الجمعة 30 كانون الأول (ديسمبر) 2011

المواجهة البحرية بين إيران وأميركا

الجمعة 30 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. سمير كرم

مؤسسة «ستراتفور» مؤسسة خاصة غير حكومية اختصاصها إنتاج المواد المخابراتية والتحليل المخابراتي. واحد من أهم إنتاجاتها تقرير دوري (أسبوعي) عن انتشار ونشاطات وتحركات البحرية الأميركية.

من خلال التقرير الأخير لها في هذا الشأن (صادر بتاريخ 21/12/2011) نعرف أن خريطة تحديث المعلومات البحرية الأميركية التي تظهر المواقع الحالية لمجموعات حاملة الطائرات الضاربة ولمجموعات السفن البرمائية المستعدة إنما تبنى على مصادر المعلومات المتاحة المفتوحة. وان هذه الخريطة لا تتضمن أية معلومات سرية او حساسة عملياتياً. أما لماذا تتضمن هذه التقارير هذه المعلومات تحديداً فلأنها «هي المفاتيح الدالة على السيطرة الأميركية على بحار العالم. ان مجموعات حاملة الطائرات الضاربة التي تتمركز حول واحدة من هذه الحاملات تبين القوة البحرية والجوية الأميركية، وتشمل القدرة الضاربة الهجومية الرئيسية. أما مجموعات السفن البرمائية فهي تتمركز على ثلاث سفن حربية برمائية تلحق بها ثلاث سفن برمائية ومعها وحدة مهام بحرية. وتبنى هذه القوة حول قوات مارينز ثقيلة مدعمة ومتحركة».

ويضيف هذا التقرير معلومات محددة عن مجموعات حاملة الطائرات الضاربة فيذكر أن حاملة الطائرات التي تحمل اسم «جون سي. ستينيس» تعمل في الوقت الحاضر ضمن منطقة مسؤولية الأسطول الخامس الأميركي - وهي منطقة الخليج - ومن مهامها إجراء عمليات أمن بحري ومهام دعم كجزء من خطة يطلق عليها اسم «عملية الحرية المستدامة». أما المجموعتين الأخريين فإن موقع إحداهما في منطقة غرب المحيط الهادي بقيادة حاملة الطائرات «يو.اس.اس. كارل فينسون» والثانية بقيادة الحاملة «يو.اس.اس. ابراهام لنكولن» ترابط أيضاً في منطقة الأسطول الخامس بمنطقة الخليج. وفي منطقة الخليج أيضاً ترابط مجموعة برمائية باسم «يو.اس.اس. باتان». أما المجموعتان الأخريان فإن إحداهما ترابط في المحيط الأطلسي والثانية في شرق المحيط الهادي في سنغافورة.

هكذا نعرف من أوثق مصدر أميركي ممكن أن منطقة الخليج تحظى وحدها بقوة بحرية ـ جوية، تفوق أي منطقة أخرى، مع أن منطقة غرب المحيط الهادي ومنطقة شرق المحيط الهادي تشملان مساحة تبلغ أضعاف أضعاف مساحة منطقة الخليج.

عندما أعلنت إيران النبأ عن إجراء مناوراتها البحرية - المسماة «ولايات90» في المياه الدولية في منطقة الخليج ابتداء من يوم 24 كانون الأول/ديسمبر الحالي ولمدة عشرة أيام، فإن المصادر الأميركية الرسمية والإعلامية اعتبرت هذه المناورات الإيرانية تهديداً للمنطقة، وبشكل خاص تهديداً للملاحة النفطية في المنطقة. واعتبرت هذه المصادر أن إيران إنما تتدرب بهذه المناورات على إغلاق مضيق هرمز الخليجي إذا أرادت إيران وقف الملاحة النفطية عبر هذا المضيق الحيوي.

والواقع أن إيران لم تخف حقائق هذه المناورات الجديدة وأنها تشمل منطقة تغطي مساحة 2000 كيلومتر تمتد من خليج هرمز شمالاً الى المحيط الهندي والى خليج عدن بالقرب من مدخل البحر الأحمر. وقالت وكالة «اسوشييتد برس» الأميركية للأنباء نقلاً عن مصادر رسمية أميركية أن هذه المناورات البحرية الإيرانية ستجعل السفن البحرية الإيرانية تقترب كثيراً من سفن الأسطول الخامس الأميركي في المنطقة. ووصفت الوكالة الأميركية مناورات «ولايات 90» بأنها آخر استعراض للقوة من جانب إيران في مواجهة انتقادات متصاعدة دولياً لبرنامجها النووي المثير للجدل والذي يخشى الغرب أن يكون هادفاً الى تطوير أسلحة نووية. وهي اتهامات تنفيها إيران وتصر على ان برنامجها النووي «لأغراض سلمية فحسب». وقد رد الأدميرال حبيب الله سياري قائد البحرية الإيرانية على ما شاع في الغرب عن المناورات الإيرانية بأن إيران إنما تجري هذه المناورات لإظهار استعدادها وقدراتها الدفاعية. وقال «ان البحرية الإيرانية تحتاج لكي تظهر قوتها لأن تكون حاضرة في المياه الدولية. من الضروري إجراؤها للبرهنة على القدرات الدفاعية للبحرية الإيرانية». ولم يخف قائد البحرية الإيرانية حقيقة ان هذه المناورات تتضمن اشتراك غواصات وسفن حربية وصواريخ وتوربيدات وطائرات بلا طيارين. وأوضح أنها - أي المناورات البحرية - ستشمل تدريبات وتكتيكات تتعلق بمنع القوى الأخرى المعادية من دخول المجال البحري الإيراني، وهو ما سبق أن شملته مناورات إيرانية في السنوات الماضية. وكان من أهم ما صرح به الأدميرال سياري في هذه المناسبة قوله إن من بين أهداف هذه المناورات «ان توجه رسالة سلام وصداقة في مضيق هرمز».

مع ذلك فقد استمرت حملة الدعاية والتهجمات - خاصة من الجانب الأميركي - على هذه المناورات. في هذه المناسبة أفاضت البيانات الأميركية وكتابات المصادر الإعلامية الأميركية في شرح أهمية خليج هرمز وحيويته بالنسبة للملاحة البترولية التي تمر نسبة 90 في المئة منها في المنطقة عبره. وهي نسبة تعادل 40 في المئة من إجمالي كميات النفط العالمية التي تعبر البحار والمحيطات.

والملاحظ هنا أن الولايات المتحدة تعطي لنفسها الحق في أن يكون لها وجود عسكري ضخم - بحري وجوي - في مياه منطقة الخليج قريباً من إيران وسفنها ومياهها وقواعدها وأراضيها، بينما تريد أن تحرم إيران من المناورات التدريبية وغير التدريبية التي ترمي الى تأكيد قدرتها على التصدي لتهديدات «إسرائيل» وأميركا التي لا تنقطع أبداً. وقد وصل الأمر الى حد جعل الولايات المتحدة تسرب معلومات مخابراتية من جانبها تؤكد فيها أن القوات البحرية والجوية الأميركية في المنطقة ستتابع وتراقب عن كثب هذه المناورات الإيرانية. بل إن المكتب الأميركي للمخابرات البحرية أصدر (في يوم 21/12/2011) مذكرة تحذير خاصة تنصح بعدم الإقدام على أية محاولات من جانب إيران لاعتلاء أي سفن تجارية دولية بهدف تفتيشها أثناء إجراء تلك المناورات. وتضمن هذا التحذير ما يفيد أن الجهات الرسمية الأميركية لا تأخذ ما تعلنه إيران عن هذه المناورات مأخذ الجد، إذ تعتقد الدوائر الأميركية أن إيران تضمر أهدافاً لا تعلنها. وتغفل هذه المصادر الأميركية حقيقة ساطعة هي أن إيران نفسها يمكن أن تكون من بين الدول التي يصيبها الضرر من وراء إغلاق مضيق هرمز بوجه الملاحة النفطية، ما لم تضطر الى ذلك دفاعاً عن شعبها او عن أراضيها او عن قواتها المسلحة وبحريتها ضد هجمات خارجية أياً كان مصدرها.

وتبدو المصادر الأميركية - خاصة المخابراتية - حائرة بين أسلوبين في معالجة او فهم أهداف المناورات البحرية الإيرانية. فهي تدّعي - من ناحية - ان إيران تريد ان تذيع معلومات مغلوطة تتعمد المبالغة في قوتها وقدرتها على الدفاع عن نفسها ضد أية هجمات خارجية وهي تدّعي - من ناحية أخرى - أن إيران إنما تقصد من وراء هذه المناورات إجبار القوى المعادية لها على الإحجام عن مهاجمتها. ولكنها تعود فتؤكد أن إيران تملك من القوة ما يكفي لردع اي هجوم خارجي عليها او الرد عليه في حالة وقوعه. بل إن تقارير أميركية من مؤسسات مخابراتية خاصة تتلقى من المصادر المخابراتية الرسمية ما يفيد أن إيران استطاعت ان تطور قدرات عسكرية دفاعية وهجومية جديدة تشكل تقدماً في مجالات التسليح. وتضرب الأمثلة على ذلك بشكل خاص من تطوير إيران أسلحة صاروخية مضادة للصواريخ وصواريخ باليستية مضادة للسفن وسفن حربية تتميز بقدرتها على شن الهجوم السريع.

وتبقى نقطة الإصرار والإلحاح في بيانات المصادر الأميركية الكثيرة عن أن المناورات الإيرانية الجديدة متعلقة بما يوصف بأنه تطوير إيران قدرتها على إغلاق مضيق هرمز إذا تعرضت لهجوم خارجي. وهنا يلاحظ ان الأميركيين و«الإسرائيليين» يشتركون في تصوير مثل هذا الإجراء بأنه كارثي بالنسبة للمنطقة ككل، ولكنهم يولون انتباههم بعيداً عن الأحوال التي يمكن أن تجبر إيران على اللجوء لهذا الإجراء، وإن كان هذا الإجراء نفسه سيلحق ضرراً أكيداً بإيران على الأقل من الناحية الاقتصادية لأنه يوقف تدفق النفط الإيراني عبر هذا المضيق كما يوقف تدفق النفط من كل بلدان الخليج وبلا استثناء.

غير أن الأميركيين و«الإسرائيليين» يبدون كمثل من يريد أن يأكل الكعكة ويحتفظ بها في الوقت نفسه. بل إنهم يبدون تماماً كمن لا يصدق استحالة هذا (...) إنهم يعتبرون أن تهديد إيران بإغلاق المضيق «سلوك عدواني»، ويريدون في الوقت نفسه منع إيران من الدفاع عن نفسها إذا لاح لها أنهم سينفذون تهديداتهم بالهجوم على إيران بذريعة تدمير برنامجها النووي.

والحقيقة التي لا يمكن للأميركيين و«الإسرائيليين» الإفلات منها هي أن إيران جادة فيما يتعلق بإرادتها الدفاع عن نفسها. يتأكد ذلك من خلال تطويرها لقدراتها الدفاعية، كما يتأكد من خلال استعدادها لتحمل تبعات إغلاق مضيق هرمز، سواء للتبعات التي ستقع عليها او التبعات التي ستقع على الغير. وسيتعين على الطرف الذي يضع نفسه في موقع الدفاع - من بعد آلاف الكيلومترات عن الخليج، وهو الطرف الأميركي - أن يميز بين وجوده العدواني في منطقة الخليج ووجود إيران الطبيعي والتاريخي والجغرافي والاستراتيجي في المنطقة.

من هنا تكتسب تصريحات الأدميرال سياري أهميتها في تأكيده أن البحرية الإيرانية تتولى مسؤولية الدفاع عن المياه الدولية لإيران شرق مضيق هرمز، في حين أوكل الى الحرس الثوري الإيراني مهمة حماية المياه الضحلة في الخليج. لقد راقبت البحرية الإيرانية أكثر من 1300 سفينة وسجلت نحو مئة اشتباك بحري مع القراصنة، ومع ذلك فقد أكد أن هذه المناورات لا تشمل إغلاق مضيق هرمز.

إن إيران تبذل ما بوسعها لتأكيد نواياها الحسنة تجاه جيرانها. هذا ما أكده المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست من أن إيران تريد إقامة علاقات حسن جوار في إطار من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى... وكان الأجدى بدول مجلس التعاون الخليجي أن تدين أعمال التجسس الأميركية ضد إيران.

لست من أنصار الزج بالشعر في التحليل السياسي ..مع ذلك فإن بيتاً يفرض نفسه عليّ في هذه الحالة المتعلقة بإيران وأميركا في المواجهة بينهما في منطقة الخليج :

حرامٌ على بلابله الدوح ..... حلال للطير من كل جارح



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165551

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

2165551 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 35


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010