الثلاثاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011

غينغريتش أستاذ التاريخ

الثلاثاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par أمجد عرار

يوماً بعد يوم تزداد سهام عدوانيّة الإدارات الأمريكية سمّية في الجسد الفلسطيني والعربي، حتى بات المتسابقون للوصول إلى كرسي البيت الأبيض لا يجدون ما يعبّدون به طريقهم سوى تقبيل أيادي «الإسرائيليين» وأقدامهم على حساب الفلسطينيين وحقوقهم، وأخيراً وجودهم.

آخر هؤلاء المتسابقين نيوت غينغريتش المرشح الجمهوري الأوفر حظاً، حسب ما هو ظاهر، للفوز بترشيح حزبه لانتخابات الرئاسة الأمريكية في 2012، فالرجل اعتبر الفلسطينيين مجموعة من «الإرهابيين»، وهذا لا جديد فيه، ويقوله كثير من السياسيين الأمريكيين والأوروبيين الذين يتنفسون من الرئة الصهيونية ولحم أكتافهم من خيرها. أما الجديد - الصرعة الذي جاء به أستاذ التاريخ غينغريتش فهو اعتبار الشعب الفلسطيني «اختراعاً» باعتباره جزءاً من العالم العربي وينتمي تاريخياً إلى المجتمع العربي.

لا يتسع المجال للغوص في مسألة أي الشعوب مخترع وأيها أصيل، فهذا بحث طويل. لكن لكل بحث طويل زبدة، والزبدة هنا فكرة الشعب والأمة وما يترتب عليها من حقوق في مقدّمها حق تقرير المصير، وفي كل التعريفات التي تناولت هذه الفكرة لا تستطيع أية ديانة أن تكون رديفاً للشعب أو الأمة إلا مجازاً، ذلك أن الأمة بمعناها العرقي حصراً يمكن أن تضم ديانات متعددة، أما الديانات فلا تضم بل تتوزّع على أعراق وشعوب أو أمم. وإذا كان من اختراع يخالف هذا المسار التاريخي لتكوُّن الأمم والشعوب فهو اختراع «الشعب اليهودي»، وهذا ما يقر به مؤرّخون يهود موضوعيون. هناك يهود، أشخاص يحملون الديانة اليهودية، وهؤلاء يجب أن يمنحوا حقوقاً متساوية وفرصاً متكافئة في الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها، كما حدد كارل ماركس في «المسألة اليهودية»، وهو مفكّر ثوري من أب وأم يهوديين.

إذا كان غينغريتش يحاول أن يخترع ترادفاً بين وجود الشعب الفلسطيني ووجود دولته، فهذا شأن آخر، لأن غياب الدولة لا ينفي عن جماعة ما كونها شعباً، فهناك شعب كردي رغم عدم وجود دولة له، وهناك شعوب كثيرة تتشابه معه في ذلك. صحيح أن الشعب الفلسطيني جزء تاريخي وأصيل من الأمة العربية، لكن الصحيح أيضاً أن البقعة التي يعيش عليها هي أرض عربية واغتصبها الصهاينة، وحتى حسب موقف غينغريتش، يجب أن تعود هذه الأرض لأصحابها، سواء كانوا عرباً أم فلسطينيين كجزء من العرب.

لم يسأل غينغريتش نفسه، وهو يتحدث عن الفلسطينيين كـ «اختراع»، ماذا عن الأصول المتنوعة للأمريكيين؟ ولا بد أنه بوصفه دارساً للتاريخ، يعرف أن المهاجرين الإنجليز عندما أسسوا أول مستعمرة إنجليزية عام 1607 في جيمس تاون بولاية فرجينيا، لم تكن تتألف في البداية من سوى حصن وكنيسة ومخزن وصف من الألواح الخشبية، قبل أن يتوالى وصول المهاجرين الإنجليز وسواهم من المهاجرين الأوروبيين بسبب الضيق الاقتصادي والاستبداد السياسي والاضطهاد الديني، لكنهم أصبحوا شعباً أمريكياً وأصبحت لهم قيادات تتنكر لأصولها وتنكر على الآخرين حقوقهم لمصلحة قوى الظلم والاحتلال والعدوان.

غينغريتش يريد الوصول إلى الأبيض، وشخصياً أتمنى ذلك، لكي نتعامل مع دولة بلا ماكياج، ولكي يتجرّد المفتونون بأمريكا من القدرة على خداعنا، خاصة وقد تحوّل رموز كانوا ثوريين إلى منظّرين لسياساتها الإمبريالية، ونشهد فتاوى تتبعثر يميناً ويساراً لتقديم أوراق الاعتماد لها سعياً وراء ما كان ذات يوم «متاعاً زائلاً».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165945

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165945 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010