الجمعة 4 حزيران (يونيو) 2010

أبعاد الهجوم على أسطول الحرية وتداعياته

الجمعة 4 حزيران (يونيو) 2010 par د. عبد الله الأشعل

قامت القوات الإسرائيلية فجر يوم 31 مايو/أيار 2010 بعملية عسكرية جوية ومظلية وبحرية بقرار وزير الدفاع سانده رئيس الوزراء وشارك فيه رئيس الأركان وقيادات البحرية والطيران ضد أسطول الحرية المتجه لكسر الحصار عن غزة، وأسفرت العملية عن وقف مسيرة الأسطول وإحباط مهمته واقتياد سفنه وحمولتها والركاب للمساءلة في إسرائيل، فضلاً عن حوالي عشرين شهيداً وضعف العدد من الجرحى.

ضم الأسطول متطوعين من أربعين دولة يجمعهم هدف واحد هو إيصال المعونات إلى سكان غزة وإعلان كسر الحصار بعد أن عجز العالم كله عن دفع إسرائيل طوعاً أو كرها إلى رفع الحصار، وإعلان فشل السياسة الإسرائيلية بكاملها ضد سكان غزة.

في هذه المقالة نعالج أبعاد هذا الحادث الخطير وتداعياته على أوضاع القضية الفلسطينية وسياق الصراع العربي الإسرائيلي.

1- السياق الحاكم لحادث أسطول الحرية

الأصل أن إسرائيل دولة محتلة لغزة حتى دون تواجد عسكري دائم لأن الاحتلال في القانون هو مجرد السيطرة الفعلية على الإقليم، وأن سحب إسرائيل لقواتها ومستوطنيها من غزة صيف 2005 ليس انسحاباً وإن فسر في غزة على أنه تحرير لغزة من الوجود الجاثم عليهم.

وكان مخطط إسرائيل واضحاً حتى قبل أن تسيطر سلطة حماس على غزة عام 2007 بعد حصول حماس على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي في انتخابات 2006 ولم يغير في طبيعة غزة المحتلة إعلان إسرائيل أنها إقليم متمرد ومعاد حتى تبرر فرض برنامج إبادة شامل عرف بالحصار، حده الأدنى إسقاط حماس، وحده الأقصى إبادة السكان عوضاً عن ابتلاع البحر لهم كما تمنى بيريز من قبل.

وقد أصرت إسرائيل على الحصار الذي تفرد عن سائر الإجراءات المماثلة في العمل الدولي، فهو حصر بحري وجوي وبري وإغلاق لمنافذ الحياة على السكان، وهو إجراء إبادة لا يمكن تبريره في القانون الدولي، كما لا يجوز قياسه على أحكام اتفاقية جنيف الرابعة، التي فرضت على سلطة الاحتلال تبعات بالعمل والتزامات بالامتناع عن العمل، وذلك كله لصالح السكان المدنيين في غزة، ولذلك فإن حصار غزة لا يعرفه القانون الدولي الإنساني، وكسر حصار غزة هو تصحيح لجريمة الحصار، تستند إلى سلسلة طويلة من الأحكام القانونية، أما التصدي لمحاولات كسر الحصار فهي جريمة جديدة أفدح من جريمة الحصار التي تعتبر عملاً مستمراً متعمداً لإبادة شعب في نطاق جغرافي محصور، حرم حتى من حق الفرار من قدره الذي فرضته إسرائيل.

فالصراع بين إسرائيل وأسطول الحرية هو صراع بين طرفين، الطرف الدولي الذي يتسلح بالوازع الإنساني لاستنقاذ سكان غزة من مصير تصر عليه إسرائيل منذ ثلاث سنوات، وبين إسرائيل التي تريد أن تكون اللاعب الوحيد الفاعل حتى في تقرير موقف سكان غزة من الحياة والموت.

وما دام هدف إسرائيل هو منع الأسطول من الوصول إلى غايته، فإن الأسطول حتى دون أن يصل قد حقق الجزء الأهم في رحلته وهو لفت نظر العالم إلى جريمة تصر إسرائيل على أن تسدل عليها ستار النسيان والإغفال.

ويبدو أن إسرائيل قدرت أن نجاح رحلة الأسطول بتسليم المعونات والاختلاط بأهل غزة وهو لهم شريان الحياة بعد أن جففت الشرايين الأخرى من الجانبين المصري والإسرائيلي، سيؤدى إلى نكسة أخرى لإسرائيل ونجاح لأعدائها، وإحباط لمخطط الإبادة ودعم للمقاومة وإكسابها الشرعية، بعد أن نجحت إسرائيل حتى الآن في محاصرتها إعلامياً وسياسياً بمساندة واضحة من وسط عربي أصابه الفزع من إسرائيل وجبروتها.

فكان الخيار الآخر هو التصدي بالمنع، ولكن اللافت أن المنع كان بالغ العنف، وكان القتل مخططا هو الآخر، وأن يتم إحداث أكبر قدر من الضرر للجانب التركي لأنه رأس الحربة بعد إخضاع النظم العربية، وهو المتصدر للحملة ورافع علم تركيا بمباركة حكومة أردوغان ودعمها، ولذلك فإن قرار العملية العسكرية في حساباته يستهدف الصدام مع تركيا.

وفي تقديرنا أن إسرائيل أرادت بهذه المواجهة الدامية أن تفرض واقعاً ليظل بيدها وحدها زمام السيطرة على غزة، وأن دموية العملية تهدف إلى دفع تركيا إلى أقصى نقطة إلى الحائط حتى تستبين أقصى ما تصل إليه في رد الفعل ومدى استعداد تركيا للتضحية بكل العلاقات مع إسرائيل.

بعبارة أخرى أن هدف العملية تدرج من حفظ زمام المبادرة إلى ردع كل من يفكر في المستقبل في تحدى إرادة إسرائيل في إبادة غزة، ثم اختبار رد الفعل التركي. وقد لوحظ في تركيا أن رد الفعل الشعبي كان تلقائياً لأسباب كثيرة أهمها أن وحشية إسرائيل التي استفزت مشاعر الأتراك في محرقة غزة، قد وصلت الآن إلى التجاسر على إراقة دماء أبنائهم، فانقلب الحال من تعاطف مع إخوان في الإنسانية، والدين ضد قهار فتاك ظالم، إلى ثأر ممن أراق دماء أبنائهم. ويلفت النظر في كلمة وزير خارجية تركيا الغاضبة في مجلس الأمن مساء يوم 31/5/2010 أنها ركزت على مساعي نزع الشرعية عن إسرائيل.

ولكن الاحتكاك الإسرائيلي بتركيا على خلفية موقف أميركي داعم وموقف أوروبي مساند للموقف الإسرائيلي هو أيضاً رسالة لتركيا وعليها أن تحدد هي إطار حركتها وما تراه جديراً بالحفاظ عليه في علاقتها بإسرائيل على أساس أن إسرائيل هي التحالف الغربي، وأن فصم العلاقات معها هو خروج من هذا التحالف.

هكذا قررت إسرائيل عملية عسكرية ودموية عوضاً عن اعتراض سلمي، وعوضاً عن ترك الأسطول يخرج المسألة من نطاق المطالبة برفع الحصار. ولذلك يلفت النظر الفارق بين حرص إسرائيل على أن يعالج حصار غزة في نطاق مطالبة إسرائيل برفع الحصار حتى يظل قرار الحصار وقرار رفعه بمشيئتها، وبين كسر الحصار أي إفراغ الحصار من مضمونه وكشفه وفضحه فيدفع إسرائيل إلى ابتلاع الإهانة.

ولذلك فإن التفسير المنطقي الممكن لخيار المواجهة العسكرية الدموية هو حرص إسرائيل على الخيار الإسرائيلي الذي يشمل الحصار وغيره، كما أنه يعبر عن إصرار على تفرد إسرائيل بتقرير كل ما يتعلق بالفلسطينيين دون مزاحمة أو انتزاع من الغير المساند لهم ضد إسرائيل، وهو منهج أصرت عليه إسرائيل في التفاوض وتثق في دعم واشنطن المطلق لها فيه.

ولا شك أن إسرائيل قدرت أن للعملية العسكرية تداعياتها، ولكنها قدرت أيضاً أن هذه التداعيات يمكن احتواؤها ولو بعد حين، كما حدث في تقرير غولد ستون الذي حاصرته حصاراً مخيفاً، واعتماداً على إعلام الأكاذيب والتبرير.

2- مبررات الموقف الإسرائيلي

ساقت إسرائيل عددا من المبررات لعمليتها الإجرامية ضد أسطول الحرية، كما قدمت عدداً من الاعتراضات على فكرة الأسطول ومهمته قبل العملية، وكان اللافت للنظر هو التكامل بين المنطق القانوني الإسرائيلي والسلوك الدموي الإسرائيلي، المخطط والمبرمج واعتبرت إصرار القافلة عدواناً عليها من جانب «منظمات إرهابية» يتعين صدها لكن إسرائيل اختارت العمل العسكري إمعاناً في إغلاق أي محاولة لمجرد الحديث عن حصار غزة.

ولذلك أكدت إسرائيل أن الحصار مشروع لأنها تحاصر شعباً إرهابياً يستهدف سكانها وأن حرصها على أمن سكانها يبرر لها أن ترتكب أي شيء ما دام هدفها أمنياً ونبيلاً مهما كان عدد الضحايا أو جنسياتهم، وإنما يهم إسرائيل أن تفرض على العالم واقعاً لا بد من ابتلاعه، ولذلك طالب المتحدثون باسمها بضرورة السعي إلى التهدئة وتجاوز الجريمة.

اعتبرت إسرائيل مجرد المطالبة بكسر الحصار تحدياً لوجودها بما يبرر لها أي إجراء للحفاظ على هذا الوجود. فاعتبرت إسرائيل أن القافلة هي تدخل في شؤونها الداخلية وانتهاك لقانون إسرائيل، وهو في نظر إسرائيل انتهاك للقانون الدولي، مما يعوق إسرائيل عن مكافحة الإرهاب بالحصار والإبادة.

فكأن إسرائيل تعتبر غزة جزءاً من أراضيها وتحت سلطانها وأن حصارها عمل من أعمال السيادة الإسرائيلية، حتى تمكنت إسرائيل من إرغام بعض الدول العربية -فيما يرى البعض- على هذا المفهوم لدرجة أن البعض فهم علاقة الاحتلال بين إسرائيل وغزة على أنها ترخص لإسرائيل بأن تفعل في غزة ما تشاء وأنها المسؤولة عن توفير احتياجاتها، ولذلك لا حاجة مطلقاً لفتح معبر رفح، لأن فتح المعبر يشجع إسرائيل على إغفال التزاماتها كسلطة محتلة.

وقد عجزت إسرائيل عن تبرير الخيار العسكري ضد سفن مدنية وفي أعالي البحار وبهذه القسوة إذا كان هدفها قاصراً على منع التواصل مع غزة بدون أدنى سند قانوني أو أخلاقي. والواضح أن الخيار العسكري أصلاً قرار سياسي نفذه الجيش وأشادوا ببطولات الجنود وشجاعتهم وإقدامهم في هذه المعركة الحربية.

وقد تهافتت المبررات الإسرائيلية إلى حد السفه ولم تستر هذه الجريمة الكبرى كالقول بأن الجنود قد اعتدي عليهم بالسكاكين أو أنهم خشوا أن تكون السفينة تحمل إرهابيين من القاعدة لإفراغهم في غزة. فكان الهجوم العسكري أول حالة لقرصنة رسمية (خلافا لتعريف القرصنة في المادة 101 من اتفاقية قانون البحار لعام 1982 وتعريف المكتب البحري الدولي للقرصنة).

ولذلك فإن عمل إسرائيل انتهاك أيضاً للمادة 97/3 من ذات الاتفاقية التي تحظر توقيف أو احتجاز السفن المدنية أو التجارية التي ترفع علم دولة أخرى، ولو بهدف التحري والتحقيق. فكان مهاجمة سفن القافلة والاعتداء على ركابها، وقطرها واستجواب ركابها وقتل بعضهم انتهاكات قانونية صارخة واغتصاب من جانب إسرائيل لسلطة الأمر الواقع القائم على القوة المسلحة ويدخل في عمل العصابات وليس الجيوش النظامية، وهو ما ألمح إليه البيان الرئاسي في مجلس الأمن صباح 1/6/2010 الذي أدان إسرائيل وهجومها وآثاره.

3- تداعيات الهجوم على الصراع العربي الإسرائيلي

لا بد أن نقرر أن الأعمال الإسرائيلية الإجرامية ضد قافلة الحرية قد حققت سياسيا وإعلاميا وأخلاقيا نتائج لم تكن متوقعة أبرزها أن حصار غزة قد حظي بزخم دولي على النحو الذي أكده أردوغان في كلمته إلى الشعب التركي ظهر يوم أول يونيو/حزيران, والتزام العالم وتركيا بدعم حقوق الفلسطينيين وتحرير أهل غزة من مخطط الحصار والإبادة.

ترتب على الهجوم دعم خيار المقاومة وسقوط خيار المفاوضات العبثية ورفع أسهم حماس وظهور لافتات في كل دول العالم تقول كلنا حماس بما تمثله من مبادئ وليس كتنظيم وهو أقسى ما كانت تخشاه إسرائيل، فأحيا الحادث جرائم إسرائيل في غزة وسلط الضوء مجدداً على سجل الجرائم، فضلاً عن أن تركيا سوف تلاحق إسرائيل وتحرض المجتمع الدولي والعربي في هذه الملاحقة.

ترتب على الجريمة أن إسرائيل تفكر جدياً في مدى القدرة على استمرار سياستها في فلسطين في ظل تعهد تركيا في خطاب أردوغان. قد يؤدي الحادث إلى تقارب بين الفلسطينيين إذا تجاوزوا بعض الخطوط صوب المصالحة والوفاق.

فيما يتعلق بمعبر رفح سيكون صعباً على مصر أن تمعن في إغلاقه، الأمر الذي كان يعد مساندة للحصار خاصة المطالبات الصينية والروسية وغيرها.

نخلص مما تقدم إلى أن الحادث سيؤدي إلى المزيد من الضغوط على إسرائيل وتطوير آليات المحاكمة الجنائية لها والمتورطين فيه، خاصة إذا استعانت تركيا بسلطات الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد انكشاف صورة إسرائيل البشعة وسقوط القناع وإحراج واشنطن والحلفاء، وأكاذيب إسرائيل ووحشيتها، ولكن لا نظن أن الحادث سيؤثر على مجرى الصراع أو جمود السلام، بل ربما أدى إلى توقف المفاوضات غير المباشرة، وقد تقضي أزمة العلاقات التركية الإسرائيلية على فرص استئناف دورها في المفاوضات.

الحادث باختصار كان نكسة كبرى لإسرائيل وانتصاراً لتركيا وقضية حصار غزة، ولكنه لن يؤثر بشكل مباشر على معطيات الصراع أو السلام العربي الإسرائيلي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2177199

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177199 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40