الثلاثاء 27 كانون الأول (ديسمبر) 2011

بدل عمل إضافي

الثلاثاء 27 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par أمجد عرار

منذ أنشئ الكيان الصهيوني وحتى اليوم، لم يقدّم ما يكذّب حقيقة أن إنشاءه كان تعبئة لوظيفة شاغرة بحث عنها المشغّل الاستعماري ممثلاً ببريطانيا في ذلك الوقت. فالمنطقة التي تتوسّط العالم وبما تحويه من عوامل جغرافية واقتصادية يسيل لها لعاب الاستعمار، تحتاج لموظّف يحمي المصالح ويوفّر عنصر التفجير الدائم لأي توجّه توحيدي لأمة العرب، ويكون من خارج مكونات المنطقة، حتى يكون مضموناً على الدوام، من حيث استقرار المصلحة المتبادلة، واحتياج الموظف الجديد لدعم الإمبريالية، وخلو محتواه من أي احتمال انقلابي تعج بمثله دول المنطقة.

لم يكن في الأمر في جوهره تلبية لضرورة دينية يهودية، فمعظم مؤسسي الكيان إما علمانيون أو ملحدون، أما الأحزاب الدينية ورموزها فقد ظهرت بعد إنشاء الكيان بعقود.

وعلى ذلك فالموظّف الجديد قام بعمله على أكمل وجه، فقد حمى حالة التقسيم العربية وحوّلها إلى مزمنة، ساعدته في ذلك وظيفة «المؤسسة» العربية كموظّف تقسيمي يقطع الطريق على الوحدة العربية، ويشكّل الجسر لتمرير المشروعات الاستعمارية بعد توفير الإخراج الملائم لها. ولذلك تناسبت العلاقة طردياً بين تثبيت وجود الكيان وتوسّعه من جهة، وتواصل الانحدار العربي على كل الصعد بما فيها الوعي والثقافة، وهما أخطر ما يمكن من خلاله اختراق أية أمة.

نجح المشغّل البريطاني في تثبيت الموظّف الجديد، وكان مخلصاً لوعده البلفوري في إنشاء الكيان وتسليحه وتوقيفه على قدميه قبل أن يتحوّل إلى «دولة» معترف بها في الأمم المتحدة. وبعد الحرب العالمية نشأ مشغّل جديد اسمه الولايات المتحدة التي كانت حاجتها أكبر، كدولة عظمى ناشئة، للموظف «الإسرائيلي» الذي أخلص لمشغّله الجديد، وتحوّل إلى كادر قيادي في منظومة من الموظّفين الإقليميين بعد اندماجه بهم تطبيعياً.

باسم السلام والحلول السلمية، زادت أوتاد الكيان تعمقاً في الأرض الفلسطينية والعربية، وأصبح إضافة للأرض يحتل عقول كثير من السياسيين والمثقّفين، ومَنْ يخجل منهم من الدفاع عن الكيان مباشرة، يروّج لرعاته الأمريكيين والغربيين بكل ما يبيعونه من أفكار حداثية وديمقراطية وحقوقية وإنترنتّية.

منذ سنوات نشأت الحاجة الماسّة لما سمي «الشرق الأوسط الجديد»، كتخريجة تعيد بناء الحالة الاستعمارية في سياق مشروع عولمة النهب الاستعماري، وكان لا بد من زيادة العبء على الكيان المشغول كثيراً بالإجهاز على ما تبقى من روح فلسطين بعد التهام كل جسدها. لكن الموظّف الذي كبر أصبح يتدلّل ولا يتورّع عن إشهار «لا» كبيرة في وجه مشغّله حتى داخل البيت الأبيض.

قبل بضعة أسابيع تحدّثت تقارير عن تناقضات بين إدارة أوباما وحكومة بنيامين نتنياهو، وغالباً ما تكون تقارير كهذه تسريبات وراءها فريق التسوية والتطبيع، لكن الإدارة الأمريكية أعلنت للتو عن مبلغ إضافي بقيمة 235 مليون دولار للموظّف «الإسرائيلي»، وذلك نظير عمله الإضافي في إنجاز مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وهو مشروع لا يكفي لإنجازه العمل بوتيرته العادية، ويحتاج إلى «بارت تايم». لا يستطيع الكيان أن يقطّع نفسه في الاستيطان وتهويد القدس والتدرّب على الحرب القادمة والعبث بشمال إفريقيا عن طريق جنوبها، وإرسال الطائرات لقصف السودان، وتدريب العصابات في القوقاز، ومد الأصابع في كردستان العراق، وإرسال الجواسيس وأجهزة التنصت، و«المساعدات الغذائية» لمناطق في لبنان، كل ذلك إلى جانب خدمات مباشرة للأمريكيين وبعض حلفائهم. المنطق يقول في هذه الحالة إن الموظف بحاجة إلى بدل عمل إضافي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165371

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165371 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010