الخميس 3 حزيران (يونيو) 2010

مخيم نهر البارد.. الحياة المرّة في ظلال الموت

الخميس 3 حزيران (يونيو) 2010

مخيم نهر البارد.. الحياة المرّة تحت ظلال الموت

لا شيء في مخيم نهر البارد اسمه الحياة
كل شيء هنا يشبه الموت
الأرض مغلقة
السماء مغلقة
الحياة ممنوعة
الكرامة مسلوبة
الحريات منتهكة
فهنا لاجئون فلسطينيون لا تهمة لهم
لا جريمة ارتكبوها
لا خطيئة اقترفوها
ذنبهم أنهم فلسطينيون
الدخول ممنوع
الخروج ممنوع
«الرزق على الله» ممنوع
المؤسسات ممنوعة
المستوصفات ممنوعة
الجمعيات ممنوعة
هذا ليس عبثاً
إنه نموذج لحياة اللاجئين
الفلسطينيين في المستقبل
شيء وحيد مسموح
إنه الموت البطيء
الذي لا يثبت التهمة

التحيات المباركات عليك يا نهر البارد

رأفت مرة

تاريخ مخيم نهر البارد في شمالي لبنان مثل تاريخ فلسطين، أو مثل تاريخ الفلسطينيين.
قتلٌ وتدمير، نزوح وتهجير، تعذيب وتحقير.
لا شيء في نهر البارد يختلف عن 62 عاماً من تاريخ الشعب الفلسطيني. هذا الشعب الذي عرف تدمير 514 قرية على يد الاحتلال الصهيوني، وارتكاب 72 مجزرة بحقّه، وترحيل قرابة مليون من أبنائه عام 1948 إلى بلاد الله الواسعة.
وما بين ذلك من معاناة وتشريد وذل ونقص من الأموال والأنفس والثمرات.
تاريخ نهر البارد يشبه التاريخ الفلسطيني.
نهر البارد حلقة من سلسلة فلسطينية طويلة.
نهر البارد نموذج مصغّر عن حياة الفلسطينيين.
نهر البارد صفحة من صفحات كتابٍ كبير.
نهر البارد مثل شقيقاته ضبية، وتل الزعتر، وصبرا وشاتيلا، وجسر الباشا، والرشيدية، وبرج الشمالي، وعين الحلوة، والبداوي، والنبطية، والمية ومية، وبرج البراجنة، ومار إلياس، والبص، والجليل.

***
السبب واحد والعلة واحدة
نحن الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها
منذ مائة عام ندفع الثمن، نقبض على الجمر، نعضّ على الجرح
نحن الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها
مستهدفون بأرضنا، بوطننا، بمقدّساتنا
نحن الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها
«رضينا بالهمّ والهمّ ما رضي فينا»

***
نحن الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها
مطاردون، ملاحقون، مستهدفون
مطلوبون لكل دولة، ولكل نظام
أسماؤنا عُلّقت في الشوارع
صورنا نُشرت في وسائل الإعلام
ملامح وجوهنا يحفظها الجميع
أشكالنا معمّمة على كل أجهزة الأمن
وكل فروع المخابرات
بصمات أصابعنا موجودة في كافة المطارات والمرافئ ونقاط الحدود
خلايانا متشابهة
«جيناتنا» بارزة، DNA «تبعنا» موحّد
نبرة صوتنا تمسكها كل أجهزة الرصد وأدوات الالتقاط
بؤبؤ عيوننا، هو هو، واحد في كل العيون
السوداء والزرقاء والخضراء والبنية والعسلية
أجهزة الرصد مبرمجة لاكتشافنا
أجهزة الإنذار مهيأة لالتقاطنا
أجهزة التتبّع مخصّصة لملاحقتنا

***
فئة دمنا واحدة
بحّة صوتنا واحدة
ملمس جلدنا واحد
هل نحن لدينا جلود أساساً، وهل هذه الطبقة الرقيقة التي تغلّف أجسادنا هي جلود؟!
لا نعرف ما هي
هي جلود فعلاً.. لكنها لا تشبه الجلود
هي رقيقة فعلاً.. لكنها تحمّلت شدة العالم
هي ضعيفة فعلاً.. لكنها حمت أجسادنا من كل المؤامرات والضغوطات والصفقات
جلود لا تشبه الجلود
ليس فيها من الجلد إلا اسمه
سلخوها وعادت
حرقوها ونمت
مزّقوها وتجمّعت
لا شيء في العالم لديه القدرة على التحمّل مثل جلود الفلسطينيين
والله لو كان جلداً لعرفناه
والله لو كان جلداً لاكتشفناه
جلدنا تحمّل اللدغ والحرق والكي
جلدنا تحمّل «البخش» والنبش و«البحش»
جلدنا تحمّل الصلب
جلدنا تحمّل التقطيع والتبشيع والترويع
جلدنا أسرع مخلوقات الله في النمو
جلدنا أسرع مخلوقات الله في التكاثر
إذا ضربونا هنا قمنا هناك
إذا أبادونا هنا حيينا هناك
إذا دفنونا هنا بُعثنا هناك

***
جرّبوا معنا كل أنواع الإلغاء
دربنا يشبه درب الأنبياء
خطانا تشبه خطى الصدّيقين
قدّيسون وما نحن بقدّيسين
هل هذا الأمر مصادفة؟!
أصدفة أن توصف فلسطين بأنها أرض الأنبياء والصحابة
أصدفة أن يصلي الأنبياء خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القدس
أصدفة أن معظم أنبياء الله لهم في فلسطين موقع ورمز وزاوية

***
نهر البارد..
أنت سرّ أبيك
من شابه أباه ما ظلم
أنت ابن أمك
هي حملتك وهي ولدتك وهي أرضعتك
تشبهها أنت تشبهها
في تنفّسها
في تبسّمها
في زفراتها
مثلك مثل أخيك
كأسنان المشط
ستموت حين يموت أخوك
ستعود حين يعود أخوك

***
نهر البارد
كل الطرق إليك مسدودة
كل الدروب إليك مقطوعة
لا يوم كيومك
موعدك يوم القيامة يا نهر البارد
أيها المقتول
أيها المظلوم
أيها الشهيد
أيها المحاصر
موعدك يوم القيامة
يوم تأتي كل نفس بما تسعى
يوم يُعرض الكذابون والمنافقون
والمتواطئون والمجرمون
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين
يريدونك مذنباً ومجرماً
وأنت بريء
من لم يسمع هنا.. سيسمع هناك
وجئنا بهم لفيفا

***
التحيات المباركات عليك يا نهر البارد

مخيم نهر البارد «النموذج» السيّئ الذي يُعمل على تعميمه تعامل أمني وحظر سياسي وخنق اقتصادي

جوّ الانتقام السائد ضدّ مخيم نهر البارد يذكّر بقصة الاقتصادي البريطاني المعروف جون كينز حين حضر مؤتمر فرساي بعد الحرب العالمية الأولى، فرفض العقوبات المالية على ألمانيا، كونها ستحوّل ألمانيا إلى ضحية، وستقود إلى عواقب وخيمة، وإذلال لألمانيا ستقودها في النهاية إلى الثأر المخيف، وهو ما حصل فعلاً. فمن هو الذي يريد أن ينال ثأراً من الفلسطينيين في نهر البارد على جريمة لم يرتكبوها، بل كانوا ضحاياها، ومن هذا الذي يريد أن يدفع الضحية نحو ردّات أفعال غير محسوبة، ليثبت نظريته حول «التطرّف الفلسطيني»؟ هل هو السياسي الذي لا همّ له سوى تسجيل أعداد أوراق الاقتراع، ولو بحبر من دمّ؟ أم هي يد خفية تحضّر لمشاريع تهجير، وخاصة أن المضايقات على الفلسطينيين في لبنان تضاعفت في الأشهر الأخيرة؟ أسئلة فرضها واقع مخيم نهر البارد الأمني والاقتصادي، والذي لا يمكن وصفه بأقل من المأساة.

الأمن يطارد الأمان؟

حين بدأت عودة بعض نازحي مخيم نهر البارد إلى ما يُسمّى بالمخيم الجديد، شرع الجيش اللبناني بإجراءات أمنية مشدّدة على الحواجز، منها الانتظار لساعات عند الحاجز الأمني، وجوب الحصول على تصريح قبل الدخول. وبعد المراجعات وُعد الفلسطينيون بأن هذه الإجراءات هي إجراءات مؤقتة (مع أن المؤقت في حياة الفلسطينيين يثير الذعر، فكل مؤقت هو دائم، والمخيم دليل). وبالفعل فإن الإجراءات كانت مؤقتة، إذ استُبدلت بإجراءات لا تقلّ قسوة. فبقيت الحواجز الأمنية عند أبواب المخيم الخمسة. وجرى ما يُشبه التشريع للتصاريح الأمنية من خلال تقسيمها إلى عدة أنواع :

1- تصريح بزيارة لمدة ساعات: هذا التصريح يتطلّب الحصول عليه عدة ساعات، بعد التحرّي عن الزائر، أو الضيف. ونتيجة لذلك، فإن معظم من يودّ زيارة مخيم نهر البارد يعتكف عن الزيارة نتيجة الخشية من هكذا إجراء.

2- تصريح بزيارة ليومين أو أكثر: يتم الحصول عليه من خلال إعطاء صورة عن بطاقة الهوية للجهات الأمنية المختصة، وبعدها بثلاثة أيام يمكن الحصول على التصريح.

3- تصريح سكن: وهو تصريح يُعطى بعد التحقق من مكان الإقامة في المخيم، وهو خاص ببعض سكان مخيم نهر البارد الذين سُمح لهم بالعودة إلى المخيم الجديد.

4- تصريح عمل: هو تصريح خاص بمن يعمل في المخيم القديم (إزالة الردم)، حتى لو كان من سكان المخيم الجديد. ويتطلّب الحصول على هذا التصريح، الخضوع للتحقيق أولاً، والتقاط عدة صور من ثلاث جهات للراغب في العمل. وهذا التصريح تمتد صلاحيته لشهر واحد فقط. وعند التجديد يخضع العامل للإجراءات نفسها، لذا يُفضّل العاطلون عن العمل البطالة على العمل في المخيم القديم.

التعاطي مع مخيم نهر البارد ينحصر بالواقع الأمني، دون أية اعتبارات لحاجات الناس، فيُمنع، حسب التخطيط التوجيهي، بناء شرفات في الطابق الأول والثاني بذريعة المخاوف الأمنية. وتتوسّع الطرقات لتصل إلى أربعين بالمائة من مساحة المخيم، لدواعٍ أمنية، وحتى يُسمح للآليات بالمرور بين أبنية المخيم براحة تامة. أما الحريات السياسية فتكاد تصبح أثراً بعد عين. فالفصائل الفلسطينية لا يُسمح لها بإقامة مقرات سياسية معلنة، بل تحت يافطات أخرى (ربما تُمنع هي الأخرى). وإذا كانت القوى السياسية ممنوعة من التحرّك بحرية، فكيف ينالها بقية الفلسطينيين في المخيم؟!

استدعاءات

الاستدعاءات الأمنية لا تتوقف، خطيب مسجد استُدعي للتحقيق لأنه انتقد الظلم الواقع على الفلسطينيين في المخيم، وخطيب آخر استُدعي لأنه انتقد نظام التصاريح، وغيرها من الاستدعاءات الأمنية لأسباب أقلّ من ذلك. ربما يكون ما يحصل بعضاً من (فضائل) «الشرطة المجتمعية»، التي باشرت السلطات الأمنية في لبنان تطبيقها في المخيم، وهو «النموذج» الذي وعدت الأجهزة الأمنية بتعميمه على بقية المخيمات!

في شهر أيلول/سبتمبر من العام الماضي، جرى لقاء برئاسة رئيس الحكومة اللبنانية السابق فؤاد السنيورة وحضره قادة الأجهزة الأمنية، من جيش وأمن داخلي. وتم الاتفاق «على الشروع في نقل بعض الصلاحيات والإجراءات الميدانية من الجيش اللبناني إلى قوى الأمن الداخلي، وتفعيل حضورها في البقعة المحيطة بالمخيم، واتخاذ إجراءات تحيي الحركة الاقتصادية في المخيم، لجهة تسهيل حركة إدخال البضائع، بما يسهّل حياة اللاجئين الفلسطينيين اليومية، ويمتّن العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، على أن يبدأ تنفيذ هذه الإجراءات مباشرة». وانتقال الصلاحية إلى قوى الأمن الداخلي، يعني، ولو من الناحية المعنوية، أن المخيم ومحيطه لم يعد منطقة عسكرية، إلاّ أن هذه الإجراءات لم يُنفّذ شيء منها. والمفارقة أن السلطة السياسية تقول إن هذه الإجراءات هي إجراءات إدارية واحترازية تقرّرها الأجهزة الأمنية، بينما تقول الأخيرة إن القرار سياسي، وبعهدة الإدارة السياسية.

الغريب أن تُفرض هذه الإجراءات ضد أهالي مخيم نهر البارد، وهم الذين لم ينخرط أي منهم في جماعة «فتح الإسلام»، بل انحازوا إلى الاستقرار الأمني في لبنان، حين قبلوا بمغادرة المخيم. أما القرى اللبنانية التي انتمى بعض من أفرادها إلى «فتح الإسلام»، فلا تشهد أية إجراءات أمنية، ولا حواجز مستجدة على أبوابها. كل ذلك يدفع إلى الاعتقاد أن ما جرى في مخيم نهر البارد يتم استغلاله لتنفيذ مشاريع أخرى، حتى اليوم لم تظهر أبعادها الكاملة، لكن يجب التنبه إليها، «فسوء الظن من حسن الفطن»، كما يثبت التاريخ الفلسطيني.

وإذا كان ما يجري مجرّد انتقام، فإن من يتحمّل ذلك السلطة في لبنان، بأبعادها المختلفة، وبتركيبتها المتنوعة. ولتتذكر السلطة أنه لا عدالة مع الانتقام، ولا استقرار مع الاضطهاد، هكذا يقول تاريخ لبنان. ويروي التاريخ أن الإمبراطورية الرومانية كانت تمنع جيشها النظامي العائد منتصراً من المعركة دخول روما. كان الجيش يعسكر قرب نهر يفصل روما عما بعدها، ويأتي أحد المشرعين الرومان (سيناتور) في عربة تجرها الجياد ليصطحب قائد الجيش للقاء القيصر كي يقّلده وسام النصر. وفي الطريق لملاقاة القيصر، كان السيناتور يردد على مسامع قائد الجيش المنتصر العبارة التالية: تذكّر أنك ما انتصرت إلا لأن روما شرّعت لك القوانين. فأين هي القوانين التي تحكم العلاقة بين أهالي مخيم نهر البارد والأجهزة الأمنية اللبنانية؟! وكما يقال «إن الطغيان يبدأ عندما تنتهي سلطة القانون».

بطالة ومخاوف

كان مخيم نهر البارد، قبيل نكبته، مركزاً اقتصادياً فاعلاً في شمال لبنان، وذلك لأهمية موقعه، ونشاط أهله، وعدم تعرّضهم لأية حروب أو اعتداءات من محيطهم. كل هذا جعل في مخيم نهر البارد 1500 مؤسسة تجارية، وعشرات محلات الذهب، والسيراميك، والموبيليا، وتجارة الملابس وغيرها. وجاءت الحرب، فلم تبق مؤسسة واحدة. ولم يجرِ التعويض المادي للمؤسسات. وضاعف من المأساة الإجراءات الأمنية المذكورة، فلم يعد اللبناني يدخل إلى المخيم خوفاً من هذه الإجراءات، وتعرّضه للمساءلة على الحواجز. ويُذكر أن 75 بالمائة من التجارة في المخيم كانت تعتمد على المتسوّق اللبناني.

فاقم من أزمة أهالي مخيم نهر البارد إصدار وزير الداخلية زياد بارود تعميماً يطلب فيه من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي «متابعة موضوع فتح وإنشاء مراكز ومكاتب غير مرخّصة لمؤسسات إنسانية واجتماعية في مخيم نهر البارد، والطلب من مسؤولي هذه المؤسسات والجمعيات وجوب الحصول على تراخيص قانونية لها تحت طائلة اتخاذ التدابير القانونية». مع العلم أن الفلسطيني لا يحق له الحصول على ترخيص بإقامة مؤسسة إنسانية أو اجتماعية. وهناك تخوّف فلسطيني من أن تشمل الإجراءات الفلسطينيين أصحاب المهن الحرة، الذين يعملون في المخيم. كل ما سلف رفع نسبة البطالة من 10 بالمائة إلى 72 بالمائة بين أبناء المخيم. من بينهم 35 صياداً فلسطينياً لم يسمح لهم بتجديد تصاريح العمل، والأسباب مجهولة!

فؤاد موسى، كان يملك مصنعاً لصنع الأحذية، يعمل لديه عشرات العمال، احترق المصنع أثناء المعارك، ففتح محلاً للأحذية، لم تزد قيمة مبيعاته خلال ثلاثة أشهر عن 400 دولار. فقرّر إغلاق المحل. أبو حسان، فلسطيني لاجئ نازح آخر، كان يملك بناية في المخيم، ومصنعاً للأثاث. اليوم يسكن غرفة من الصفيح في مخيم البداوي، القريب من نهر البارد. عائلته تسكن نصف الغرفة، والنصف الآخر فيه ما يشبه الأثاث للبيع! إنها مغارة كما يسميها. أما ثمن الإيجار فهو 200 دولار، مع العلم أن الأنروا تدفع 150 دولاراً بدل إيجار، وهي أعلنت أنها ستوقف الدفع.

عبد الرحمن سعيد شما، هو واحد من بين 1700 عائلة من نازحي نهر البارد تسكن مخيم البداوي. يتّكئ على عكاز، بعد أن تجاوز الخامسة والسبعين عاماً. يحكي بقوّة وصلابة عن سجنه في عكا لثلاث سنوات، وعن علاجه حتى اليوم من آثار التعذيب، عن الرصاص في جسده في تل الزعتر، وكيف انتُزع دون مسكّن. لكن صوت الحاج عبد الرحمن يخفت حين يتحدّث عن تشتّت أبنائه الثمانية بعد معارك نهر البارد، بعد أن كان يملك سبع شقق سكنية، وصيدليتين يقصدهما أهالي المخيم والجوار. ثم يختصر الحكاية بصوت لامسه التعب «لقد ضعفنا، لو في الجسم حيل (قوة) ما تجرأ النخر عليه».

الإعمار في مخيم نهر البارد.. حكاية إبريق الزيت منذ ثلاث سنوات تمّ بناء 30 مبنى فقط من أصل 1900

محمد عبد الرحمن

بعد مرور ثلاث سنوات على تدمير مخيم نهر البارد، يتبيّن شيئاً فشيئاً أن تداعيات هذا التدمير ما هي إلاّ صفحة من صفحات كتاب معاناة اللاجئين الفلسطينين في لبنان. فآثار الحرب المدمّرة لا تزال تطال حتى الآن جوانب الحياة كافة لدى اللاجئين الفلسطينيين في المخيم، وخصوصاً فيما يتعلّق بقضية السكن والإعمار.

حقيقة الإعمار

إنّ المشكلة الحقيقية في قضية الإعمار ليس لها علاقة، في المقام الأول، بالموارد المالية المخصصة له، بل في سياسة الإعمار والآلية التي تنتهجها الدولة اللبنانية والأونروا. ففي تاريخ 9/3/2009، أي بعد حوالى السنتين من تدمير مخيم نهر البارد، وُضع حجر الأساس لإعادة إعمار المخيم، وهذا ما استبشر به الجميع على أنه الخطوة الأولى في سبيل تحقيق مشروع الإعمار. إلا أن عملية الإعمار توقفت لمدة شهرين بسبب اكتشاف بعض الآثار في المخيم القديم قيل إنها تعود لمدينة أثرية تسمى «أرتوزيا». لتنطلق من جديد في 26/10/2009 بعدما بُلغت الأونروا ولجنة المتابعة العليا الفلسطينية لملف المخيم من الحكومة اللبنانية قرار استئناف الإعمار، بعدما رفض القضاء اللبناني الدعوى المقامة من تيار ميشال عون لمنع الإعمار ولنقلِ المخيم إلى مكان آخر.

ولكن، إذ بنا نصطدم بواقع مرير يكشف لنا أن العمل، حتى الآن، لم يبدأ إلا في30 مبنى من أصل 1900 مبنى دمّروا، وليتبيّن أيضاً أنه لم تبنَ سوى أسقف الطابق الأول من هذه المباني.

ولنتوقف هنا عند عملية حسابية بسيطة!

فمنذ سنة تقريباً حتى يومنا هذا لم يبدأ العمل سوى في أقل من 2% من المباني المدمرة، وهذا يعني أن أهالي مخيم نهر البارد بحاجة إلى الانتظار خمسين عاماً إضافياً لحين استكمال إعمار مخيمهم. طبعاً، هذا في حال استمرّ العمل على الوتيرة نفس وبالبطء نفسه في التنفيذ. ولكن كيف هذا والأونروا تقول إن عملية إعادة الإعمار من المقرر أن تنتهي في منتصف عام 2012؟!

لنفترض أنه حصلت معجزة وتمت عملية الإعمار بسرعة خيالية، فإننا سنواجه مشكلة أخرى كبيرة تتعلق بالمواصفات التي تريد الدولة اللبنانية تطبيقها في كيفية الإعمار.

مواصفات تزيد المعاناة

إن المواصفات التي تسعى الدولة اللبنانية إلى تطبيقها لناحية حجم الطرقات، وحجم الشقق السكنية، ومواصفات المباني، تشكّل عائقاً مهماً أمام سكان مخيم نهر البارد. فمخيم نهر البارد يعتبر من أكبر المخيمات في لبنان من حيث عدد السكان، وهو معروف بأنه مجتمع قروي أسري، تغلب على أهله العادات الاجتماعية الريفية، ومعظم عائلاته تعمل في الزراعة. ويلاحظ في هذه المواصفات عدم مراعاتها لهذا المجتمع. فقبل المعركة، كان يسكن في كل حيّ من المخيم أبناء القرية نفسها التي هُجروا منها إثر نكبة 1948، أما بعد الإعمار، سيتم توزيع الشقق حسب حجم العائلة وليس حسب القرابة أو البعد الاجتماعي. أضف إلى ذلك منع أي شخص من تملك بيتين في المخيم، وعليه أن يختار بينهما، مما يعني خسارة نصف الأملاك.

صحيح أن مساحة الطرقات في المخيم ستزيد، وهو أمر إيجابيّ، ولكن أن يتم ذلك على حساب الأبنية وتقليص حجم الشقق السكنية، فهنا المشكلة. فمن المقرر اقتطاع 30% إلى 50% من مساحة كل منزل لزيادة مساحة الطرقات من 17% إلى 40% في المخيم. كما وأن الحد الأقصى للشقق المنوي بناؤها يبلغ 100 متر مربع، وهي لا تعطى إلا للعائلات الكبيرة الحجم، أي التي تتكون من أكثر من سبعة أفراد، مع العلم أن متوسط عدد أفراد الأسرة في مخيم نهر البارد يبلغ خمسة أشخاص. علاوة على ذلك، فإن عرض مداخل البنايات والسلالم يبلغ 85 سم كحد أقصى، وهذا ما يجعل نقل الأثاث إلى المنزل عملية مستحيلة خصوصاً إذا علمنا أن هذه السلالم صُمّمت بشكل لولبيّ. وكأن اللاجئ الفلسطيني في لبنان يواجه حتمية العيش الذليل سواء كان عنده منزل أم أنه يسكن في «كاراج» أو «كونتينر» كحال المئات من الفلسطينيين الذي عادوا إلى مخيم نهر البارد، ويقدّر عددهم بعشرين ألف نسمة، أي أن أكثر من نصف سكان المخيم لا يزالون نازحين عن ديارهم. كل ذلك على مرأى من الحكومة اللبنانية التي تظهر عدم مبالاتها بمصلحة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في كثير من الأحيان.

هدر ملحوظ

إذا عرّجنا قليلاً إلى موضوع المبالغ المخصصة للإعمار، نرى أن الأونروا حددت مبلغ 455 مليون دولار أمريكي كميزانية إعمار المخيم وجواره، في حين أن الدول المانحة لم تتعهد إلا بمبلغ لا يتجاوز 122 مليون دولار أمريكي، وهذا يتضمن بالطبع أعمال الإغاثة وتعويض أصحاب الأملاك المتضررة.

لكن المُقلق في الموضوع أن هذه المبالغ المخصصة للإعمار ذهب جزء كبير منها للبيئة الأمنية التي تحضّر لها الدولة اللبنانية من مبان لقوى الأمن، وتكاليف تدريبها، والمشروع الأمني الكبير الذي تخطط له الدولة اللبنانية بمساعدة الإدارة الأمريكية. وجزء آخر ذهب لتحسين ظروف العيش في المناطق المحيطة. بالإضافة إلى المبالغ التي استفادت منها الأونروا لإعمار مجمّعاتها، التي كان من المفترض أن يتم إعمارها من ميزانية الأونروا، فضلاً عن منظمات أهلية ستخصَّص لها مبانٍ مؤهلة وأموال تعويضية أخرى.

هذه الحقائق المذكورة، سواء التي لها علاقة بآلية الإعمار أو بالميزانية المخصصة له، توضح لنا الأسباب الحقيقية وراء التأخير في عملية الإعمار. فتارة ترمي الأونروا المسؤولية على المتعهدين، وطوراً تتعذر بقلة الميزانية الموجودة.

أما الدولة اللبنانية، فهي مشتركة أيضاً في تأخير عملية الإعمار، وذلك من خلال الإجراءات التي فرضتها على أي عامل يرغب بالدخول إلى المخيم القديم. فيتم التحقيق مع العامل الراغب بالدخول إلى المخيم، وتصويره، وتسجيل اسمه عند مخابرات الجيش، وإعطائه تصريح عمل لمدة لا تزيد عن شهر، وإذا أراد تجديده عليه أن يعيد الإجراءات نفسها. وهذا بالطبع يشكل هاجساً لدى أي عامل قبل دخوله للعمل في مخيم نهر البارد.

وبسبب عدم دفع مستحقات وأجور العمال، يُضرِب عمال بشركة جهاد العرب التي تتولّى تنفيذ مشروع الإعمار عن العمل. ويقول العمّال إن الشركة لا تدفع مستحقاتهم، بينما تقول الشركة إن الأونروا لا تدفع الموازنات في وقتها، والكل متّهمٌ والكل مسؤول.

مؤامرة واضحة

منذ اللحظة الأولى لتدمير مخيم نهر البارد، شعر سكان المخيم أن ما حدث يمثل جزءاً من مؤامرة تحاك ضدّهم. ومع مرور ثلاث سنوات، تأكد الجميع أن ما يحدث فعلاً هو مؤامرة وباتوا يسمون رحيلهم عن مخيمهم بـ«النكبة الثانية». كل ذلك أتى نتيجة للوضع المأساوي الذي يعيشه الكثير منهم، سواء من بقي منهم نازحاً في مخيم البداوي أو جوار مخيم نهر البارد، أو الذين عادوا للسكن في مخيمهم الأصلي ولكن داخل كراجات أو “براكسات” وفي مناطق مغايرة عن التي كانوا يعيشون فيها قبل المعركة.

إنّ هذه العوامل، أثّرت في طريقة تفكير أهالي المخيم، فأصبحت نظرتهم إلى مستقبلهم سلبية ومخيفة، ولكن ذلك يأتي نتيجة واقع يعيشونه كل يوم وفي كل لحظة. هذا الواقع الذي يتمثل في السكن في أماكن لا تليق بإنسانية البشر. حتى الذين يعيشون داخل منازل يستأجرونها هنا أو هناك، أصبح من الصعب عليهم تأمين مبلغ الإيجار المطلوب بعدما خفّضت الأونروا المساعدة الشهرية إلى 150$ بدلاً عن 200$، مع العلم أن إيجارات المنازل ارتفعت بنسبة عالية ليبلغ أقلها 250$.

عندما يواجه سكان مخيم نهر البارد هكذا واقع، كيف لهم أن يحلموا بمستقبلٍ «نموذجي» كما تزعم الدولة اللبنانية؟

قادة الفصائل الفلسطينية في لبنان : لإعادة الأمور في نهر البارد إلى ما كانت عليه قبل 2007

تمرّ الذكرى الثالثة على أحداث مخيم نهر البارد، وما زال النازحون والعائدون يعانون على صعد كافة منها: التأخر في إعادة الإعمار، الإجراءات الأمنية المشددة، الوضع الاقتصادية والاجتماعي البائس، كل ذلك خلق حالة نفسية سيئة لدى سكان المخيم. مجلة «فلسطين المسلمة» التقت عدداً من قادة الفصائل الفلسطينية في لبنان، الذين دعوا إلى إنهاء الحالة العسكرية في المخيم وحوله، والإسراع في عملية إعادة الإعمار.

مروان عبد العال / مسؤول اللجنة الفلسطينية العليا لإعادة إعمار نهر البارد: استعادة الحياة الطبيعية والمدنية

حسناً فعلت لجنة المتابعة الفلسطينية العليا التي تشكلت كفريق عمل فلسطيني يحمل قضية المخيم، ومتوحداً على قضية بلسمة جراح مخيم البارد، وفي تحديد روافع ثلاث على طريق قرع الجرس في هذه المناسبة :

مستوى سياسي :

رفع الصوت في كل مكان، يوم الذكرى، في المخيم وسائر المخيمات، كي تكون مناسبة لإحياء الذكرى والفكرة والدرس، تطرح رؤيتنا وتسمع صوتنا لكل المعنيين، بناء وتعويض وحياة كريمة، ورفع صوت أبناء المخيم ببقاء حالة التصاريح سائدة، وتعطيل الحياة الاقتصادية.

مستوى شعبي :

عبر الشروع الفوري والجدي لتشكيل مجلس شعبي فلسطيني، تنبثق عنه لجنة شعبية فلسطينية فاعلة، تستمد قوتها التمثيلية وروحها وكفاءتها من نبض المخيم، وعبر مشاركة مختلف القطاعات المهنية والاجتماعية والوطنية، تسهم في بناء المجتمع الفلسطيني واستعادة نسيجه الممزق، وتقوم بوظيفتها الإنمائية والخدماتية على كافة الصعد.

المستوى الفني :

التأكيد على ضرورة استعادة الهيئة الأهلية بوصفها الأداة الفنية والمهنية والاستشارية الصرف، في إطار علاقتها مع الجهات الثلاث، الفلسطينية والحكومة اللبنانية والأنروا.

إن الأمر يتطلب مسؤولية عالية ومعالجة سريعة لكل الخلافات داخلها، وصولاً إلى هيئة إدارية فنية جديدة، تضع بعين الاعتبار المصلحة العامة فوق أي مصلحة أخرى.

إنها روافع مطلوبة لمرحلة جديدة تحمل على عاتقها تحقيق توجهاتنا القادمة، والتي قدمت كنقاط للجهات المعنية وهي:

1- التمويل، لاستمرار الإغاثة واستكمال الإعمار، والتسريع فيه ما أمكن، والتعويضات عن خسائر الممتلكات والتجار.

2- حل القضايا القانونية المتعلقة، بالبناء المهدم، والدعوة لإعادة إعمار وترميم مباني المخيم الجديد، كما كانت ووفق وعد الحكومة السابقة.

3- اللجوء إلى محاكمة عادلة للموقوفين من أبناء المخيم وتبرئة البريء أو إدانة المذنب.

4- استعادة الحياة الطبيعية والمدنية والاقتصادية للمخيم، برفع الحالة العسكرية، بحكم أن الأسباب التي استدعت ذلك قد انتهت.

5- اعتبار أن إعادة إعمار البارد وترسيخه كنموذج في العلاقات اللبنانية الفلسطينية هي عملية سياسية تتطلب مدخلاً سياسياً في تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية.

علي بركة / المسؤول السياسي لحماس في لبنان: تضافر الجهود لإعادة إعمار المخيم

مضى ثلاث سنوات على أحداث مخيم نهر البارد المؤسفة، حيث دُُمّر المخيم بكامله، ونزح سكانه منه، وما زال المخيم مدمراً ومعزولاً عن العالم الخارجي، لا يستطيع أحد الدخول إليه إلا بعد الحصول على إذن عسكري (تصريح) صادر عن الجيش اللبناني.

إن مأساة مخيم نهر البارد تشكل نكبة ثانية لسكانه اللاجئين الفلسطينيين الذين باتوا يحيون نكبتين كل عام، نكبة فلسطين عام 1948 ونكبة المخيم عام 2007.

وكان رئيس الحكومة اللبنانية السابق فؤاد السنيورة قد طالب بإخراج السكان من المخيم تسهيلاً لمهمة الجيش وهذا ما حصل، وقال جملته الشهيرة «الخروج مؤقت، والإعمار مؤكد، والعودة حتمية»، وحتى الآن لم تف الحكومة اللبنانية بهذا الوعد، فطال النزوح من المخيم، والإعمار لم ينجز حتى الآن، والعودة مؤجلة حتى تتم عملية إعادة الإعمار، وقد تتحقق العودة إلى فلسطين قبل العودة إلى المخيم!

من هنا فإننا نسأل الحكومة اللبنانية أين الوفاء بالالتزامات السابقة؟ أليس الحكم تواصلاً؟ لماذا تأخرت عملية إعمار المخيم؟ هل سيبقى المخيم في مكانه أم سيحل مكانه مؤسسات أخرى لبنانية وأجنبية كما يشاع؟

لماذا ما زال المخيم مغلقاً ويخضع للحكم العسكري المباشر؟

ونسأل وكالة الأنروا لماذا التقاعس عن إنهاء أزمة مخيم نهر البارد؟

لماذا لا تتحرك إدارة الأنروا لدى المجتمع الدولي والدول المانحة لتأمين المال اللازم للإعمار؟

لماذا لا تعلن الأنروا مخيم نهر البارد مخيماً منكوباً؟ علماً أن الدول المانحة قد ساهمت بمبلغ 145 مليون دولار حتى الآن وكان آخرها 15 مليون دولار من الكويت، وبالتالي فإن المبلغ المتبقي لإكمال الإعمار هو 195 مليون دولار فقط!

ألا تستطيع دول الخليج العربية أن تدفع هذا المبلغ بكل سهولة؟ خاصة في ظل ارتفاع أسعار النفط!

إن المطلوب اليوم تضافر الجهود لإعادة إعمار المخيم باعتباره رمزاً سياسياً لقضية اللاجئين ومحطة على طريق العودة إلى فلسطين. والمطلوب إنهاء الحالة العسكرية حول وداخل المخيم، وعودة الأوضاع المعيشية إلى ما كانت عليه قبل 20 أيار/مايو 2007.

علي فيصل / عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين: لينعم المخيم ببيئة آمنة وليست أمنية

ثلاث سنوات مضت على نكبة مخيم نهر البارد، واثنان وستون عاماً على النكبة الفلسطينية الكبرى، اختلطت فيها المعاناة والألم ومرارة النكبة والشتات لأبناء شعبنا الفلسطيني اللاجئ في مخيمات لبنان.

اليوم نقول، أما آن لهذا الجرح النازف أن ينتهي؟ وتنتهي معه معاناة النزوح والتشرّد، ويعود مخيم نهر البارد كما كان؟ حيث لا يجوز أن يبقى آلاف الفلسطينيين من أبناء البارد يعيشون في منطقة عسكرية مغلقة ومعزولة عن محيطها الفلسطيني واللبناني، وما يسبّبه ذلك من تقطيع لأوصال العائلات الفلسطينية، وضرب النسيج الاجتماعي لأبناء المخيم بما يُحدث شرخاً في العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين الفلسطيني واللبناني اللذين تربطهما علاقات نسب متبادل، وعلاقات نضالية كبيرة تعمّدت بالدم وبالتضحيات المشتركة في مواجهة العدو الإسرائيلي الغاشم.

ولأجل ذلك نحن ننادي بضرورة الإسراع في إعمار المخيم، وتذليل كافة العراقيل التي تعرقل سير عملية إعادة الإعمار، وهذه مسؤولية تتحمّلها جهات عدة، بدءاً بوكالة الأنروا والدولة اللبنانية والدول المانحة، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية.

كما أن الأونروا مطالبة بالعمل على إدامة واستمرار خطة الطوارئ الإغاثية الشاملة، حتى إعادة إعمار المخيم بجزأيه القديم والجديد على كافة الصعد الاستشفائية، الإغاثية، الإسكانية بما فيها تأمين بدل الإيجار للنازحين، وزيادة القيمة المالية، وكذلك التربوية التي تشمل الشروع في إعادة بناء المدارس ومجمّع الأونروا، وتأمين الأقساط الجامعية كاملة لأبناء المخيم، ووضع حدّ لهدر الأموال ومراقبة المشاريع منعاً للسمسرة والتلاعب في المواصفات.

أما بالنسبة لمسؤولية الحكومة والدولة اللبنانية فنقول يجب أن يخرج موضوع إعمار البارد من السجال السياسي في لبنان، لأن الحفاظ على المخيم وإعادة إعماره يشكل مصلحة فلسطينية لبنانية مشتركة، ومن الضرورة أن ينعم المخيم ببيئة آمنة وليس أمنية، وعلاقة أخوية قوية مع لبنان، بما يضمن خصوصية المخيم والحركة الوطنية الفلسطينية، حتى لا نعود إلى ما قبل العام 1969، لأن القهر الاجتماعي يولّد انفجارات اجتماعية تؤذي الوجود الفلسطيني في لبنان، وتُضعف نضاله من أجل حقّ العودة.

محمد ياسين / عضو القيادة المركزية لجبهة التحرير الفلسطينية : المطلوب التزام من الحكومة اللبنانية بوعودها

لقد كان لأهلنا في مخيم نهر البارد موقف منذ البداية على أنهم جزء من استمرار وأمن هذا البلد، وقد وضعوا أنفسهم بتصرّف القرار السياسي اللبناني والفلسطيني، وتركوا المخيم تسهيلاً لمهمة الجيش اللبناني بالقضاء على المجموعات التي تسلّلت إلى المخيم بهدف الفتنة، وكان الأمل أن يُقدّر هذا الموقف، ويُعامل أهلنا بما يليق بالبشر، ويسهّل عودتهم إلى المخيم، بعد أن يعاد إعماره للعيش فيه حياة كريمة، ويستعيد دورة الحياة الطبيعية على المستويات كافة، الاجتماعية والاقتصادية والنضالية، وبما يسمح بالحفاظ على العلاقات الجيدة مع الجوار اللبناني، والاستمرار بالتمسك بالموقف الوطني الفلسطيني الثابت على حق الشعب بالعودة إلى فلسطين، ورفض كل أشكال التوطين والتهجير.

إن السنوات الثلاث الأخيرة هي نقطة سوداء لا بدّ من محوها من ذاكرة شعبنا، وهذا يتطلّب قراراً سياسياً واضحاً من الحكومة اللبنانية، والتزاماً بما قطعته على نفسها أثناء المعارك. وكذلك مطلوب من الحكومة اللبنانية اتخاذ قرار برفع الحصار عن المخيم، وإنها الحالة الأمنية حول المخيم، وإلغاء التصاريح، والسماح للجميع بالدخول والخروج من المخيم بشكل طبيعي. وكذلك نطالب فخامة رئيس الجمهورية والحكومة اللبنانية بالكشف عن حقيقة من هي الجهة المسؤولة عن جريمة نهر البارد.

في الذكرى الثالثة لنكبة نهر البارد نطالب وكالة الأنروا بتحمل مسؤولياتها بكل جدية، وبالإسراع بتوفير الأموال اللازمة لإعمار المخيم، وكذلك تحمّلها مسؤولية التباطؤ بعملية الإعمار، وكذلك نطالبها أن تعمل على تحسين الخدمات الصحية والاجتماعية لكل أهلنا في مخيم نهر البارد.

وكذلك نطالب جميع الفصائل الفلسطينية بتحمّل المسؤولية بتوحيد كل الجهد لإنجاز مهمة إعمار المخيم والعودة الكريمة لأهلنا، وهذا يتطلّب تعزيز الهيئات المشتركة، وصولاً لإنجاز لجنة شعبية فاعلة تكون الجهة المسؤولة عن نواحي الحياة في المخيم، ويكون الإعمار في المخيم تحت إشرافها.

إن مأساة نهر البارد امتحان للبنانيين والفلسطينيين، وإعمار المخيم، والعودة إليه، والحياة الكريمة لشعبنا مقدّمة فعلية للعودة إلى فلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2180902

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2180902 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40