الثلاثاء 27 كانون الأول (ديسمبر) 2011

تعاون قديم ومرحلة جديدة

الثلاثاء 27 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par عوني صادق

قام رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، الأسبوع الماضي، بزيارته الأولى إلى «تل أبيب»، والتي وصفتها وسائل الإعلام «الإسرائيلية» بـ «التاريخية»، على رأس وفد كبير ضم وزراء الخارجية والدفاع والأمن القومي، إضافة إلى رئيس غرفة الصناعة والتجارة، والتقى فيها كلاً من رئيس الدولة شيمون بيريز، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزيري الدفاع والخارجية، إيهود باراك وأفيغدور ليبرمان، واستقبلت بالترحيب الشديد والوعود السخية.

جاءت الزيارة، استحقاقاً واجب الأداء، تعبيراً عن الامتنان تجاه الكيان الصهيوني لـ «المساعدات» الجليلة التي قدمها على طريق إخراج «دولة جنوب السودان» إلى الوجود. وقد أعرب ميارديت عن سعادته بـ «الوصول إلى أرض الميعاد»، وأشار إلى «الدعم «الإسرائيلي» الدائم لشعب جنوب السودان»، معترفاً بأنه «لولاكم لما كانت دولتنا الآن موجودة»، مؤكداً أنه «يعتبر «إسرائيل» نموذجاً يحتذى ومثالاً للنجاح»، ومشدداً على «العمل مستقبلاً من أجل تعزيز وتعميق العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين». يذكر أن الكيان الصهيوني كان أول من اعترف بالدولة الجديدة في يوليو/تموز الماضي، وبعده بأقل من شهر زار وفد «إسرائيلي» جوبا برئاسة نائب رئيس «الكنيست»، داني دانون، حيث وعد بتقديم المساعدات اللازمة لتمكين الدولة الوليدة من بناء اقتصادها «لتكون صديقاً حقيقياً لها في بناء الديمقراطية في إفريقيا»، ووجه الدعوة لميارديت لزيارة الكيان.

خلال الزيارة، وبعد لقاء ميارديت مع بنيامين نتنياهو، أصدر مكتب الأخير بياناً أعلن فيه أن وفداً «إسرائيلياً» سيزور جوبا قريباً للبحث في سبل تقديم المساعدة المطلوبة. لقد ركزت التصريحات التي صدرت عن الجانبين على أن «المساعدات» التي سيقدمها الكيان الصهيوني لجنوب السودان ستكون في مجالات الزراعة والصحة والتقنية، والبنى التحتية. وعن قصد، لم تذكر التصريحات شيئاً عن المساعدات العسكرية، التي لابد كانت ضمن المحادثات، مع أن الوفد الذي رافق ميارديت كان يضم وزيري الدفاع والأمن القومي، فضلاً عن أن الدور العسكري والأمني الذي لعبه الكيان في دعم «الجبهة الشعبية لتحرير السودان» معروف، وهو أكبر من أن تتجاهله أو تغطي عليه التصريحات الموجهة . وتذكيراً بالدور «الإسرائيلي» في ميلاد دولة الجنوب، أشار بيريز، عند استقباله ميارديت، إلى قدم هذه العلاقات، لافتاً إلى أنها تعود إلى ستينات القرن الماضي، في عهد ليفي أشكول. ولعل ذلك ما جعل وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية تقول إن الزيارة «تدخل في إطار التحالفات التي تبنيها «إسرائيل» مع دول شرق إفريقيا لمواجهة تهديدات ما تسميه التطرف الإسلامي».

لم تكن زيارة ميارديت إلى «تل أبيب» أكثر من عملية «تظهير» لتعاون قديم، تمهيداً لمرحلة جديدة من التعاون الأوسع، وحتماً الأخطر بالنسبة لإفريقيا والعرب. وفي هذا الإطار، من المفيد التذكير ببعض ما جاء في محاضرة ألقاها أفي ديختر بتاريخ 4/9/2008 في «معهد أبحاث الأمن القومي» «الإسرائيلي»، عندما كان وزيراً للأمن الداخلي، متحدثاً عن السياسة «الإسرائيلية» الثابتة تجاه السودان، والدوافع التي كانت وراء دعم «الجبهة الشعبية لتحرير السودان»، وجاء فيها: «السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه، كان من الممكن أن يصبح دولة قوية ... وكانت تقديرات «إسرائيلية» حتى مع بداية استقلال السودان، من منتصف الخمسينات (من القرن الماضي)، أنه يجب ألا يسمح لهذا البلد رغم بعده عنا بأن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي. وكون السودان يشكل عمقاً استراتيجياً لمصر ... كان لابد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة موحدة». هكذا حافظ كل رؤساء الحكومات «الإسرائيلية» بهذه الاستراتيجية، أولاً من خلال دعم الانفصاليين في الجنوب، ثم اليوم من خلال دعم الدولة الجديدة ودعم الحركات الانفصالية في دارفور. ومنذ أسابيع تشكلت جبهة جديدة أطلق عليها «الجبهة الثورية لتحرير السودان» في الشمال، تعتبر «الجبهة الشعبية لتحرير السودان - فرع الشمال» عمودها الفقري، أعلنت أن هدفها إسقاط النظام في الخرطوم، وتدعمها حكومة جوبا . ومن المؤكد أن جزءاً من الدعم «الإسرائيلي» الذي سيقدم لحكومة الجنوب سيتحول الآن إلى «الجبهة الجديدة» في الشمال.

بعد إعلان استقلال الجنوب، في يوليو/تموز الماضي، أعلن في 28 منه قرار قيام علاقات دبلوماسية بين جوبا و«تل أبيب». وفي اليوم التالي حذر ربيع عبدالعاطي، القيادي في حزب المؤتمر الحاكم في الخرطوم أن هذا الإعلان يشكل «خطراً على العرب والمنطقة برمتها». وفي تصريحه، حاول عبدالعاطي أن يبرئ نظام الخرطوم من مسؤوليته عن الانفصال، قائلاً: «لقد نبهنا لذلك منذ البداية وكافحناه بمفردنا، لكن العون الذي قدم إلينا لم يكن بمستوى التحدي». ومما لا شك فيه أن مسؤولية الأنظمة العربية، خصوصاً نظام المخلوع حسني مبارك في مصر، وتلك الأنظمة التي قدمت المساعدة للانفصاليين الجنوبيين، مؤكدة في هذا الخصوص، لكن مسؤولية نظام البشير تظل أكبر، إذ أن سياساته الخاطئة، وانشغاله بالمحافظة على كرسي الحكم، واستخزائه أمام الضغوط الأمريكية، وفشله في التفاهم مع المعارضة في الشمال (وطبعاً عجز المعارضة مسؤول أيضاً)، كل ذلك لعب الدور الأكبر في ما وصلت إليه الأمور، في الجنوب وفي الشمال على حد سواء.

إن ما يؤلم حقاً هو أن انفصال الجنوب، والاختراقات «الإسرائيلية» في إفريقيا، لم يستفد منها النظام في الخرطوم شيئاً، وكذلك الأنظمة العربية. ذلك يجعل المخاطر المنتظرة في المستوى الجديد من التحالف بين جوبا وتل أبيب، أعظم على السودان والعرب جميعاً. فهل هناك من يتعظ؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165654

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165654 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010