الاثنين 12 كانون الأول (ديسمبر) 2011

بضاعة التعذيب

الاثنين 12 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par أمجد عرار

لم تعد «إسرائيل» مكتفية بأنها المنتج الأول في العالم لبضاعة التعذيب، بل أصبحت أكاديمية متخصّصة في أساليبه ووسائله، وباتت قادرة على تصدير البضاعة للآخرين. ولا نعرف إن كان استيراد أمريكا لهذه البضاعة ينبع عن نقص لديها أم أنها تريد أن تخفّف عن حليفتها عبء الفائض. ما أعلنته مديرة مركز الأمن القومي في كلية فوردهام للقانون، كارين غرينبرغ، عن قيام خبراء «إسرائيليين» بتدريس وسائل التعذيب للمحققين الأمريكيين، يقدّم مؤشّراً إضافياً لطبيعة العلاقة بين الشريكين الأكبر والأصغر في إدارة أكاديمية «تأبّط شراً» على مستوى العالم. تعترف غرينبرغ بأن «الإسرائيليين» لمسوا بعد هجمات 11 سبتمبر على برجي التجارة العالمي والبنتاغون، حاجة الأمريكيين لبضاعة التعذيب، لأن «زبائنهم» من الإرهابيين المفترضين من الكثرة بحيث لا يستطيع المحققون الأمريكيون التعامل معهم من دون الخبرة «الإسرائيلية» في ممارسة شتى وسائل التعذيب.

لم تشرح غرينبرغ ولم تقدّم تفاصيل عن طرق التدريب التي حصل عليها تلاميذ التعذيب الأمريكيون، ونحن نعلم أن تخصصاً من هذا النوع لا يمكن أن يقتصر على الدروس النظرية، ولا بد من حصص تطبيقية. وإذا كان طلبة الطب يحتاجون في تطبيقاتهم إلى المشرحة والجثث، فإن تلاميذ التعذيب يحتاجون إلى تطبيق على أناس معتقلين أو يتم اعتقالهم لهذه الغاية، وليس هناك سوى الفلسطينيين من تنطبق عليهم معايير التدريب ما داموا «زبائن» دائمين لبضاعة التعذيب «الإسرائيلية».

أكاديمية «إسرائيل» لفنون التنكيل والتعذيب خرّجت، كما تعترف غرينبرغ، أفواجاً من التلاميذ الذين حملوا معهم، بعدما أنهوا فترة التدريب بتفوّق، عصارة التجربة «الإسرائيلية» وذهبوا بها إلى العراق وأفغانستان، وعرف العالم بعد ذلك النتائج «الباهرة» لهذا التدريب في المعتقلات الأمريكية، وكانت النتائج الأكثر إبهاراً في معتقلي أبو غريب في العراق و«غوانتانامو» في الجزيرة الكوبية المستأجرة من أمريكا.

غرينبرغ كانت شفافة وصريحة في استعراضها معادلة العرض والطلب والجدوى، فالمسؤولون في إدارة الرئيس السابق جورج بوش ومن مستويات رفيعة للغاية كانوا متحمّسين تماماً لهذا التوجه الذي من شأنه القضاء على ميل بعض المحققين الأمريكيين إلى اتباع طرق قانونية في الاستجواب. وبما أن «الإسرائيليين» أبلغوا حلفاءهم بأن «الطرق القانونية» في الاستجواب ضرب من السذاجة، كان اقتناع أغبى إدارة أمريكية في التاريخ بالحاجة إلى التخصص «الإسرائيلي»، سريعاً.

يمكن للمدرّب «الإسرائيلي» أن يعد منهاجاً حافلاً بالدروس والتطبيقات من أجساد الفلسطينيين. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، سأل محقق «إسرائيلي» معتقلاً فلسطينياً اسمه إبراهيم الراعي : هل تعرف كيف نتدرّب على التحقيق؟ وبعدما أجابه الراعي بأن هذا لا يعنيه، أجاب المحقق سؤاله بالقول : يوضع المحقق في غرفة مغلقة وأمامه طاولة، وبعد فترة يعود إليه المدرّب فإن وجد الكرسي يتكلّم يتم قبول التلميذ كمحقّق. الراعي الذي أخبرهم أن الجبل يمكن أن يتكلّم أما هو فلا، استشهد بعد تسعة شهور من التعذيب.

من الرائع أن يخرج في المجتمع الأمريكي من يفضح زيف الديمقراطية الغربية، وتقول إن هذا النوع من القمامة ينتشر في النظام القانوني العسكري في أمريكا، وأنه وجد من يدافع عنه في الإدارة.

«إسرائيل» قوة احتلال واستيطان ومصنع تنكيل وتعذيب، وتسوّق نفسها كواحة ديمقراطية، وأمريكا تستورد التعذيب وتصدّره، تحتل وتعذّب وتدمّر وتنهب خيرات الشعوب باسم الديمقراطية. ومن الغريب ألا تمنح جائزة نوبل لمؤلف المثل القائل إن «الطيور على أشكالها تقع».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165814

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165814 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010