كانت فاترة من رؤوس الصراع العربي –الإسرائيلي، وذلك لان من يعارضها مطلوب منه البديل، ولا يستطيع عبثا أن يعلن معارضته الصاخبة لها بمبرر السيناريو الثالث الانهزامي“اللاحرب واللاسلم”، فإما حرب وإما سلم، وأنظمتنا العربية قاطبة بعيدا عن قعقعة الخطابات النارية المتهرئة وصهيل عبثية الممانعة والاعتدال ولا فروق عملية بينهما، اجتثت من قواميسها الملكية والجمهورية خيارات الحرب مع التناقض الصهيوني الرئيسي، وباتت جاهزة لحروب وخصومات بينية عربية، وخشية من حروب زاحفة بأطماع قوى كبرى إقليمية، فكانت اقصر الطرق اختيار السلام كخيار استراتيجي ووحيد لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، والذي انسحبت منه كل الركائز العربية سواء من دول الطوق أو دول الردع وما أكثرها من مسميات جوفاء، أو دول المساندة العربية عن بعد، سقط من معادلة هذا الصراع القائم حتى وقتنا هذا والذي سيستمر إلى الأبد في ظل اختلال الموازين لصالح العدو الصهيوني، سقط منه بشكل فاعل كل دول الطوق سواء بمعاهدات سلام ثنائية، أو حتى بماهو أسوء من مسار السلام الثنائي حيث اختيار موقع اللاسلم واللاحرب على مدار نصف قرن مع الحفاظ على تهدئة أو هدنة من جانب واحد مع بقاء الأرض والحقوق مغتصبة، هذا باستثناء الجبهة الفلسطينية التي تعيش الحالتين معا“السلم والحرب” والعمل جاري على قدم وساق كي تلتحق هذه الجبهة المشتعلة ضررا بأصحاب أيدلوجية السلم الناقص، صوب تهدئة شاملة وتجميد لمعالم الحرب، حتى وصلت إلى موقع اللاسلم واللاحرب على خارطة ماتبقى من مسمى وأيدلوجية الصراع، بل ربما المطلوب هو الوصول بالجبهة الفلسطينية آخر معاقل الصراع العربي الصهيوني إلى حالة السلم وفق الرؤيا الدولية التي تأخذ بالرواية الصهيونية لإخراج نهاية بإيقاع جديد للتسوية السلمية ولا ازعم أن هذه الجبهة غير متجهة صوب ذلك المسار، بل كل الوقائع على الأرض تشير إلى حشر هذه الجبهة في زاوية احد القطبين“القطب السلمي” أو“قطب اللاحرب واللاسلم”.

مبادرة السلام العربية إنما جاءت لتحاكي واقع العجز والتشرذم العربي، فلا هم يريدوا القتال لاسترداد الكرامة والحقوق العربية المغتصبة لما قد يكلفهم ذلك من سقوط عروش بيد تحالف أقطاب معادية خارجية مع أقطاب معارضة داخلية، ولا هم يريدون سلما منقوصا لما قد يكلفهم ذلك من سقوط بانقلابات داخلية أو خسارة لموقع رأس هرم ما يسمى بالممانعة السلبية، فقد أشادت الأغلبية بهذا العرض“المبادرة العربية” ليكفيها ذلك شر القتال ، وآخرين يدعون عدم إلزام المبادرة لهم وقدم في الماء وقدم في النار لحفظ ماء الوجه، والغريب العجيب أن بعض من دول المجموعة العربية بواسطة ساستهم أو علمائهم يطالبون بقوة بسحب هذه المبادرة الوهمية أصلا بسبب تجاهل طرف الصراع الآخر لها وكأنها لم تكن، والمطالبة بسحبها مع عدم وجودها ماهي سوى مزايدة في سوق النخاسة السياسي العربي، فلو افترضنا جدلا أن المبادرة فاعلة وان العدو يمسك بها، وانه من حق من وافق عليها أن يطالب بسحبها لما حققته من خسارة أكثر من الربح في مسار الصراع، فما هو البديل لدى من يتشدقون بسحب المبادرة الوهمية أصلا والتي لم تتجاوز مبادرة طرف بعرض سلام شامل مقابل انسحاب شامل على طرف آخر ضرب بعرض الحائط هذا العرض واستمر بعدوانه على كافة جبهات الصراع الساخنة والباردة!! فهذا يعني أنها تجارة ومزايدة إعلامية سياسية طمعا في تصفيق الجماهير العربية المحبطة من سياسة اللاسلم واللاحرب الانهزامية.

الحقيقة أن هذه المبادرة والتي يفترض بها أن تحمل كمرفق أو متمم لها البديل والنقيض، حيث أن نقيض الجنوح للسلم هو الاستعداد للحرب فيما لو رفض العدو هذا العرض السخي، سلام عربي وإسلامي شامل حيث أقرت المبادرة جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بالإجماع أو بالأغلبية، كان لابد من استباق المبادرة بسؤال يقتضي آليات واستعدادات ومواقف فيما لو فرضا رفض المعروض عليه هذا العرض، وحيث أن المعروض عليه يعلم جيدا ويملئ يده من الثقة بان المبادرة العربية لاتخرج عن كونها توسل لحقوق لاتطلب بل تنتزع، كما أعلن عنها بعض أصدقاء الصهاينة من العرب المتوسلون، لذا فلم يكلف العدو نفسه حتى بمناقشة المبادرة والرد عليها بالرفض والتحفظ في حينها مع جملة الاستخفاف الصهيونية الملحقة للرد“الترحيب اللفظي” ليس طبعا بالمبادرة السخية وإنما بروح التوسل العربية وافتقار المبادرة إلى مرفق البديل وعوامل القوة في حال الرفض والغطرسة الصهيونية المعهودة، وما زلت أقول ليس اغرب ولا أعجب من سياسة الوهم بطلب الانسحاب أو طلب السحب من مبادرة غير موجودة سوى في الذهنية العربية، التي لا تملك حلولا لمواجهة العدوان الصهيوني واستعادة الحق العربي المهدور، مع سقوط منظومة الوحدة العربية“وحدة الهدف،العدو،المصير”.

ومع استمرار العدوان الإسرائيلي والذي لم يتوقف لحظة منذ قيام كيانهم المسخ في فلسطين، رغم توقف النية الحربية العربية، ومع غياب صوت وهدير وتحدي الزعامات التي ملكت حينها كاريزما الزعامة والقيادة، حيث بخطاب واحد يعبئون الجماهير لتستعد للقتال، وبإشارة واحدة يشعلون ثورة، وتم تغييب تلك الكاريزمات القيادية بالاغتيال من عبد الناصر مرورا بصدام وحتى ياسر عرفات، فقد باتت المنطقة العربية وشعوبها بحاجة ماسة إلى قيادة ثورية وخطاب سياسي وعسكري ذو مصداقية في جعل العدو يحسب ألف حساب للاستمرار في العدوان وينظر حتى لو بطرفة عين صوب أي مبادرة سلام، فان الشعوب العربية والإسلامية باتت تتطلع إلى قيادة كاريزمية في مواجهة الغطرسة الصهيونية والانحياز الأمريكي الغربي لمغتصب الحقوق العربية و الإسلامية، وقد قرأ بعض القادة ذوي الانتماء الإسلامي الإقليميين مع فراغ الساحة العربية من كاريزما قيادة التحدي وإرادة المواجهة، ولم يكن غريبا بعد حال الانقسام الفلسطيني وتشجيعه عربيا وإسلاميا، كي يكون موطئ قدم للقادة الإقليميين الطامحين بنيل كرسي الزعامة الشاغر في الواقع العربي المتخبط، وهذا يتطلب إلى كاريزما قوية وخطاب سياسي أقوى في مواجهة الكيان الإسرائيلي، والوقوف ضد غطرسته العدوانية والتي لم تكن جديدة بل كانت قديمة حديثة حتى قبل واقع الانقسام الفلسطيني المقيت، فذلك السياق وهذا المشهد وتلك الأرضية أصبحت خصبة لقبول قائد تهتف خلفه الجماهير بروح التحدي في مواجهة الدموية الصهيونية وللتبرؤ من التخاذل والانهزام العربي حتى لو بقيادة وتبعية إقليمية، فسبق طلبا إلى الشاغر المرشح الإيراني“نجاد” ورغم دغدغة بعض شعاراته ودعمه للبعض منا ومن شعوب المنطقة، إلا أن معايير الموقع لا تنطبق عليه لعدة أسباب لامجال لحصرها في هذا المعرض الذي يختزل الفكرة فأصبح للأغلبية مرفوضا رغم قبول البعض بعيدا عن أسباب الخلاف الأيدلوجية، حيث عزف هذا الطامح باللقب الزعامي على عرجاء الحزبية في واقع الانقسام الفلسطيني وبات من غير الممكن نجاح أي محاولة لنيله شاغر الزعامة.

وهذا سيد المقاومة“حسن نصر الله” والذي انتفضت الجماهير العربية والإسلامية بضجها وضجيجها لتهتف خلفه انشودة النصر على الكيان الصهيوني الغاصب، حتى تورط في نزاعات حزبية عربية لبنانية دامية وتم استفزازه حتى أعطى ولاءه علنا للولي الفقيه في طهران مدار الجدل في عدم أهليتها لأي زعامة عربية وإسلامية، وقد انعكس ذلك على هيبته كحزب وكاريزما شكلت منه دولة داخل الدولة رغم خطابه المناسب المرفق بمصداقية إيلام العدو كنه كذلك لم يحافظ على مساحة واحدة على مربع الانقسام الفلسطيني المقيت رغم احترامنا لشخصه الكريم وعدم تشكيكنا في مصداقية إرادته في الصمود بوجه العدو وفرض إرادته، إلا أن معايير الشاغر تطلبت تجردا لزعيم دون تبعات أو مرجعيات غير الجماهير، انعكست على مصداقيته وحتى على جمهوره وحصوله وتحالفه اللبناني على نتيجة غير مرضية في الانتخابات، وحتى بعد عدوان تموز وقبول القرار“1701” مع بقاء الأرض اللبنانية محتلة فقد تلاشت المعايير المناسبة لنيل شرف شمولية كاريزما القيادة والزعامة العربية، ولا شك أن هناك أمثال“شافيز” الرجل الثوري الحر رغم عدم عروبته وليس بمسلم وذبه عن الحق الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي وطرد سفير الكيان الإسرائيلي من فنزويلا، والعزف على وتر التحدي من خارج دائرة الصراع وهتفت له جماهيره من منطلقات إنسانية وعدالة في مواجهة العنصرية والعدوانية والظلم الصهيوني، بل وهتفت بقوة ومحبة خلفه الجماهير العربية والإسلامية متحسرة على كونه غير عربي أو مسلم يصلح للشاغر، لكن شعبه ما خذله ونجح نجاح باهر في الانتخابات الرئاسية، ولم يتردد حتى وقتنا هذا في النقد اللاذع والدعم المعنوي للحقوق العربية والإسلامية عامة والحق الفلسطيني خاصة.

استمر هذا الوضع والجماهير لاهثة خلف مهدي سياسي المنتظر، زعامة رشيدة بمؤهلات كاريزما الإرادة والتحدي والانعتاق من فلك الهيمنة الأمريكية وعقدة الرعب من البعبع الصهيوني، حتى ظهر نجم إسلامي ساطع ليسجل حضوره وبقوة وذكاء ومصداقية في واقعنا العربي عامة وفي ساحة وطيس المعركة السياسية والعسكرية الفلسطينية خاصة، ورغم ما ترتبط به دولته العلمانية التركية برسم سلطة العسكر ونفوذهم، من علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية إستراتيجية مع الكيان الصهيوني، ولكنه من حزب يملك احد انتمائي ترشيح الكاريزما القيادية في منطقتنا وشاغرنا العربي الإسلامي، فهذا الرجل والزعيم“طيب رجب اوردغان” رئيس الوزراء التركي يتبع “حزب العدالة والتنمية” ذو الميول الإسلامية الوسطية وقد يأس من محاولة بلده الذوبان في الانتماء الأوروبي ورفض الأوروبيين لإدماج تركيا في النادي الأوروبي كما يتطلع النفوذ العسكري التركي لمستقبلهم، فقد غلبت على سياسته الانعطاف صوب الانتماء الإسلامي كقطب محوري إقليمي، أراد أن يحجز لتركيا الكبيرة مكانة تليق بها وبتاريخها على خارطة صياغة متغيرات الشرق الأوسط، هذا الرجل الذي أصبح كل عربي ومسلم يحترمه ويستشعر مصداقيته ويهتف لكاريزميته في مواجهة الصلف الصهيوني رغم علاقات بلاده بهذا الكيان، فقد كانت البداية في “مؤتمر دافوس” وتوجيهه النقد اللاذع “لشمعون بيرس” رئيس الكيان الإسرائيلي، ووصفه له ولدولته“بقتلة الأطفال” احتجاج على المجازر بحق الفلسطينيون في غزة، ومن ثم اهانته بترك المكان مما دفعنا جميعا لمزيد من احترامه والهتاف بالتأييد والمباركة لنخوته والتي تفتقر منطقتنا العربية لمثلها في واقع شاغر الزعامة المشفوعة بالكاريزما حلم الجماهير المحبطة المقموعة الغاضبة، هذا الرجل“رجب طيب” الذي دخل من اوسع الابواب الى قلوب جماهيرنا مع عدم الشك والشعور بانه يناور من اجل مصالح شعبية في بلاده لانه دوننا يحظى بمحبة واحترام جماهيره، نستشعر فيه رجولة الزعامة والاخلاق الحميدة وإطلاق صرخة الحق غير آبه بقيود مصالح بلاده مع الكيان الصهيوني المسخ، ولم يخشى في الله لومة لائم، ورغم عدم رضا القيادة العسكراتيرية عن سياسته في بلاده وتعرضه للعديد من عمليات الاغتيال ولا نملك سوى القول وفاء لمواقفه حيال شعبنا وقضيتنا سوى حماه الله وكثر من أمثاله، وهاهو كزعيم بكاريزما يتمناها كل شعب عربي ومسلم، وبعد الجريمة الصهيونية بحق متضامني أسطول الحرية الأتراك والعرب والأجانب، يكيل للصهاينة من التهديدات المتزامنة مع إجراءات مثل سحب السفير التركي من دولة الكيان الإسرائيلي، ووصفه لحليف أقطاب دولته“الكيان الإسرائيلي” بدولة الإرهاب والقيادة “الدنيئة” بل ذهب لأبعد من ذلك بكثير مما عجزت عنه فلول القيادات العربية والإسلامية، متوعدا عدونا المشترك محذرا الكيان الإسرائيلي؛ بان لايختبروا صبر تركيا؛ لأنها ستكون عدوا قاسيا وعنيفا في مواجهة قادمة مع الكيان الإسرائيلي، بل ذهب الى جوهر القضية قائلا“لن تدير تركيا ظهرها الى غزة” علما بان هذا الرجل بكاريزميته القيادية وخطابه المناسب للغة الزعيم، وبعكس ما يريد أن يصوره البعض فلم يعزف على وتر الانقسام الفلسطيني ،ويحافظ على مسافات مناسبة قد تجعله ذات تأثير قريب في رأب هذا الصدع الفلسطيني المؤلم والذي يشجع الكيان الإسرائيلي على ارتكاب جرائمه، فهل يحدث أكثر من الصدام السياسي والدبلوماسي وتجميد العلاقات وإلغاء المناورات ليجر تركيا صوب الزعامة السياسية الإسلامية العربية بكاريزما التحدي في مواجهة الغطرسة الصهيونية، كي تجد فيه الجماهير العربية الإسلامية العريضة والثائرة زعيما تبايعه في حال أي مناوشات أو صدام مع الكيان الإسرائيلي، هذا ما أردت الوصول إليه وإيصاله بان منطقتنا العربية بها شاغر لقيادة الحقيقة بكاريزما الزعامة والتحدي المناسب في مواجهة عدو صهيوني تجاوز كل الخطوط الأخلاقية والإنسانية الحمراء، وأكاد اجزم أن أي توتر في العلاقات التركية الصهيونية وصولا الى أي معركة صدام جزئي ستجعل من هذا الرجل ذو حظوة ونصيب في شاغر الزعامة الكاريزمية العربية الإسلامية المفقودة، وستجعل الجماهير بل القيادات والأنظمة الناطقة بالضاد و الغير مؤهلة للزعامة بتكاليفها!! تبايعه وتحالفه دون تردد؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165442

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165442 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010