الأربعاء 21 كانون الأول (ديسمبر) 2011

«الربيع العربي» والغرب : الاستعماريون يستعيدون تجارب الماضي!

الأربعاء 21 كانون الأول (ديسمبر) 2011

لم يتحرر «الشرق الأوسط» يوماً من الاستعمار بشكل كامل. هذا هو الشعور الحقيقي الذي يرافق مراقبتنا هذا الجزء، المستعمر سابقاً، من العالم، أكثر من أي جزء آخر. نائمٌ فوق الجزء الأكبر من احتياط النفط في الكون، لم يسلم العالم العربي يوماً من التدخلات الخارجية المتواصلة مذ أصبح «مستقلاً».

نُحت العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى على شكل دول اصطناعية، قبل أن تقصفها وتحتلها كل من «إسرائيل» وأميركا وبريطانيا وفرنسا، وتحاصرها قواعد أميركية من جهة وأنظمة استبدادية مدعومة من الغرب من جهة أخرى. توصيفٌ عبّرت عنه المدوّنة الفلسطينية لينا الشريف عبر «تويتر» قائلة : «سبب عدم انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى الآن هو اننا في «الشرق الأوسط» لا نزال نعيش عواقبها»...

ركزت الانتفاضات العربية التي بدأت من تونس قبل عام على الثورة ضد الفقر والفساد وانعدام الحرية، بدلاً من الهيمنة الغربية أو الاحتلال «الإسرائيلي». لكن إطاحة هذه الثورات بدكتاتوريات مدعومة غربياً، تشكل في الحقيقة تهديداً مباشراً للنظام الاستراتيجي.. فمنذ سقوط حسني مبارك في مصر، سعت القوى الغربية، وحلفاؤها الخليجيون، بلا هوادة الى سحق الثورات العربية، خصوصاً أنها تملك الخبرة الكافية في هذا المحيط : كل مراكز الاحتجاج، من مصر إلى اليمن، عاشت عقوداً طويلة تحت الهيمنة الامبريالية. فدول حلف شمال الأطلسي الرئيسية التي شاركت في قصف ليبيا على سبيل المثال (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، ايطاليا) كانت لجميعها قوات احتلال في هذا البلد... وداخل الذاكرة الحية.

إذا أراد الثوار العرب الإمساك بمستقبلهم، فسيحتاجون الى إبقاء أعينهم على الماضي القريب... وهنا سبعة دروس من تاريخ التدخل الغربي في «الشرق الأوسط» عنوانها الحقبة الاستعمارية (بحسب أرشيف «باثي» الفرنسي)، تبقى مفيدة للتذكر :

[**1ـ لم يوقف الغرب يوماً مساعي السيطرة على «الشرق الأوسط» :*]

لنعد لآخر مرة حاولت فيها الدول العربية الخروج من الفلك او المدار الغربي خلال خمسينيات القرن الماضي بتأثير من عروبة الزعيم المصري جمال عبد الناصر. ففي تموز 1958، أطاح ضباط قوميون راديكاليون في الجيش العراقي بنظام فاسد وقمعي مدعوم من الغرب (هل يبدو مألوفاً؟)، حصّنته القوات البريطانية. حوّلت الإطاحة بالحكم العراقي الملكي البلد الغني بالنفط «نقطة الخطر الرقم واحد» وفقاً لتحذير «باثي» في اول تقرير عن الأحداث. فعلى الرغم من «وطنية» الملك فيصل، التي «لا يمكن لأحد أن يشكك فيها»، انقلبت الأحداث بسرعة كبيرة «لصالح السياسة الغربية لسوء الحظ». لكن في غضون أيام قليلة - مقارنة مع الأشهر التي استغرقت التدخل في ليبيا هذا العام - نقلت بريطانيا والولايات المتحدة آلاف الجنود إلى الأردن ولبنان لحماية نظامين حليفين آخرين من الثورة الناصرية، أو بالأحرى، «لوقف التدهور في الشرق الأوسط».. وبعد اقل من 5 أعوام، ساندت الاستخبارات الأميركية والبريطانية في شباط 1963 الانقلاب الدموي الذي أتى بالبعث ممثلاً بالرئيس الراحل صدام حسين الى السلطة. وفي العام 2003، عادت أميركا وبريطانيا لغزو العراق بكامله، ليعود الأخير بدوره بلداً محكوماً بالسيطرة الغربية، بكلفة الدم والدمار. أدت قوة المقاومة العراقية في نهاية المطاف الى الانسحاب الأميركي كما جرى هذا الأسبوع، لكن ما يلي هذه الخطوة، هو بقاء متعاقدين أمنيين ومدربين تحت قيادة الولايات المتحدة يبلغ عددهم 16 ألف عنصر.. في العراق كما في سائر أنحاء المنطقة، لا يرحل الأميركيون إلا إذا اُجبروا...

[**2ـ تعتمد القوى الامبريالية على إيهام نفسها بما قد يفكر فيه العرب*]

ظن المحتلون الاستعماريون حقاً أن «الآلاف من العرب» أمطروا بالثناء على الديكتاتور الفاشي موسوليني بينما كان يتجول في شوارع طرابلس في ليبيا، المستعمرة الايطالية، في العام 1937... قتل ثلث الشعب الليبي في ظل الاحتلال الايطالي، وهم فعلياً عناصر المقاومة الليبية النبيلة بقيادة عمر المختار، عندما شُنقوا في احد المخيمات الايطالية...

يروي تقرير لـ «باثي» عن زيارة ملكة بريطانيا للاستعمار في عدن (وهي اليوم جزءاً من اليمن) بعد سنوات قليلة. الحادثتان على قدر كبير من التشابه. يومها هتف «آلاف الرعايا المخلصين» بشعارات الترحيب بـ «ملكتهم الخاصة» التي وصفت الوضع آنذاك بكل سرور بأنه «مثال رائع للتنمية الاستعمارية». بعد 10 أعوام، دفعت التيارات التحريرية في جنوب اليمن القوات البريطانية إلى الانسحاب بعدما عانوا من التعذيب والضرب والقتل في أحياء عدن.

.. كذلك، توقع المحافظون الجدد علناً أن يكون الغزو الأميركي للعراق مجرد نزهة، وهذا ما عملت التغطية البريطانية والأميركية على إظهاره، ببث صور لعراقيين يرمون الجنود الأجانب بالورود فيما كانت قوات المقاومة المسلحة بجهوزيتها الكاملة. هكذا كانت التقارير التلفزيونية في المملكة المتحدة إبان غزو أفغانستان التي قالت أن القوات البريطانية ذهبت «لحماية السكان المحليين» من حركة طالبان ..

حتى خلال انتفاضات هذا العام في مصر وليبيا، بثت وسائل الإعلام الغربية غالباً ما كانت تريد رؤيته في حشود ميدان التحرير أو بنغازي، قبل ان يقولوا متفاجئين أن الإسلاميين في نهاية المطاف هم من يفوزون في الانتخابات...

[**3ـ لطالما اعتمدت القوى الكبرى تخويف الأنظمة «العميلة» لضمان تدفق النفط*]

عندما يتعلق الأمر بالاستبداد في الخليج، يلحظ أنها أنظمة غير مزعجة كثيراً. لكن قبل الموجة المعادية للامبريالية في الخمسينيات، عمل البريطانيون والفرنسيون والأميركيون بجهد على إلباس الأنظمة «الأضحوكة» صفة المتطلعة إلى الديموقراطية الدستورية. لكن هذا الجهد جاء في بعض الأحيان فاشلاً، خصوصاً في ليبيا حيث كان «اول اختبار رئيسي للديموقراطية» في عهد الملك إدريس، الدمية الأميركية - البريطانية..

أثار التزوير الوقح في انتخابات 1952 ضد المعارضة الإسلامية شغباً واسعاً، مُنعت على إثره كل الأحزاب السياسية من مواصلة مسارها. أطاح القذافي بإدريس وأغلقت كل من قنوات النفط المؤممة وقاعدة «ويلوس» الأميركية.. أما اليوم، فعاد علم الملك ليرفرف مرة أخرى في طرابلس بمساعدة حلف شمال الأطلسي، في حين تنتظر شركات النفط الغربية لحظة جمع الأرباح.

في العراق أيضاً، وقف في العام 1952 كل من السفيرين الأميركي والبريطاني، و«سيّد غيبسون»، ممثل شركة النفط البريطانية - العراقية، يستمعون لرئيس الوزراء العراقي نوري سعيد يقول أثناء افتتاح حقل نفط «الزبير» قرب البصرة، أن ذلك يهدف لفتح المدارس والمستشفيات بتعاون غربي - شرقي... بعد نصف قرن على تلك اللحظة، عاد البريطانيون للسيطرة على البصرة أيضاً، فيما يكافح العراقيون اليوم لمنع الاستيلاء الغربي على نفطهم، في وقت يصر السياسيون الأميركيون والبريطانيون على «دمقرطة» العراق.

[**4ـ شعوب «الشرق الأوسط» لم ينسوا تاريخهم*]

عندما نبّه الصحافي المخضرم محمد حسنين هيكل، وزير الإعلام في عهد عبد الناصر، من «سايكس - بيكو» جديد يُصاغ للمنطقة، مع اندلاع الربيع العربي، فهم العرب وسواهم في «الشرق الأوسط» ما يعنيه بذلك. هو الاتفاق الذي رسم شكل المنطقة برمّتها وعلاقتها مع الغرب منذ ذلك الحين. أما لغير المتخصصين في بريطانيا وفرنسا، فقد يكون «سايكس - بيكو» علامة تجارية غامضة.

حدث الأمر ذاته في إيران بعد حوالى قرن على التدخل الأميركي - البريطاني. فهل يمكن قراءة العداء الإيراني للبريطانيين، عندما هوجمت السفارة في طهران، بمعزل عن السجل التاريخي بين البلدين؟ في العام 1953، ساهم الدور البريطاني في الانقلاب على الزعيم الإيراني، المنتخب ديموقراطياً، محمد مصدّق، بعد تأميمه النفط الإيراني، الأمر الذي مهّد لوصول الشاه الذي استقبل باعتباره زعيماً شعبياً، إلا انه كان «دكتاتوراً خفياً» مدعوماً من الغرب، دفع الإيرانيين باتجاه ثورة إسلامية ضده. لذا، عندما ينتقد السياسيون الغربيون نظام إيران الاستبدادي منادين من جهة بالحرية وحقوق الإنسان ومتعاونين من جهة أخرى مع الأنظمة الخليجية، لا يأخذهم الكثير من العرب على محمل الجد.

[**5ـ لطالما قدّم الغرب العرب على أنهم متعصّبون*]

لم تكن ثورة سيدي بو زيد الأولى ضد النظام المستبد في تونس. ففي الخمسينيات، قُمع التحرك ضد الاستعمار الفرنسي من قبل الأنظمة المستعمرة وأنصارها باعتبار الناشطين «متطرفين» و«إرهابيين»... ساهمت القومية العربية منذ ذلك الحين في قمع الإسلاميين وتياراتهم، الذين بدورهم طردوا تحت اسم «المتعصبين»، سواء من قبل الغرب او من قبل بعض القوميين السابقين. وفيما تجلب الانتخابات التشريعية الأحزاب الإسلامية، الواحد تلو الآخر، الى السلطة في العالم العربي اليوم، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها ترويضهم على صعيد السياسة الخارجية والاقتصادية بدلاً من الغوص في تفسير الشريعة... هؤلاء الذين يستلمون الحكم سيصبحون «المعتدلين» ليبقى الآخرون «متعصبين».

[**6ـ نتيجة التدخل العسكري الأجنبي في «الشرق الأوسط» : الموت، الدمار، الانقسام والسلطة*]

تجربة العقود الماضية واضحة بما يكفي. إن كان احتلالا على غرار ما حدث في العراق حيث سقط آلاف القتلى، او غزوا عسكرياً جوياً على الشاكلة الليبية تحت عنوان «حماية المدنيين»، فالأمر سيان : تكلفة كارثية على الصعيدين الإنساني والاجتماعي. من غزو القوات الفرنسية الاستعمارية لدمشق في العام 1925 إلى غزو القوات البريطانية والفرنسية لبور سعيد في مصر في العام 1956 وصولاً الى احدث الغزوات في المنطقة، يظهر أن المسألة أضحت سمة عادية من سمات العالم المعاصر في ارتباط سلس بالحقبة الاستعمارية. أما الثابت في التكتيك الامبريالي الكلاسيكي فهو استخدام الانقسامات الاثنية لتعزيز الاحتلال الخارجي وهذا ما جرى بشكل واضح مع الأميركيين في العراق، مع الفرنسيين في سوريا ولبنان، ومع البريطانيين أينما ذهبوا..

والآن، وقد تحققت التعبئة الطائفية الدينية والانقسامات العرقية بفضل الاحتلال الأميركي - البريطاني للعراق، ها هي الدول الخليجية تحرّك هذه التعبئة، لتفادي التحدي المتمثل بالربيع العربي : سحق انتفاضة البحرين، عزل الاحتجاجات الشيعية في السعودية، الصراع الطائفي المتزايد في سوريا (حيث لا يمكن للتدخل الأجنبي إلا وأن يزيد من عمليات القتل فيها).

[**7ـ رعاية الغرب للاحتلال في فلسطين تمنع علاقات طبيعية مع العالم العربي*]

لم تكن «إسرائيل» لتولد من دون دور بريطاني امبريالي دام 30 عاماً في فلسطين ورعاية بريطانية لاستعمار أوروبي - يهودي تحت شعار تطبيق إعلان بلفور 1917. فلسطين مستقلة بأكثرية عربية، لما كانت لتقبل بذلك. هذا الواقع دفع باتجاه ثورة عربية ضد الانتداب البريطاني في الثلاثينيات يوم كان الجنود البريطانيون يحاصرون الفلسطينيين «الإرهابيين» في الضفة الغربية (نابلس وطولكرم)، تماماً كما يفعل الخلفاء «الإسرائيليون» اليوم.

لطالما قدمت بريطانيا الاستعمارية نفسها، في فلسطين كما في أماكن أخرى، بأنها «الراعية للقانون والنظام» و«سيدة الموقف» ضد «خطر التمرد» كما جاء في نشرة إخبارية «وهمية» في العام 1938 في القدس. لكن الارتباط بين القوى الغربية الامبريالية والمشروع الصهيوني تطوّر بشكل استراتيجي بعد تأسيس «إسرائيل» وذلك من خلال طرد الفلسطينيين على مدى حروب متواصلة و44 عاماً من الاحتلال العسكري واستيطان غير شرعي للضفة وقطاع غزة.

طبيعة هذا التحالف غير المشروط، الذي لا يزال محور السياسة الأميركية في «الشرق الأوسط»، هو أحد الأسباب التي تجعل الحكومات العربية المنتخبة ديموقراطياً اليوم، ترفض السير في الركب الأميركي مثل الدكتاتور المصري حسني مبارك او ملوك الخليج. القضية الفلسطينية جزء من الثقافة السياسية العربية والإسلامية، ويبدو أن أميركا، تماماً كبريطانيا من قبلها، ستضطر للكفاح من أجل الحفاظ على موقع «سيدة الموقف» في «الشرق الأوسط».

- [**نقلاً عن «الغارديان» البريطانية.*]


titre documents joints

The ’Arab spring’ and the west: seven lessons from history | Seumas Milne | Comment is free | guardian.co.uk

19 كانون الأول (ديسمبر) 2011
info document : HTML
311.8 كيلوبايت


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2178346

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178346 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40