الأربعاء 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

نظامان ومصيران للآبارتايد

الأربعاء 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par فيصل جلول

شهدت بيروت الأسبوع الماضي ملتقى عربياً ودولياً حاشداً لمكافحة الآبارتايد نظمه «المؤتمر الدولي للتواصل» الذي ينشط منذ بعض الوقت في طرح ومناقشة محاور عربية مركزية بشأن الدفاع عن القدس، وحق العودة وحرية الجولان، ومناهضة التدخل الدولي في سوريا، فضلاً عن مناهضة العنصرية والصهيونية بطبيعة الحال. وقد شارك في الملتقى عدد من الشخصيات الأجنبية والعربية البارزة، كان بعضها قد لعب دوراً أساسياً في مكافحة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا.

وإذا كان نظام الفصل العنصري قد انتشر في جنوب إفريقيا منذ العام 1948 وحتى العام 1990، فإنه عاش طيلة تلك السنوات بحماية الحرب الباردة، ذلك أن حكومة الفصل العنصري في هذا البلد كانت طرفاً مركزياً في المعسكر الرأسمالي المناهض للشيوعية، وبالتالي كان من الطبيعي أن تتلقى الحماية من حلفائها الليبراليين الذين كانوا بقسمهم الأكبر يدينون التمييز العنصري من دون أن تؤدي الإدانة إلى التضحية بهذا النظام الذي انتهى في العام 1990، أي مع نهاية الحرب الباردة مظلته الواقية من الثورات والانتفاضات الدورية التي كانت تستهدفه.

وإذا كان صحيحاً أن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا قد سن قوانين للبيض وأخرى للسود الأفارقة والملونين والهنود، فإن نظام الفصل العنصري في الدولة الصهيونية لا يعتمد اللون بل الانتماء الديني، لكنه في التطبيق العملي واليومي للفصل العنصري يعمد إلى استعادة الكثير من القوانين والممارسات المقيتة التي كانت سائدة في جنوب إفريقيا، ومن أبرزها حرمان العرب من أراضيهم ومصادر عيشهم ووجودهم وتعزيز سيطرة اليهود على أرض فلسطين التاريخية، وإذا عاينا حجم الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967، فإننا نجده قد ارتفع الى حد أفقد الضفة الغربية جزءاً كبيراً من أراضيها وزرع فيها شبكة واسعة من المستوطنات، حتى صارت أشبه بجبنة الغرويير الفرنسية الشهيرة بفتحاتها المتعددة، بكلام آخر صارت الضفة الغربية عبارة عن منخل عملاق تخترقه مساكن اليهود وتتفرق فيه وتتفتت مساكن الفلسطينيين.

والواضح أن نظام الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية توازيه إجراءات أخرى من الطبيعة نفسها، حيث تنهب «إسرائيل» مياه الفلسطينيين، ومن ثم تبيعهم إياها، وتنهب أيضاً آثارهم وتستثمرها في السياحة وتشرد الأهالي في الداخل وبعض الخارج لأسباب وذرائع أمنية سخيفة.

ثمة من يسأل عن السبب الذي يؤدي إلى إزالة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا منذ العام 1990، وتغيير نظام الآبارتايد فيها مع الإصرار على بقائه وحمايته في الكيان الصهيوني، علماً أن كلا النظامين نشأ في ظل الحرب الباردة وتلقى الحماية بذريعتها، فلماذا يذهب نظام ويبقى آخر؟

الإجابة عن هذا السؤال تمر بالخطوط العريضة الآتية :

[**1-*] لقد انهار النظام في جنوب إفريقيا مع انهيار الحرب الباردة لأن القيمين عليه فشلوا في حمايته وتكييفه مع فقدان النظام لورقته الأبرز أي مكافحة النظام الشيوعي، وإذ انهارت الشيوعية وقفت العنصرية عارية وغير جديرة بحماية أحد من بيض جنوب إفريقيا الذين دفعوا ثمناً باهظاً لفشلهم ولصعوبة تكيفهم مع المعطيات الجديدة.

[**2-*] في «إسرائيل» لم ينته النظام الصهيوني مع نهاية الحرب الباردة، لأنه نجح منذ نشوئه في لعب دور مركزي في حماية المصالح الغربية في «الشرق الأوسط» بحيث يبقى ما بقيت هذه المصالح، ويزول إذا مازالت وهذا الدور يتعدى وظيفة الكفاح ضد الشيوعية، بكلام آخر استطاعت «إسرائيل» أن تقنع الغرب وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بأن مصيرها ومصير نفوذ العواصم الغربية في «الشرق الأوسط» مشترك.

[**3-*] استطاع الغرب أن يحل مشكلة اللاسامية عبر دعم الاستيطان «الإسرائيلي» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعبر نشوء «إسرائيل» وهو رابح على خطين، الأول يكمن في التخلي عن المسألة اليهودية وإلقائها في أحضان العرب والمسلمين، والثاني يكمن في التصدي للشيوعية وللحركات الموالية لها، وبخاصة في الدول التي كان يتمتع فيها السوفييت بنفوذ كبير، لذا فإن غياب الوظيفة الثانية، أي التصدي للشيوعية لم يؤثر في مصير الدولة اليهودية التي ولدت حتى تحرر الغربيين من ظاهرة اللاسامية، وحتى تحمي مصالحهم الاستراتيجية في «الشرق الأوسط».

ما من شك أن النضال السلمي الذي مارسه طويلاً شعب جنوب إفريقيا لإنهاء الآبارتايد ترك آثاراً فعالة على مصير هذا النظام، واستدرج تأييداً دولياً منقطع النظير، وهو أمر توفر للشعب الفلسطيني، لكنه لم يؤد الى النتيجة نفسها، ذلك أن بقاء «إسرائيل» كما أشرنا أو زوالها رهن ببقاء أو زوال المصالح الغربية في العالم العربي، و«الشرق الأوسط» عموماً وكل استنتاج آخر لا يعول عليه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2178511

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178511 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40