الأربعاء 7 كانون الأول (ديسمبر) 2011

مصر إلى أين؟!

الأربعاء 7 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par علي جرادات

بعد عام على انطلاق الحراك الشعبي العربي، جرت الانتخابات لتشكيل مجلس تأسيسي في تونس، أنيط به إعداد دستور جديد لجمهورية تونسية ثانية، وتشكيل مؤسسة حكومية ورئاسية مؤقتة، تعد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية لاحقة، وفقاً للدستور الجديد. وجرت انتخابات تشريعية في المغرب، بعد التوافق على مجموعة إصلاحات دستورية، خضعت لاستفتاء شعبي. وجرت مرحلة من ثلاث مراحل لانتخابات «مجلس الشعب» في مصر، الذي بعد اكتماله، عدا اكتمال انتخابات «مجلس الشورى»، سيناط به تشكيل مجلس تأسيسي، (ما زالت كيفية تشكيله موضع خلاف)، يناط به إعداد دستور جديد، يُعرض على استفتاء شعبي، ومن ثمَّ إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لاحقة، وفقاً للدستور الجديد.

هنا، وإن كان لافتاً تقدم قوى الإسلام السياسي على اختلاف طيفها، في كل هذه الجولات الانتخابية، إلا أن المفاجأة الأكبر قد وقعت في مصر، حيث أحرزت كتلة «الإسلام السلفي المتشدد»، أكثر بكثير مما هو متوقع، فيما كان متوقعاً، (لعدة أسباب لا مجال للخوض فيها)، ما أحرزته كتلة الإخوان المسلمين «الأكثر اعتدالاً»، التي خاض الحزب المنبثق عنها الانتخابات بتحالف ضم عشرة أحزاب صغيرة أخرى. في ضوء هذه النتيجة، (المفاجأة)، وبمعزل عن سؤال لماذا، الذي يحتاج لمعالجة مستقلة، لسنا بصدد الخوض فيها الآن، يثور السؤال المفصلي الأهم: مستقبل مصر، (مفتاح الأمة ومرآة عافيتها، والدولة العربية المركزية)، إلى أين، وهل تشكل هذه النتائج الانتخابية، (المفاجأة)، مؤشراً كافياً لحكم قاطع على ما سيؤول إليه مستقبل النظام السياسي فيها؟

بعيداً عن التعجل الذاتي للمغترين بهذه النتيجة الانتخابية، (المفاجأة)، أو المرعوبين منها، يمكن القول: بعد عشرة أشهر على إطاحة رأس النظام المصري السابق، فإن الحسم النهائي لمستقبل مصر ونظامها السياسي الجديد، وطنياً وقومياً وديمقراطيا، (على ما بين هذه العناوين من ترابط)، ما زال غامضاً، بل، وما زال في الطور الأول من صيرورة تشكله الطويلة والمعقدة، ذلك ارتباطاً بعدة حقائق واقعية، تمنع الانسياق خلف الأحكام القطعية، المدفوعة باستعجالات ذاتية، ولعل أهم هذه الحقائق:

[**الحقيقة الأولى:*] إن عملية إطاحة رأس النظام المصري، التي فتحت الباب أمام إطاحة النظام بالكامل، وإرساء معالم نظام جديد بديل ومستقر، ما زالت عملية صراعية جارية، ذلك أنها لم تتم من خلال حدث مصري منعزل، بل، تمت في إطار حدث عربي تاريخي شامل، ما زال متواصلاً، وفجرته طاقات شبابية ناهضة امتلكت وسائل عصرها، والتفت حولها الشعوب، لتنطلق بذلك صيرورة طويلة ومعقدة ومتشعبة وشائكة للتغيير الوطني والقومي والديمقراطي، لعل أهم إنجازاتها، أنها جعلت الشعوب العربية، (بعد كسرِ حاجز الخوف)، لاعباً أساسياً، ورقيباً يقظاً، اكتشف سر قوته، وعرف طريقه، لتصبح الشعوب بذلك قادرة ليس فقط على تغيير الأنظمة السياسية الاستبدادية، التي انتفضت ضدها، وأطاحت رأس بعضٍ منها، بل، وقادرة أيضاً على تغيير ما سيتمخض عن انتفاضاتها من سلطات سياسية جديدة، بعد أن أصبح شأن توليها للسلطة، أو عزلها عنها، وبمعزل عن لونها الفكري والسياسي، خاضعاً للتجديد والتبديل والتداول السلمي، عبر صناديق الاقتراع، ومرهوناً بالإرادة الشعبية، التي، وإن بتدرج، ستتعلم أكثر فأكثر، كيف تهب الصوت دورياً، تبعاً للإنجازات المحققة، لا بالمعنى الوطني والقومي فقط، بل، وبالمعنى الديمقراطي، سياسياً واجتماعياً، أيضاً.

[**الحقيقة الثانية:*] إن الحديث لا يدور عن تحديد مستقبل دولة هامشية، بل، عن مستقبل دولة مركزية ذات ثقل حاسم، عربياً وإقليمياً ودولياً، لا في حسابات أطراف الصراع العربي «الإسرائيلي»، فقط، بل، وفي حسابات القوى الدولية العظمى والإقليمية النافذة للسيطرة والنفوذ في المنطقة العربية بخاصة، وفي منطقة «الشرق الأوسط» بعامة.

[**الحقيقة الثالثة:*] ثقل الإرث الوطني والقومي والديمقراطي للنظام السابق، الذي لم يجرِ إسقاطه كلياً بعد، بل إطاحة رأسه فقط.

الحقيقة الرابعة: ارتباطاً بكل ما تقدم، فإن عملية رسم الملامح الأولية للنظام المصري الجديد، ناهيك عن حسم معالمه النهائية، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ما زالت، (في العمق)، مجالاً لصراع محتدم، تتعارك عليه قوى داخلية وخارجية عديدة، حتى، وإن بدت، (على السطح)، تميل إلى حالة من الاستقرار، تبقى عملياً، وفي الحالات جميعاً، نسبية، وقابلة للانفجار من جديد.

انطلاقا من الحقائق أعلاه، نرى أن ثمة مجموعة من التحديات، لا مناص أمام أية قوة سياسية، عند استلامها للسلطة في مصر، (بمعزل عن لونها الأيدولوجي)، من التصدي لها، عبر تقديم الإجابات الشافية على الأسئلة الواقعية المفصلية التالية :

[**1:*] السؤال المتعلق بمصير التبعية المصرية للغرب، بقيادة أمريكية، علماً أن هذا السؤال لا يتعلق بـ «كفر» هذا الغرب أو «إيمانه»، بل، بما يقوم به من عملية نهب اقتصادي وسيطرة سياسية وأمنية، التي لا يقوى الاقتصاد المصري، (كأي اقتصاد تابع)، على النهوض الوطني والديمقراطي المستقل، دون الفكاك منها.

[**2:*] السؤال المتعلق بإيجاد حلول للمشاكل والمعضلات الاقتصادية والاجتماعية التي ترزح تحتها مصر، وليس آخرها المديونية الثقيلة، التي تناهز مئة مليار دولار، ناهيك عن البطالة والفقر وظاهرة العشوائيات وبعض الأمراض السارية والأمية وتلوث البيئة وجنون الخصخصة وبيع مقدرات مصر وثرواتها، وغيرها من المشاكل، التي تستوجب حلولاً، لا تنفع معها سياسة تقديم الإغاثة والصدقات، أو أعمال المضاربة المالية والاستيراد، التي برعت فيها بعض نخب الإسلام السياسي، حتى لو استطاعت الاستعانة بالمساعدات الخليجية أو الدولية ذات الأغراض السياسية.

[**3:*] السؤال الأعمق، والمتعلق بوجهة معالجة ما خلفه النظام السابق من انعدام للحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، وتفاوت اجتماعي حاد، ليس بسبب كونه نظاماً فاسداً فقط، بل أيضاً، بسبب كونه نظاماً كمبرادوريا تابعاً ومستغلاً، دمر قاعدة مصر الإنتاجية وحولها إلى سوق استهلاكية، ومزرعة لتسمين طبقات طفيلية، لا ينفع معها غير إعادة هيكلة الاقتصاد المصري، من خلال اجتثاث ما قام عليه من ركائز أساسية.

[**4:*] السؤال المتعلق بالتحدي «الإسرائيلي» ومصير «معاهدة كامب ديفيد للسلام»، وهو بالمناسبة ليس تحدياً خارجياً فقط، إنما هو، تحدٍ يتشابك فيه الخارجي بالداخلي، فاتفاقية كامب ديفيد، ليست مجرد معاهدة صلح بين دولتين، إنما تنزع ضمن بنودها العلنية، فما بالك بالسرية، جزءاً من السيادة المصرية على سيناء، كما تحدد مستوى تمدد سيادة الدولة المصرية، ديموغرافياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً، علما أن سيناء تساوي أكثر من مساحة فلسطين التاريخية، وأن بمقدور استعادة السيادة المصرية الكاملة عليها، أن توفر أرضية لمشروع وطني كبير يضاهي مشروع السد العالي، وفي أقله بمقدورها أن توفر حلاً لأزمة الاكتظاظ السكاني في مصر، وخاصة في القاهرة والاسكندرية.

عليه، أرى أن نتائج الانتخابات الحالية في مصر، وإن أعطت مؤشرات، إلا أنها لا تحسم المعالم النهائية للنظام السياسي المستقبلي في مصر، لأن النظام الجديد ما زال في صيرورة التشكُّل. ومعروف أن العديد من الثورات في بقاع العالم الأخرى، قد مرت بمرحلة انتقالية. فعلى سبيل المثال: رغم أن المرحلة الانتقالية للثورة الروسية في نيسان عام 1917، (بقيادة كيرنسكي)، قد اكتفت بإطاحة رأس النظام القيصري، إلا أنها بذلك قد مهدت الطريق للثورة البلشفية في أكتوبر من ذات العام، بقيادة لينين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2181708

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2181708 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40