الثلاثاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011

المصالحة بانتظار 26 كانون الثّاني وما بعده

الثلاثاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par هاني المصري

تتقاطر وفود الفصائل والشخصيات الفلسطينيّة على العاصمة المصرية منذ أيام عدة؛ من أجل التحضير للاجتماعات الفلسطينية القادمة : اجتماع «فتح» و«حماس» في 18/12، والفصائل في 20/12، ولجنة المنظمة في 22/12.

وعلى أهمية الاجتماعات التحضيرية التي تشهدها القاهرة إلا أن اختراقًا حقيقيًا في ملف المصالحة لن يتحقق، وإذا كان سيتحقق فعلًا فلن يتحقق قبل 26 كانون الثاني القادم، وهو الموعد الذي تنتهي فيه المهلة التي منحتها اللجنة الرباعية لفلسطين و«إسرائيل» ليقدما وجهة نظرهما إزاء قضيتي الحدود والأمن.

وفي حين أن الفلسطينيين قدموا وثيقة للمرة الثانية، بعد تقديمها لأول مرة عام 2008، تحمل وجهة نظر القيادة حول هذين الأمرين، فإن «إسرائيل» رفضت تقديم وجهة نظرها، بحجة أن لن تفعل ذلك إلا من خلال المفاوضات وبشكل سري ومن دون أن يكون لأي كان دور فاعل في المفاوضات. فـ «إسرائيل» حاليًا تريد، كما أرادت دومًا، مفاوضات ثنائية تستفرد فيها بالفلسطينيين دون تدخل جدي من أي طرف ثالث، حتى من الولايات المتحدة الأميركية المنحازة بشكل حاسم إلى «إسرائيل».

في هذا السياق، أشارت مصادر متعددة إلى أن الرئيس «أبا مازن» وعد الإدارة الأميركية وبقية أطراف اللجنة الرباعية بأنه لن يشكل حكومة وفاق وطني، ولن يمضي في خطوات أحادية جديدة في الأمم المتحدة ما لم تستنفد مبادرة اللجنة الرباعية مداها حتى النفس الأخير، وذلك حتى لا تستخدم أي خطوات فلسطينية مبررًا لتحميل الفلسطينيين، منفردين، أو مع «إسرائيل»، المسؤولية عن فشل المبادرة الجديدة لاستئناف المفاوضات، في حين تتحمل المسؤولية عن فشلها «إسرائيل» وحدها، مثلما تحملت المسؤولية عن فشل جميع المبادرات والجهود السابقة.

تأسيسًا على ما سبق، فإن الهدف الحقيقي من اجتماعات القاهرة المقبلة تقطيع الوقت، والتلويح بالمصالحة، وإبقاء قوة دفعها مستمرة؛ انتظارًا لما ستؤول إليه جهود اللجنة الرباعية الدولية، حتى لو وصل الأمر إلى تحديد موعد الانتخابات، وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات، ومحكمة الانتخابات، وغيرها من الخطوات الهامة، لكنها وحدها لا تنهي الانقسام.

وإذا مددنا هذا المنطق على استقامته، فإن موعد 26 كانون الثاني ليس نهاية المطاف الذي بدأ منذ أكثر من 18 عامًا - لأن المفترض من الفلسطينيين انتظار رد فعل أطراف اللجنة الرباعية على عدم تجاوب «إسرائيل» على مبادرتها، وهذا سيستغرق بعض الوقت الإضافي. وبالتالي يمكن تمديد الفترة إلى ما بعد 26 كانون الثاني، ويمكن وضع موعد جديد لتبريره، حتى اتخاذ الموقف المفترض اتخاذه منذ فترة طويلة.

وإذا حاولنا توقع : كيف ستؤول الأمور، سنجد أن اللجنة الرباعية لن تحمل «إسرائيل» المسؤولية، وتطلب من الفلسطينيين عدم الإقدام على أي خطوات من شأنها قطع الطريق على الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات، أو ستمضي اللجنة الرباعية أكثر من ذلك، وتأخذ بوجهة النظر الأميركية التي تشدد على ضرورة استئناف المفاوضات مهما كان الموقف «الإسرائيلي»، لأن البديل عن المفاوضات لدى إدارة أوباما أسوأ من استئنافها، وتتضمن أيضًا تحذير القيادة الفلسطينية من أن تشكيل حكومة وفاق وطني ستقضي على فرصة قيام دولة فلسطينية كما صرح بذلك جيفري فيلتمان، كبير مستشاري وزيرة الخارجية الأميركية، بعيد لقائه مع «أبي مازن»، مؤكدًا أنه أخبر عباس بهذا الموقف أثناء اللقاء الأخير الذي عقد بينهما.

الخيارات الثلاثة المتوفرة لدى الفلسطينيين هي :

[**الخيار الأول :*] الاستمرار في سياسة الانتظار لحين أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وإلى أن تتضح نتائج المتغيرات الجارية في المنطقة والعالم، وعلى أساس القناعة بأن الطرف الضعيف، مثل الطرف الفلسطيني، لا يستطيع أن يحقق شيئًا في زمن الزلازل والعواصف، ويمكن أن يكون «أبو زيد خاله» إذا حافظ على وجوده وما لديه من أوراق ومكتسبات، فهذا ليس وقت الإنجازات، وإنما الحفاظ على النفس وتقليل الخسائر.

[**الخيار الثاني :*] السعي إلى التوجه لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية من دون تشكيل حكومة وفاق وطني، وهذا يعني إدارة للانقسام والاقتسام، وهذا خيار قد يحتمل الموافقة على الفكرة الفلسطينية الآخذة بالتبلور، وهي تأجيل تشكيل الحكومة حتى اللحظات الأخيرة قبل موعد إجراء الانتخابات بثلاثة إلى أربعة أشهر، بحيث تكون مهمتها الرئيسية، وربما الوحيدة، إجراء الانتخابات، وليس توحيد المؤسسات، خصوصًا الأجهزة الأمنية، وفك الحصار، وإعمار قطاع غزة كما كان متفقا عليها في الورقة المصرية، على أمل أن تساعد هذه الفكرة على قبول أو تغاضي الإدارة الأميريكية و«إسرائيل» وأطراف اللجنة الرباعية عن تشكيلها.

ويزيد من فرصة قبولها أن برنامج الحكومة التوافقية سيكون قريبًا، وملتقيًا من ناحية الجوهر، مع برنامج منظمة التحرير، كما تدل على ذلك إشارات الاعتدال التي أطلقتها حركة «حماس»، خصوصًا خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي، في محاولة لتسهيل الاعتراف بها، وإكسابها الشرعية العربية والدولية، وفتح الباب لها للعب دورها في النظام السياسي الفلسطيني أسوة بالاعتراف الأميركي والأوروبي بالحركات السياسية الإسلامية في دول الربيع العربي.

إن الذي يمكن أن يهدد هذا الخيار هو أن «إسرائيل» لن توافق على إجراء الانتخابات الفلسطينية ما لم تكن جزءًا من عملية سياسية تستفيد منها، كما حدث في الانتخابات السابقة في عامي 1996 و2006، حين جاءت الأولى لإضفاء الشرعية على اتفاق أوسلو الذي أعطى «إسرائيل» مزايا هائلة، وجاءت الثانية لتمديد اتفاق أوسلو ومنحه شرعية جديدة، وكانت أيضًا محاولة لضم حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في إطاره، وضمن الشرعية الفلسطينية.

طبعًا، يمكن أن توافق «إسرائيل» على إجراء الانتخابات الفلسطينية إذا وافقت حركة «حماس» أو اقتربت كثيرًا من الموافقة على شروط الرباعية، أو إذا جاءت الانتخابات لتكريس الانقسام، لا أن تشكل خطوة نوعية على طريق إنهائه وتفعيل الدور الفلسطيني.

إن المؤشرات المتوفرة تدل على أن الخيار الأول، إبقاء الأمور على ما هي عليه جوهريًا مع إبقاء عملية المصالحة مستمرة للتلويح بها وإسكات الشعب الذي يتوق إليها، هو الخيار الأقوى دون استبعاد الخيار الثاني تمامًا، لأنه لا يقطع حبل الأوهام بإمكانية التوصل إلى تسوية متوازنة في القريب العاجل، ويلهي الفلسطينيين بانتخابات أخرى تحت الاحتلال تمدد الفترة الانتقالية إلى أربع سنوات جديدة.

[**الخيار الثالث :*] أن يدرك الفلسطينيون، ولو متأخرين، أن مرحلة اتفاق أوسلو والتزاماته قد انتهت، وأن مرحلة جديدة قد بدأت أو على وشك أن تبدأ، وعليهم الاستعداد لها من خلال: مراجعة التجارب السابقة، واستخلاص الدروس والعبر، خصوصًا لجهة: لماذا فشلت المفاوضات، ولماذا علقت المقاومة، ولماذا يضحي الفلسطينيون كثيرًا ولا يحققون شيئًا إلا القليل، وبما لا يتناسب مع حجم التضحيات والمعاناة؟

وأيضًا، من خلال بلورة استراتيجية جديدة تراهن على الشعب الفلسطيني أولًا، والشعوب العربية ثانيًا، وحركة التضامن الدولية مع القضية الفلسطينية ثالثًا، خصوصًا أن مرحلة ما بعد الربيع العربي ستكون حتمًا أفضل مما قبلها، مهما كانت حالة المد والجزر، لأن المواطن العربي خرج من القمقم ولا يمكن لأي قوة أن تعيده إليه، والمواطن العربي الحر أو الذي بدأ يشعر بطعم الحرية، ورأى أنه قادر على التغيير لن يكون إلا حرًا، وسيكون مع فلسطين لأنها رمز للحرية والعدالة والديموقراطية، وللنضال من أجل إزالة أخطر احتلال في التاريخ.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165976

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165976 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010