الجمعة 23 كانون الأول (ديسمبر) 2011

دخان حول القدس

الجمعة 23 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par أمجد عرار

دعونا نسبح مجدداً ضد التيار الذي يحاول جاهداً وبشتى الوسائل والطرق الخبيثة، إبعادنا عن مذبحة حقيقية تقطّع شرايين مدينة القدس وتاريخها وهويتها وعروبتها المهدّدة بالتصفية، والسقوط مع الساقطين من سقف عروبتهم إلى أحضان عبرية. تيار كان في ما مضى يحاول حرفنا جانباً عن أنبل قضية عربية وإسلامية وإنسانية، وها هو ينتقل لمحاولة حملنا وراء في الاتجاه المعاكس. أعضاء عرب في «الكنسيت» الصهيوني ومقدسيون وخبراء مؤسسات يطرقون بقبضات أيديهم على جدران الخزان، ويصرخون في وجه الصهاينة «لا تحسبوا أننا ننسى ما تفعلونه في القدس، حتى لو تواطأ معكم العالم كله». يصلنا من صوتهم مصاب بالبحة لشدّة الصراخ، بأن ما يجري في القدس من مجازر تهويد، وتطهير سكاني، ومخططات استيطان في جعبة بلدية الاحتلال ومنظمات الإرهاب والتدنيس والاستيطان وحرق المساجد، كارثة حقيقية تسحق الوجود العربي في المدينة المنسية عن سبق إصرار وترصّد، حتى من أولئك الذين تاجروا طويلاً بالقضية، وعندما حانت لحظة الاستحقاق المصلحي انتقلوا على حين غرّة للغزل بالتسوية، وأمريكا و«كامب ديفيد» و«السياح» الصهاينة الراغبين في زيارة مصر الثائرة كـ «ضيوف».

«إسرائيل» تعلن الحرب على مدينة المدن وتمعن فيها ذبحاً وسلخاً وتفريغاً وإحلالاً وتهديداً لهويتها الحضارية والدينية، وفق مخطط مدروس زادت وتيرة تنفيذه بتواطؤ إعلامي مقصود ومبيّت. ليس صدفة أن هذا الإعلام يحرف شعاع الضوء بعيداً عن القدس، وطوفان الاستيطان الجاري وذروته مخططات لبناء 61 ألف وحدة استيطانية في الضفة الغربية، منها 52 ألفاً في القدس. لم يجد صراخ أهل القدس للأمتين، بأن كل ما هو موجود اليوم من مبانٍ عربية في القدس لا يتجاوز 60 ألف مسكن ربعها مهدد بالهدم، أي أن الاحتلال سيبني ما يوازي عدد جميع المباني العربية لتضاف إلى ما تم بناؤه سابقاً في المدينة.

القدس الآن يا عرب ويا مسلمين يجري استبدال قدس أخرى بها، القدس التي حررها صلاح الدين وتعلمتم معنى قدسيتها في مدارسكم يجري نسفها من الأساس إلى الرأس. القدس التي من المفروض أن تقدّسوا فيها حجّتكم، محاطة بالجدار والحواجز وسحب الدخان السام، القدس التي تشير إليها بوصلة الأنقياء الأوفياء الأتقياء من فقراء الأمة وبسطائها، يجري نقلها إلى أمكنة أخرى لتبتعد إلى الأبد عن الأفئدة والعقول وكل طاولة ومنبر ومحفل.

هذا الجنون الهستيري المترافق مع جريمة صمت لا تغتفر، لم تعد تكفي معه بيانات رفع العتب الاستنكاري والشجبي. القدس يا عرب ويا مسلمين ثمن قدسيتها الإجبارية لا الاختيارية أكبر كثيراً من ثرثراتكم الأرضية والفضائية، وأوراقكم الصفراء وحبركم المحمض في مطابع العبث.

إنه جرس الإنذار الوطني والقومي والديني في وجه كل مهمّشي قضية القدس بقصد أو بغير قصد، إن أولى القبلتين وثالث الحرمين ومهد السيّد المسيح مهدّدة بالاضمحلال والاندثار، وإن المسجد الأقصى على وجه الخصوص بات معلّقاً في الهواء بانتظار لحظة انهياره أو إسقاطه، وإن تاريخاً جديداً مزيّفاً تجري كتابته في القدس وتحتها وفي محيطها، بمداد من دماء العرب وسلاح ملقّم بقابليتهم على التقاتل الداخلي والانشغال في الهوامش والتوافه، واستعدادهم الأكثر استجابة وسرعة للتشرذم والانسياق لدسائس الفتنة.

كلمة أخيرة للقدس .. لا تقلقي فلن تكوني لقمة سائغة في أفواه الغزاة .. لن تسقطي من قلوب القابضين على قضيتكِ كالقابض على الجمر، ستبقى عيون الملايين ترحل إليكِ ولن يحجبها هذا الدخان الأسود.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165784

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165784 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010