الثلاثاء 3 كانون الثاني (يناير) 2012
غولدفاسر لرفيقه في اللحظات الأخيرة : وجبة الفطور ستكون جاهزة بعد الدورية...

«أسرى في لبنان : الحقيقة عن حرب لبنان الثانية» كتاب يوثق تفاصيل 33 يوماً (1)

الثلاثاء 3 كانون الثاني (يناير) 2012

«محطات يسيمون أربعة. صباح الخير دورية أخيرة. أتمنى للجميع الفرح»، تلك كانت الكلمات الأخيرة التي تلفظ بها الجندي «الإسرائيلي» ايهود غولدفاسر، قبل أن يتمكن مقاتلو «حزب الله» في 12 تموز 2006 من أسره. غولدفاسر الذي كان على موعد مع وجبة فطور مع رفاقه بعد انتهاء دوريته حينها، لم يتبادر الى ذهنه أنه سيكون يوماً ما «صيداً ثميناً» لـ«حزب الله».

كثيرة هي الروايات التي تناقلتها الصحافة «الإسرائيلية» عن عملية أسر الجنديين «الإسرائيليين» في 12 تموز و«حرب لبنان الثانية»، غير أن ميزة كتاب «أسرى في لبنان : الحقيقة عن حرب لبنان الثانية»، للمعلّقين عوفر شيلح («معاريف») ويوآف ليمور (القناة التلفزيونية الأولى) وترجمه من العبرية الى العربية المؤلف جواد سليمان الجعبري، ونشره «المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية» ـ مدار في ايار 2011 (عمَّان)، أنه يقدم رواية الفشل من داخل الغرف والكواليس «الإسرائيلية» المغلقة، بما فيها «البئر» سواء في مقر قيادة وزارة الدفاع في «تل أبيب» أو في قيادة الجبهة الشمالية.

يتضمن الكتاب مقابلات أجراها الكاتبان مع حوالى 100 شخص ووثائق ووقائع لم يطلع عليها الرأي العام، إضافة الى شهادات لضباط كانوا يعلمون أنهم لن يخرجوا «انقياء» من هذا الكتاب الذي صدر بالعبرية في العام 2007 عشية صدور تقرير لجنة فينوغراد.

يعود شيلح وليمور بالتاريخ الى الثاني عشر من تموز، الساعة الثامنة صباحاً، عندما عادت دورية اللفتنانت نير ليئون الى نقطة تجمع السرية التي يرأسها والتي لا تبعد كثيراً عن مستعمرة زرعيت قبالة بلدة مروحين الحدودية اللبنانية. كان ليئون منهكاً بعدما استدعي في الساعة الثانية والنصف من فجر تلك الليلية لتفقد السياج الحدودي في النقطة التي يطلق عليها اصطلاحاً خط «التبليغ رقم 301» إثر ورود إنذار يفيد بمحاولة المس بالسياج الحدودي (أو «المزرعة الحمراء» حسب الاسم السري المستخدم في الجيش «الإسرائيلي»).

يضيف الكاتبان «مكث ليئون هناك مدة عشر دقائق إلا انه لم يشاهد شيئاً، لكن تلك الليلية بقيت مشبعة بالضوضاء. إذ سجلت عدة إخطارات في القطاع التابع للسرية. مع انه وجنوده استمروا لساعات طوال وهو يرنون بإبصارهم في الظلام ولم يلاحظوا شيئاً».

وكان ليئون التقى بالقرب من الحمامات مع ايهود غولدفاسر (تم أسره لاحقاً)، وبدا منشغلاً في تنظيم القوة المفترض فيها ان تتوجه الى المنطقة التي سجلت فيها الإنذارات للوقوف على حقيقة ما جرى. وفي الوقت الذي كان فيه غولدفاسر يقوم بتنظيف أسنانه. قام ليئون بنقل انطباعاته له حول أحداث الليلة الماضية قائلاً «اسمع هذه ليلة مخيفة جداً. وحسب ما يبدو لي فقد اجتاز الحدود ما لا يقل عن عشرين فرداً من «حزب الله».

كان مزاج غولدفاسر وجنوده الستة الذين خرجوا للقيام بأعمال الدورية واضحاً جداً، فهذا هو اليوم الأخير في الخدمة الاحتياطية. فالكتيبة التي ينتمون اليها، على وشك أن تستبدل بالكتيبة التابعة للواء 300. وهكذا فإن جنود الاحتياط الذي كانوا في حالة تأهب قصوى خلال الأسبوعين الماضيين بسبب اختطاف جلعاد شاليط أصبح بإمكانهم أن يشموا رائحة البيت.

ويلفت الميجور جنرال احتياط دورون الموغ الذي تولى التحقيق في قضية الاختطاف الانتباه الى ان «الجنود قد خرجوا بمهمة كما لو أن الأمر نزهة». بقيت العبارة التي صدرت عن ليئون معلقة في الهواء كمجرد حديث عابر في الحمام، وقبل أن تنطلق الدورية، لم تتلق أي توجيه محدد يفترض فيه أن يشتمل على تفصيل ما حدث في ساعات الليل، كالتركيز مثلاً على «البروفات» ونقاط الضعف في المسار المخطط، إضافة الى خطوط التبليغ التي تمكن الدورية من متابعة عملها. كما ان أحداً لم يسمعهم أن اليوم الذي يجري فيه الجيش تبديل القوات في الخط الأمامي يعتبر بشكل تقليدي يوم ضعف يدركه العدو أي «حزب الله»، حيث كان الجيش يعرف انه يتنصت على شبكة اتصاله، وقد يستغله لتنفيذ عملية عسكرية، فضلاً عن أن أحداً من القادة العسكريين لم يعط آذاناً لقول ليئون عن اجتياز 20 عنصراً من «حزب الله» الحدود.

[**رواية الأسر كاملة*]

يتابع الكاتبان روايتهما : انطلقت الى الطريق مركبتان من طراز «هامر». الأولى، والملقبة في شبكة الاتصال «يسيمون 4» بقيادة رزق معدي. وقد جلس الى جانبه قائد الدورية غولدفاسر. ومن الخلف، جلس اثنان هما الداد ريغف وتومار فينبرغ. الثانية، كان لقبها في شبكة الاتصال «يسيمون 4 أ» وكانت بقيادة وسيم نزال وبجانبه القائد شيني ترجمان، بينما جلس وراءه المحارب ايال بينين.

«في التاسعة إلا ربعاً، بدأت الدورية عملها. غولدفاسر الذي لم تفسد مقولة ليئون مزاجه النفسي، عمد الى فحص الاتصال مع جيب «الهامر» الذي يسير خلفه وأنهى حديثه بكلماته التالية : «محطات يسيمون 4» صباح الخير. دورية أخيرة. أتمنى للجميع الفرح».

في الوقت نفسه، كان قائد المنطقة الشمالية اودي آدام قد خطط للقيام بمهمة تفتيش للخط الذي وقعت فيه عملية الأسر، بحيث تنفذ في 12 تموز 2006. وكان آدام يلجأ عند قيامه بمهام التفتيش الى التخفي، وذلك عبر استخدام إحدى الآليات المخصصة لنقل المواد الغذائية المثلجة، وينطلق بها الى مختلف معسكرات الجيش مصطبحاً معه رئيس مكتبه البريغادير جنرال الون فريدمان. وبالرغم من انه لم يكن يضع الرتبة العسكرية على كتفيه، فإنه لم يصطدم بأي مشكلة أثناء دخوله للقواعد العسكرية حتى تلك التي توجد فيها وحدات سرية. فكان يحل معظم الأسئلة التي يوجهها له الحراس حول هويته وهدف الزيارة بالاستعانة بالبسكويت المطلي بالشوكولاته الخاصة بالجيش. وهذا يعد سلاحاً قديماً بقيت قدرته السحرية على فتح البوابات كما هي ولم تتلاش مع مرور السنين.

ويلفت شيلح وليمور الانتباه الى ان قائد فرقة الجليل (91) غال هيرش كان قلقاً جداً من النوايا المعلنة لـ«حزب الله» بخطف جندي «إسرائيلي»، وقام بشكل متواصل بالفحص مع الجهات الاستخباراتية للأوضاع على الحدود، كما قام بزيارة الوحدات المركزية الخاصة بجمع المعلومات لكي يفحص بصورة شخصية المعلومات الموجودة بحوزتها. ولم يكن في هذه المعلومات التي تجمعت ما يبرر إعلان إنذار محدود حول محاولة اختطاف قريبة من «حزب الله». لذا قرر هيرش فرض حالة التأهب من الدرجة الثانية. كما طلب استبدال كتيبة الاحتياط في قطاع زرعيت، لأنها ليست ذات نوعية كافية لمواجهة الخطر المتزايد على الحدود وفقا لهيرش. إلا أن طلبه جوبه بالرفض. فهو كان مقتنعاً أن «حزب الله» يقصد ما يقوله وهو يسعى لخطف جنود. لذا درج على القول : إننا فرقة عسكرية لمنع الاختطاف!

ويشير الكاتبان الى أن «آدام كان يتنزه قبل أربعة أيام من عملية الخطف بمحاذاة السياج الحدودي بالقرب من مستعمرة زرعيت في إحدى المناطق التي تعرف في الخرائط المشفرة للجيش «الإسرائيلي» باسم (خط التبليغ رقم 105) برفقة زوجته في مركبة مدنية».

[**هل تكون وجبة الإفطار جاهزة؟*]

يتابع الكاتبان «في 12 تموز 2006 الساعة التاسعة إلا خمس دقائق، رصدت وحدة المراقبة التابعة للجيش في منطقة زرعيت عنصراً من «حزب الله» يحمل صاروخاً مضاداً للدروع صاعداً الى الموقع العسكري على مسافة قريبة عن موقع الوحدة. في تلك الأثناء، واصلت مركبتا «الهامر» بقيادة غولدفاسر سيرهما في الطريق باتجاه خط التبليغ 105، حيث سجلت في الساعة التاسعة إلا ثلاث دقائق في أجهزة التسجيل محادثة بين هاتين المركبتين ودارت حول الأمر الذي يقلق بال الجنود في كل يوم. سأل ترجمان الذي كان في المركبة الخلفية «ما إذا كانت وجبة الفطور ستكون جاهزة بعد الجولة». فرد عليه غولدفاسر بالقول «لا تقلق سيكون كل شيء على ما يرام».

في المقابل، كان نحو عشرين مقاتلاً من «حزب الله» ينفذون انتشاراً دقيقاً. بينهم خلايا مضادة للدبابات مسلحة بقذائف (آر بي جي) وصواريخ. وبجانب السياج الحدودي، تمركزت خلية الخطف المزودة بعبوة لنسف بوابة السياج. ومن وراء منحنى كانت مركبة تنتظر بهدف الدخول بسرعة الى داخل الأراضي «الإسرائيلية» والقيام بإخراج المختطفين من هناك.

يصف الكاتبان الموقع الذي وقعت فيه عملية الخطف بـ«نقطة ضعف في الميدان. نظراً لوجوده في ارض منخفضة جداً. بحيث إن أجهزة المراقبة المتطورة لم تغطها جيداً. وبسبب طبيعة الأرض لم تتمكن الآليات التي تتحرك فيها من توفير تغطية بالنيران إحداها للأخرى أو حتى توفير التغطية من موقع عسكري ارضي».

ويتابع الكتابان «في الساعة التاسعة والدقيقة الواحدة فتحت النيران. كان مقاتلو «حزب الله» يعرفون جيداً روتين الجيش «الإسرائيلي». ويعرفون بالضبط أيضاً المسافة التي تفصل بين المركبات التي تنتقل على الطريق وهي حوالى 110 أمتار. أي المسافة المفترض فيها أن تمنع المس بالمركبتين معاً. لذا قاموا باختيار موقع خلايا الاختطاف والتغطية النارية وفقا لذلك. فقامت كافة الخلايا بفتح نيرانها في آن واحد، مستهدفة «الهامر» الخلفية بوابل من نيران الرشاشات الثقيلة. وأصابتها القذائف المضادة للدبابات إصابة دقيقة وقاتلة أدت الى قتل سائقها وسيم نزال داخلها. أما شيني ترجمان وايال بينين فقد قفزا الى خارجها، فتعرضا عندها لنيران الرشاشات وأصيبا.

[**نداء استغاثة وليس من مجيب*]

وقد جاء في التقرير الذي كتب حول عملية الاختطاف أن أسلحة ترجمان وبينين التي وجدت بجانبهما لم تكن معبأة وجاهزة للإطلاق.

الهدف الرئيس للمهاجمين كان مركبة «الهامر» الأمامية التي أرادوا منها اختطاف الجنود. أثناء عملية الاختطاف في العام 2000 أطلقت تجاه المركبة التي كان يستقلها الجنديان عمر سواعد وعادي افيتان قذيفة تحتوي على شظايا تنشر عند انفجارها كريات معدنية ألحقت بهم إصابات بالغة أدت الى موتهم على الفور. أما هذه المرة، فقد وجهت النيران المضادة للدبابات من قبل «حزب الله «بهدف الإبقاء على ركاب «الهامر» أحياء. ويتضح من التحقيق أن الخاطفين أرادوا المس بالمركبة وإلقاء القبض على الجنود داخلها من خلال الانقضاض على المركبة. ونظراً لأن «الهامر» محصنة ضد الطلقات النارية، علم الخاطفون أن الجنود العالقين داخل الجيب لن يكون بمقدورهم استخدام سلاحهم الشخصي. لذا كانوا مزودين بمعدات خاصة تمكنهم من فتح أبوابه وسحب ركابه الى الخارج.

يوضح شيلح وليمور أن «هذه الخطة تعطلت عند التنفيذ الفعلي. قذائف (الآر بي جي) الثلاث التي أطلقت من مسافة نحو 40 متراً أصابت «الهامر» التي يقودها غولدفاسر، من الجهة التي كان يجلس فيها ريغف. «الهامر» لم تُغلق الأمر الذي مكن المقاتلين الآخرين وهما السائق رزق معدي وتومر فينبرغ من النجاة والفرار باتجاه الشجيرات القريبة. أما غولدفاسر وريغف فقد بقيا داخله بسبب تعرضهما لإصابات شديدة. وقد تمكن احد الجنود الذي تعرضوا للهجوم من إطلاق نداء استغاثة عبر جهاز الاتصال جاء فيه «4،4 أ» مكرراً عبارة تعرضنا للهجوم، مرتين.

اقترب مقاتلو «حزب الله» من «الهامر» المصابة، وبالرغم من أن التعليمات الصادرة لهم تقضي بإلقاء القبض على أسرى أحياء. ومن المتحمل أن يكونوا قد شاهدوا الجنديين معدي وفينبرغ وهما يخرجان من «الهامر»، إلا أن المهاجمين لم يحاولوا البحث عنهما، فأسرعوا الى «الهامر» وأخرجوا من داخلها غولدفاسر وريغف. في الوقت نفسه، مر في المكان يمين كوهين من سكان موشاف شومرا، حيث كانت ترعى أبقاره في تلك المنطقة. وروى لاحقاً للمحققين انه شاهد اثنين أو ثلاثة من (المخربين) وهم يخرجون شيئاً ما من داخل مركبة الجيب».

ويقول الكاتبان «لم يكن الوضع الدقيق لكل من غولدفاسر وريغف معروفاً أثناء عملية الاختطاف. فاللجنة التي شكلها الجيش والتي فحصت «الهامر» توصلت الى نتيجة مفادها أن الاثنين أصيبا أثناء العملية وأحدهما إصابته بالغة جداً. إلا أن التقييم القائل إنهما أصيبا بالفعل إصابة شديدة خلال الحادث نفسه كان معروفاً للسلطات العسكرية ولرئيس الحكومة ايهود اولمرت منذ الأيام الأولى للحرب.

بعدها ركض مقاتلو «حزب الله» في اتجاه البوابة القريبة وفجروا قفلها بعبوة ناسفة، ثم أسرعت المركبة التي كانت تنتظرهم في مكان قريب من السياج الحدودي. ومن ثم جرى تحميل الجنديين المختطفين داخلها، وانطلقت بعدها بسرعة الى داخل الأراضي اللبنانية. وفي غضون دقائق ومن دون أي مقاومة اكتملت العملية التي كانت الفرقة (91) تخشى حدوثها كثيراً طول السنوات الماضية. تلاشت أصداء النيران في خط التبليغ 105. وفي داخل الشجيرات تدثّر معدي وفينبرغ اللذان لم يكن لهما أي اتصال مع السريّة. اتصل معدي بأخيه عبر الهاتف الجوال وروى له عملية الاختطاف. وفي الدقائق الحرجة الأولى التي ربما كان بالإمكان رؤية وجهة المركبة التي تحمل الجنديين المختطفين، لم يكن هناك من يقوم بمراقبة المنطقة. ومع كل دقيقة تمر كانت فرصة صد المهاجمين وتوقيفهم قد أخذت بالتلاشي.

بعد دقائق، فتح مقاتلو «حزب الله» النيران على امتداد الحدود. وقام قناصة منهم بإصابة أجهزة الرقابة التابعة للجيش «الإسرائيلي» وأعموا العيون الالكترونية المشرفة على الحدود مع لبنان. كذلك تم إطلاق صليات من صواريخ «كاتيوشا» وقذائف الهاون باتجاه مواقع الجيش والمراكز السكانية «الإسرائيلية»، في محاولة لإبعاد الأنظار عن عملية الاختطاف، ولتضليل الجيش وجعله يعتقد أن الأمر يتعلق بيوم قتال من النوع الذي شهدته الحدود عدة مرات منذ أيار العام 2000.

- [**الصورة : الهامر الذي كان يستقله الجنديان. *]

- **المصدر : صحيفة «السفير» اللبنانية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2178820

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178820 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40