الجمعة 9 كانون الأول (ديسمبر) 2011

في ذكرى القرار بتقسيم فلسطين

الجمعة 9 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par عوني فرسخ

حين أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 181 بتقسيم فلسطين في 29/11/1947، كان لدى «الوكالة اليهودية» كامل مؤسسات الدولة بما في ذلك جيش يضم ستين ألف شاب وفتاة جيدي التدريب والتسليح وصناعة سلاح متقدمة، بما لقيته زمن الانتداب من دعم بريطانيا ورعاية عصبة الأمم وتمويل الجاليات اليهودية الأوروبية والأمريكية. فضلاً عن التقاء المعسكرين الرأسمالي والشيوعي على مدها بالسلاح والخبراء العسكريين من يهود المعسكرين، بحيث بدت حائزة مقومات امتلاك المبادرة الاستراتيجية في المشرق العربي. ويومها رقص الصهاينة في نيويورك والقدس هاتفين «ملكنا أرض «إسرائيل»». وبالمقابل كانت أنظمة جامعة الدول العربية فاقدة المنعة تجاه المداخلات الخارجية وبين قادة أركانها من يعلنون عدم امتلاك جيوشهم الناشئة قدرة منع تنفيذ القرار. ولا أدل على بؤس الواقع العربي حينها من تولي الجنرال غلوب البريطاني قيادة القوات النظامية العربية المشاركة في حرب 1948.

وبعد أربعة وستين عاماً من صدور القرار 181 يبدي العديد من القادة الصهاينة القلق تحسباً من تداعيات الربيع العربي، بينما تتفاقم حدة الصراعات الاجتماعية في الكيان، ويتسع إطار مفكريه المدركين عمق أزمته الوجودية. برغم كل ما حققه في تعظيم إمكاناته المادية وقدراته البشرية وتفوقه العسكري وتقدمه العلمي وعلاقاته الدولية، ما يشير إلى أن الزمن لم يسر وفق آمال وطموحات من رقصوا في نيويورك والقدس قبل احتلالها سنة 1947.

وفي تقديرنا أن افتقاد الصهاينة لنشوة النصر وتعاظم القلق في أوساطهم يعودان إلى ما شهدته السنوات الأربع والستون الماضية من تطور نوعي في قدرات وأداء القوى العربية الملتزمة بالممانعة والمقاومة خياراً استراتيجياً، وتحول الموقف من الصراع العربي الصهيوني لدى المعسكر الاشتراكي وحلفاء «إسرائيل» الإقليميين من ناحية ثانية.

وفيما يلي استعراض لأبرز المتغيرات والمستجدات التي دفعت يوري أفنيري إلى أن يكتب في «بالستاين كرونيكل» خريف 2003 ما نصه : «لقد عدنا إلى الغيتو، وها نحن يهود فقراء خائفون، حتى ونحن نرتدي الزي العسكري، حتى ونحن مدججون بالسلاح، حتى ونحن نمتلك الدبابات والطائرات والخيار النووي».

ففي أعقاب توقيع مصر والأردن وسوريا ولبنان اتفاقيات الهدنة سنة 1949، وما بدا من استعداد بعض قادتها للصلح مع العدو على أساس الأمر الواقع، شكل إجماع اللاجئين على رفض التوطين والإصرار على التحرير والعودة، الصخرة التي تحطمت عليها تلك المحاولات، وكل محاولة تالية لتصفية الصراع التاريخي وفق اشتراطات الإدارات الأمريكية راعية المشروع الصهيوني.

وبالصمود في أرض الوطن، والتصدي الشجاع للممارسات العنصرية الصهيونية، تنامى وعي الصامدين في الأرض المحتلة سنة 1948، وتطورت كفاءتهم في الدفاع عن حقوقهم المشروعة، بحيث غدوا يشكلون خطراً ديموغرافياً على التجمع الاستيطاني العنصري، وتهديداً واقعياً لأسطورة «الدولة اليهودية». فضلاً عن إسهامهم المتنامي في فضح زيف الادعاء بأن «إسرائيل» واحة الديمقراطية في المنطقة.

وباستعادة مصر فعاليتها القومية بفعل ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، بقيادة عبدالناصر، استقطبت حركات التحرر العالم ثالثية، واحتلت دوراً قيادياً في حركة عدم الانحياز. وفي باندونغ سنة 1955 نجح عبدالناصر في عزل «إسرائيل» كأداة استعمارية مغتصبة حقوق شعب فلسطين. فضلاً عن تفاعله المتنامي مع الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية، بعد ما شهده المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفييتي سنة 1954 من تحول باتجاه التعاون مع الحركات الوطنية والقومية الآسيوية والإفريقية، وما أعقبه من تحول دراماتيكي في الموقف من الصراع العربي الصهيوني، كانت باكورته عقد صفقة السلاح التشيكية سنة 1955.

وبالعمل الفدائي انتزع شعب فلسطين الاعتراف الدولي بكيانه الوطني، فيما حالت انتفاضة جماهير مصر وأمتها العربية رافضة استقالة عبدالناصر دون تحقيق الأهداف السياسية لعدوان 1967، فضلاً عن أنها مكّنت عبدالناصر من تطهير الجيش وإعادة بنائه، ومباشرة حرب الاستنزاف، الحرب الأولى التي خسرتها «إسرائيل»، ولم تكسب بعدها أي حرب فرضتها على جوارها العربي.

وبانتفاضة أطفال الحجارة سنة 1987، أحدث فتيان وفتيات فلسطين نقلة نوعية في الصراع بجعل الأرض المحتلة مسرحه الأول، بعد أن كان محيطها العربي هو المسرح. وبالتالي غدا التجمع الاستيطاني الصهيوني يعاني الشعور بعدم الأمن والأمان، فيما تحررت من الشعور بذلك دول الطوق العربية بفعل تطور أداء المقاومة في عمق الأرض المحتلة ومحيطها.

وبسقوط شاه إيران سنة 1979 لم تخسر «إسرائيل» حليفاً استراتيجياً فحسب، وإنما قام في مشرقها عدو رافض وجودها عقائدياً. وبتراجع دور عسكر تركيا لمصلحة القوى الإسلامية، تراجعت إمكانية رهانها على الحليف التركي وإن احتفظ بروابطه معها، فيما غدا الحليف الإثيوبي شبه مستغرق بصراعات القرن الإفريقي.

وبعد أن طهرت المقاومة اللبنانية، بقيادة «حزب الله»، الجنوب من دنس الاحتلال في مايو/ أيار 2000 انتهت إلى الأبد طموحات التمدد الصهيوني خارج فلسطين المحتلة. بل ورميت إلى مزبلة التاريخ أسطورة «حدودك يا «إسرائيل» من الفرات إلى النيل». وهذا ما أقره الصهاينة عملياً ببنائهم جدار الفصل العنصري في عمق الضفة الغربية.

وعلى مدى العالم يتزايد مناصرو حقوق شعب فلسطين، ورافضو العنصرية الصهيونية، في أوساط مناهضي الرأسمالية المتوحشة حاضنة المشروع الصهيوني. وفي توالي محاولات كسر حصار قطاع غزة، كما في حرق علم «إسرائيل» في نيويورك، عاصمة اليهودية العالمية، دلالة تعاظم إدراك قوى التحرر والعدالة والديمقراطية في العالم بأن نضالها ضد الاستغلال والاستبداد لا يكتمل إلا بالانتصار لشعب فلسطين في صراعه التاريخي مع آخر مشروعات الاستعمار والعنصرية التي أسقطتها شعوب الأرض.

صحيح أن «إسرائيل» لما تزل تحتل الأرض العربية، وليس في الأفق المنظور قوة عربية مؤهلة لحسم الصراع مع الإمبريالية وأداتها الصهيونية. غير أن الصحيح كذلك أن قوى الممانعة والمقاومة العربية أسقطت أساطير التفوق الصهيوني، وأفقدت «إسرائيل» قوة ردعها، وحولتها من رصيد استراتيجي لرعاتها على جانبي الأطلسي إلى عبء تاريخي تنوء بثقله شعوبهم.

وهذا ما يتجاهله المسكونون بثقافة الهزيمة الذين لا يذكرون من حقائق الصراع سوى القصور العربي في توظيف الإمكانات المتاحة والقدرات المتوافرة في معركة المصير. وهو قصور ما كان ليتواصل منذ صدور قرار التقسيم لولا أن الغاية الاستعمارية المستهدفة من إقامة «إسرائيل» منع الوحدة العربية، والإبقاء على واقع التجزئة والتخلف والتبعية. وبالتالي فكل المستفيدين من هذا الواقع لا يتناقضون عدائياً مع «إسرائيل» وليس التصدي الجاد لوجودها في مقدمة اهتماماتهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165855

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165855 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010