أخيراً الشعب الفلسطيني شعب مخترع.
من وجهة نظر أمريكية تماماً تم اختراع الفلسطيني في المريخ. كائن سماوي أو أثيري ليس له وجود على الأرض. ليس له تاريخ ولا ثقافة ولا فولكلور. شعب من السراب قابل للنقل في شاحنات أو على ظهور البواخر، وفي أحسن الأحوال يتم تخزين الفلسطيني في حاويات معدنية ضخمة ثم إزاحته عن الخريطة بسرعة أو بالتدريج. فلسطيني، من وجهة نظر الثقافة الأمريكية لا يستحق الحياة. مصيره التهجير والنفي والاقتلاع، ولا بأس إذا صببت عليه الفوسفور الأبيض وحولته، هذا الشعب الفائض عن الحاجة إلى هياكل عظمية بشرية تعشش في تجاويفها الطيور، فيصبح أعجوبة في أعين السائح الأمريكي الذي يلتقط له صوراً تذكارية في إجازته السنوية ويأخذها إلى أطفاله الذين يتفرجون على كائنات مخترعة في المريخ، وهبطت بالبراشوت، صدفة، على الأرض، «أرض البشر» هذه التي تسيجها ثقافة الكاوبوي بجلود الغزلان البرية والوعول والحمر الوحشية، أرض ممنوعة على الفلسطيني لأنه اختراع غير بشري، ولذلك، يتوجب إزالته وإزاحته من الذاكرة البشرية.
ليس أقل من هذا المنطق العنصري ما قاله وما يعنيه وما يضمره مرشح جمهوري أمريكي قال قبل أيام إن الشعب الفلسطيني يريد تدمير «إسرائيل»، ولذلك فهو مخترع، وهو أول توصيف عجيب وغريب من نوعه في هذا الزمن الأمريكي بعد سلسلة من التوصيفات والمصطلحات الراشحة منذ أكثر من ستين عاماً من القاموس الأمريكي الذي يتجدد كل عشر سنوات أكثر من مرة، وبحسب ثقافة نفعية انتهازية تركض وراء مصالحها، حتى لو كانت هذه المصالح تتطلب إبادة شعب بأكمله ورميه إلى النسيان.
لا ننظر إلى تصريح المرشح الأمريكي المملوء بالحقد والكراهية ضد الفلسطينيين إلا من زاوية ثقافية أولاً، لأن الثقافة هي المرجعية الأولى لأي منطق سياسي، وعندما تكون هذه الثقافة عنصرية تماماً بلحمها وعظمها، يصبح من السهل جداً على المنطق السياسي أن يكون أكثر من عنصري.
الفلسطيني نتاج التاريخ، واسمه راسخ في الكتب السماوية الثلاثة، وإن كان مخترعاً فهو مخترع من الإنسانية لأنه واحد من أبناء السماء، فهل يقرأ الأمريكي التاريخ والأديان جيداً، أم أنه يهذي ويستكبر ويقلب الحقائق؟
ثم، لينظر صاحبنا المرشح إلى تركيبة أمريكا السكانية والثقافية والعرقية خلال ثلاثمائة عام فقط، ليعرف كيف تم اختراع الشخصية الأمريكية وتوليفها في هذا الكيان ذي الثقافة الكارثية.
RLS
