الاثنين 5 كانون الأول (ديسمبر) 2011

مشاهير وآثار دم

الاثنين 5 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par أمجد عرار

ليس هناك ما هو أنبل وأرقى وأكثر تحضّراً من أن يترك الإنسان أثراً يرمز إلى فعل قام به وخدم الآخرين بشكل أو بآخر. يستحق أول مكتشف للنار أن يوضع اسمه الذي لا أحد يعرفه على شارع مهم في عاصمة كبرى. ومخترع أول إبرة خياطة وأول مشط للشعر، وأول نظّارة للعينين، وأول قنينة حليب للأطفال الرضّع، وأول مصل أو لقاح أو دواء، ومخترعو الراديو والتلفزيون والسيارة والطائرة والقطار والكمبيوتر والموبايل والستالايت، وعشرات الاكتشافات والاختراعات التي نقلت البشرية من حال إلى حال، يستحقون أن تقام نصب تذكارية بأسمائهم حيثما تيسّر ذلك، وأن تحمل المؤسسات التي تعنى بامتدادات كل اكتشاف أو اختراع اسم صاحبه وصورته إن توفّرت.

لكن لا تجري الأمور على هذا النحو في عالم يتنكّر لِبُناته ويخلّد هادميه، ويمنح رمزية بلا معنى لأشخاص بلا أثر إنساني، أو محمّلين بالآثام والآثار المدمّرة وأوزار الحروب. يجري ذلك لأن كل شيء بات معجوناً بالمصالح المقولبة بعيداً عن الحاجات الحقيقية للحياة البشرية وما تستحقه كرامة الناس.

في الولايات المتحدة يعرضون للبيع في مزاد علني، آخر كرسي هزاز استخدمه رئيسها جون كنيدي قبل يوم واحد من اغتياله في دالاس العام 3196 - ومعه ثقّالة لمنع تطاير الأوراق، رغم أن «ويكيليكس» لم يكن قد ظهر بعد . سيجد الكرسي من يشتريه من هواة جمع مقتنيات المشاهير بشرط أن يمكلوا أثمانها الباهظة.

ما الذي قدّمه الرئيس الخامس والثلاثون لأمريكا في فترة كانت مشتعلة بالتوتّر؟ باستثناء عملية اغتياله الدرامية، يرتبط اسم كنيدي بالحرب الباردة وبعملية اقتحام خليج الخنازير وأزمة الصواريخ الكوبية، وبناء جدار برلين والإرهاصات الأولى لحرب فيتنام.

وإذا كان لكرسي كنيدي أثر تخليدي لدى البعض، فإن لنعش قاتله الأثر نفسه، ولا نعرف كيف يبعث القاتل والمقتول السلوك ذاته والمشاعر ذاتها. فحسب ما هو متداول، فإن لي هارفي أوزوالد قاتل كنيدي قُتل بعد يومين على يد اليهودي جاك روبي قبل جلسة محاكمة قاتل كنيدي، روبي الذي قتل قاتل كنيدي «مات» في ما بعد، وقيل إن سبب الوفاة إصابته بسرطان الرئة.

ورغم مرور خمسة عقود على معادلة «مقتول - قاتل - مقتول» تلك، بقيت طي الغموض أو التغطية والتكهنات، فلا محكمة أمريكية فاعلة أعطت الموضوع حداً أدنى من المعالجة، ولا محكمة دولية شُكّلت للغوص في الأعماق المريبة لتاريخ قاطراته أشباح من الفاعلين.

لن نسمع بآثار تركها بناة حضارة، لكننا سنبقى نسمع بأن أثمن مقتنيات جورج بوش الابن، مسدس صدام حسين، وأهم آثار والده طائرته التي أسقطت وهو ينزل حمم الموت على رؤوس الفيتناميين.

لا نعرف كم سيبلغ ثمن الطائرة التي صهرت بقذائفها أجساد الأطفال والنساء والشيوخ العراقيين في ملجأ العامرية. ولن نتكهّن بالثمن الذي ستصل إليه آخر بزّتين ارتداهما الطياران «الإسرائيليان» اللذان قصفا قرية قانا اللبنانية سنتي 1996 و2006. وقد نطالع إعلان «ترقّبوا» المزاد العلني الذي سيعرض فيه الهاتف الذي استخدمه أرئيل شارون في توجيه ميليشيات الموت في مخيمي صبرا وشاتيلا، والميكروفون الذي استخدمه عامي أيالون في التعبير عن شعوره باهتزاز خفيف في جناح الطائرة التي قتلت ستة عشر طفلاً في غزة، بمعيّة الشهيد صلاح شحادة. إذا بقي شيء من المال لدى هواة مقتنيات المشاهير، فلا بأس من المشاركة في مزاد علني لأول قلم وقّع به إسحاق رابين اتفاق أوسلو، وآخر جرافة شاركت في التأسيس لآخر مستوطنة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2181357

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2181357 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40