الجمعة 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

احذروا عواصف التراجع الأميركي

الجمعة 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par الياس سحاب

تميز العقد الأخير من القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين بانتفاخ الشعور الإمبراطوري في الإدارة الأميركية، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتفكك حلف وارسو. وسرعان ما تمت ترجمة هذا الشعور بالانتفاخ الإمبراطوري، والشعور باحتكار الزعامة المنفردة للكرة الأرضية من دون منازع، بانتشار أميركي عسكري مباشر، في مناطق النفوذ التي كانت واشنطن ترى أن تدعم مصالحها فيها ومضاعفتها ورعايتها، تحتاج الى وجود عسكري مباشر. فبدأ عصر بلغ فيه التوسع الأميركي ذروته في العصر الحديث، عبر احتلال عسكري مباشر أحياناً (كما هي الحالة في أفغانستان والعراق)، او بإنشاء القواعد العسكرية في شتى أرجاء العالم، ومنها «الشرق الأوسط»، وذلك إضافة الى القاعدة العسكرية والإستراتيجية الأميركية الكبرى والثابتة في المنطقة : «إسرائيل». لكن الأمر الذي لم تحسبه الإدارة الأميركية بدقة في انتشارها العسكري الإمبراطوري هذا، أن مدى توسعه جغرافياً، كان لا بد من أن يكون متوازناً مع الكلفة الاقتصادية لهذا التوسع، والذي حدث ان الاقتصاد الأميركي قد بدأ يترنح ويواجه أزمات متتالية إزاء أثقال الكلفة الاقتصادية لعمليات التوسع العسكري، التي كانت تتحرك بشهوات السيطرة الإمبراطورية، من دون حساب كلفة هذه الشهوات.

بسبب هذا العامل، وبسبب عوامل أخرى، منها عدم إدخال أرباب الإستراتيجية الإمبراطورية الأميركية في حسابهم ردود أفعال شعوب المناطق التي يغزوها التوسع العسكري الإمبراطوري الأميركي بوحشية كاملة وبعنجهية كاملة، كان لا بد للتوسع الإمبراطوري الأميركي من أن يدخل عصر معاناة أزماته الاقتصادية من جهة، وأزماته مع تململ شعوب المناطق التي ينتشر فيها الاحتلال الأميركي والقواعد الأميركية.

ويبدو أن عام 2011 الحالي، الذي بدأ يشهد تحولات عربية أطاحت الجمود الذي كان يسيطر على مناطق النفوذ الإمبراطوري الأميركي، يبدو أن هذا العام سيدخل في التاريخ المعاصر على انه بداية التراجع العسكري، والسياسي، للتوسع الإمبراطوري الأميركي، الذي ظل منطلقاً عقدين كاملين من الزمن، من دون حساب دقيق لأي شيء.

لكن للعنجهية الأميركية الإمبراطورية طبائع، منها أنها لا تتراجع بهدوء، كما أنها لا تتقدم بهدوء. فالعواصف السياسية (وأحياناً العسكرية) لا بد أن تصاحب عملية التراجع، كما صاحبت عملية التقدم.

ولو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر، أن عام 2011 الحالي، هو العام المقرر للانسحاب العسكري الأميركي الكامل من العراق، الذي مضى على احتلاله ثماني سنوات كاملة، فإننا سنرى أولاً محاولات أميركية يائسة لإجراء عملية تجميل ولو شكلي على هذا الانسحاب تترك الجيوش الأميركية وراءها بضعة آلاف من المحتلين، لحراسة الهيبة الإمبراطورية في أثناء الانسحاب وبعده، لكن هذه العمليات لم تنجح حتى في ترك نفر ولو ضئيل من العسكريين، على شكل خبراء أمنيين.

لذلك، لكل ذلك، وبما أن محاولة تغطية الهيبة الإمبراطورية من عملية الانسحاب قد فشلت، فقد أصبح لزاماً على الإدارة الأميركية أن تطلق في المنطقة المحيطة بالانسحاب من العراق، عواصف أمنية وسياسية، تغطي بها الخزي الذي يلف عمليات جر أذيال الخيبة من العراق، الذي كان فيه النفوذ الأميركي مطلق الحرية والصلاحية، لولا عمليات المقاومة الشعبية التي لم تكن في الحسبان ساعة الدخول المظفر لبغداد.

قد لا تضطر الولايات المتحدة للتحرك المباشر، الذي تكون فيه في واجهة الأحداث، لكن قواعدها العسكرية المنتشرة بكثافة زراعة الفطر، ونفوذها السياسي المتمثل بعدد الأنظمة المرتبطة كلياً بالنفوذ الأميركي، كل هذا، إضافة الى القاعدة الإستراتيجية الأميركية الثابتة المتمثلة بـ «إسرائيل» (وإن كانت تتحول شيئاً فشيئاً الى قاعدة محاصرة) كفيل بأن يسمح للولايات المتحدة بكثير من عمليات التحرك بالواسطة، أي أنها تكتفي بتحريك العواصف الأمنية والسياسية من وراء الستار، لإضفاء شيء من الهيبة او التشويش على انسحابها المخزي من العراق، ريثما تحاول التعويض في مكان آخر، إن لم يكن عليها مواجهة المصير نفسه، في مواضع أخرى من الكرة الأرضية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2178566

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178566 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40