الخميس 5 كانون الثاني (يناير) 2012

أمريكا تنزلق نحو حرب محتملة مع إيران

الخميس 5 كانون الثاني (يناير) 2012

تشهد الولايات المتحدة حالياً حملة إعلامية عدائية تستهدف إيران - تماماً مثلما حدث خلال الفترة التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وهذا ما يرى فيه الصحافي الأمريكي المتخصص في التحقيقات روبيرت باري نذير حرب محتملة جديدة في «الشرق الأوسط»، وقد كتب مقالاً حول الموضوع في موقع «كونسورتيوم نيوز» قال فيه :

على خلفية دعاية تخويفية معهودة، بات المسرح مهيأ الآن لحرب جديدة، هذه المرة ضد إيران . وأدنى خطأ في الحساب (أو الاستفزاز) من قبل الولايات المتحدة، أو «إسرائيل»، أو إيران، يمكن أن يفجر سيناريو عنيفاً تكون له عواقب مدمرة.

وفي الواقع، حتى إذا كانت مختلف الأطراف راغبة في تجنب الأسوأ، فإنها قد تجد صعوبة في التراجع بما يكفي لنزع فتيل الوضع الراهن المتفجر. فالإيرانيون يواصلون التأكيد بإصرار على أنه ليس لديهم نية لصنع قنبلة نووية، في حين يصر الأمريكيون و«الإسرائيليون» على عكس ذلك.

ولهذا فإن هذه الحرب المحتملة مع إيران - مثل الحرب في العراق - مرهونة على الأرجح بتقييم أجهزة الاستخبارات لنوايا وقدرات إيران. وكما كانت الحال بالنسبة لأسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، فإن الأصوات الصاخبة العديدة التي تزعم الآن أن إيران مندفعة لصنع قنبلة نووية تغرق أصوات المتشككين القلائل نسبياً الذين يعتقدون أن الأدلة تتراوح ما بين ضحلة وزائفة.

وعلى سبيل المثال، فإن التقرير الحديث العهد الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن تقدم إيران المفترض نحو صنع قنبلة نووية استقبل على نطاق واسع على أنه حقيقة مؤكدة من دون أي نقاش حول ما إذا كانت الوكالة تعد مصدراً موثوقاً وغير متحيز.

وقد صاغت الصحف وشبكات التلفزة الأمريكية الرئيسية تقاريرها بشكل يدعم وكالة الطاقة، وتجاهلت الأدلة الموثقة على أن المدير الجديد للوكالة اختير لمنصبه بدعم من الولايات المتحدة، وأنه اعطى من وراء الستار لمسؤولين أمريكيين و«إسرائيليين» تأكيدات بأنه سيساعد على دعم مواقفهم وأهدافهم بمواجهة إيران.

هذه الوقائع كان يمكن بسهولة إيجادها في برقيات تم تسريبها إلى موقع «ويكيليكس» وكانت وسائل الإعلام الأمريكية مطلعة عليها منذ العام 2010، ومع ذلك، فإن كبريات وسائل الإعلام تجاهلت هذا الجانب من القصة، برغم أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان يوصف مراراً وتكراراً بأنه دليل دامغ ضد إيران.

وهذا النمط من تجاهل، أو التقليل من شأن الأدلة التي تتعارض مع الرواية الرسمية، كان سمة بارزة للحملة الدعائية التي مهدت للحرب مع العراق. وهذه الحملة تكررها الآن ليس فقط وسائل الإعلام اليمينية، وإنما أيضاً وسائل إعلامية وسطية ويسارية، من بينها صحيفتا «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» وشبكة «أم اس ان بي سي».

[**برقيات وكالة الطاقة*]

نتيجة لذلك، كان قلائل فقط من الأمريكيين يعرفون أن البرقيات الصادرة من السفارة الأمريكية في العاصمة النمساوية فيينا، حيث يوجد مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كشفت أن الحكومة الأمريكية احتفلت العام 2009 بنجاحها في تنصيب الدبلوماسي الياباني يوكيا امانو خلفاً للمصري محمد البرادعي، الذي اشتهر بفضحه زيف بعض من مزاعم الرئيس جورج بوش بشأن الطموحات النووية المفترضة للعراق.

في برقية تحمل تاريخ 9 يوليو- تموز 2009، قال القائم بالأعمال الأمريكي جيوفري بيات إن امانو يشعر بالعرفان بالجميل للولايات المتحدة على دعمها لانتخابه. وجاء في البرقية: «عزا امانو الفضل في انتخابه إلى الدعم الذي حصل عليه من الولايات المتحدة، واستراليا، وفرنسا، واعتبر خصوصاً أن اتصالات الولايات المتحدة مع الأرجنتين كانت عاملاً حاسماً».

وقد ابلغ امانو المعترف بالجميل بيات بأنه كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، سوف يعتمد «مقاربة مختلفة عن البرادعي في ما يتعلق بإيران»، وبأنه «يرى أن دوره الرئيسي سيكون تطبيق الاجراءات المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن الدولي»، أي العقوبات والمطالب التي تبناها مجلس الأمن بدفع من الولايات المتحدة.

وتعهد امانو أيضاً بإعادة تنظيم المناصب العليا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بطريقة تدعم الولايات المتحدة. وفي المقابل، وعد بيات بأن «الولايات المتحدة ستفعل كل ما يمكنها لتأمين نجاح (امانو) في منصبه كمدير عام، ومن أجل هذه الغاية، توقع أن تستمر المساهمات الأمريكية الطوعية في ميزانية الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

من جهته، كشف امانو عن رغبته في السعي للحصول على مساهمة مالية أمريكية أكبر، وهو ما عبر عنه بيات بالقول إن «امانو رأى أن «زيادة معقولة» في الميزانية العامة ستكون أمراً مساعداً».

وسارع امانو أيضاً «مباشرة عقب تعيينه» إلى الاجتماع مع مسؤولين «إسرائيليين»، والتشاور مع السفير «الإسرائيلي» يسرائيل ميكائيلي، ما جعل الأخير «واثقاً تماماً من أن امانو سيعطي الأولوية لمسائل التحقق» (من الانتشار النووي). وكان ذلك مؤشراً آخر على أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحت قيادة امانو ستعتمد خطاً متشدداً ضد الطموحات النووية المزعومة لإيران، بينما ستتجاهل الترسانة النووية غير المعلنة لـ «إسرائيل».

وكشف ميكائيلي أيضاً أن التصريحات العلنية لامانو بشأن «عدم وجود أدلة على سعي إيران للحصول على قدرات لصنع أسلحة نووية» كانت مجرد مسرحية هدفها «اقناع أولئك الذين لم يكونوا يؤيدون انتخابه بأنه غير متحيز». وفي الحقيقة، لم يكن امانو ينوي اطلاقاً أن يكون «غير متحيز».

وفي إحدى البرقيات، ابلغ بيات وزارة الخارجية الأمريكية بأن امانو وافق على إجراء «مشاورات» سرية مع رئيس لجنة الطاقة الذرية «الإسرائيلية». وكانت الغاية هي الاستماع إلى الأدلة المزعومة التي تملكها «إسرائيل» بشأن استمرار إيران في برنامج نووي عسكري، وليس مناقشة رفض «إسرائيل» التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي أو السماح لمفتشي وكالة الطاقة بدخول المواقع النووية «الإسرائيلية».

وفي برقية لاحقة بتاريخ 16 أكتوبر - تشرين الأول 2009، قالت البعثة الأمريكية في فيينا إن امانو «حرص على تأكيد تأييده للأهداف الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الوكالة. كما حرص امانو على تذكير السفير (غلين ديفيس) في مناسبات عدة بأنه (امانو) يقف كلياً إلى جانب الولايات المتحدة في كل قرار استراتيجي مهم، من تعيينات كبار المسؤولين (في الوكالة) وحتى التعامل مع البرنامج الإيراني المزعوم لصنع أسلحة نووية».

وقالت البرقية إن امانو كرر أيضاً توضيحه بأنه يحتاج إلى اخفاء نواياه الحقيقية، «وبصراحة تامة، اشار امانو إلى أهمية الاستمرار في «غموض بناء» بشأن خططه، على الأقل حتى يتسلم المنصب من المدير العام البرادعي في ديسمبر - كانون الأول 2009.

بكلمات أخرى، الصورة التي تنكشف عن امانو هي صورة بيروقراطي يتوق لإرضاء الولايات المتحدة و«إسرائيل» في ما يتعلق بالبرنامج النووي لإيران.

وكل ذلك يفترض أن يشكل أدلة تؤثر في قرار الأمريكيين بشأن ما إذا كان يتعين أن يثقوا أم لا في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولكن يبدو أن كبريات وسائل الإعلام رأت أنه ليس من الضروري أن يعرف الشعب الأمريكي بهذه الوقائع، التي اقتصر العلم بها على عدد محدود من مواقع الإنترنت.

[**مزاعم خطرة*]

هناك الآن سيل من مزاعم تتعلق بإيران، تماماً كما كانت الحال مع العراق، وسط زخم اندفاع نحو حرب. وكما كانت الحال مع الرئيس العراقي صدام حسين، فإن وسائل الإعلام الإخبارية الأمريكية تعامل الآن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد باعتباره الشرير المرصود الذي تصور كل كلمة يتفوه بها على أنها خطرة أو مجنونة. وحتى شخصيات إعلامية تنتمي إلى يسار الوسط تتحدث اليوم بلهجة عنيفة ضد نجاد، تماماً كما فعل العديد من «الليبراليين» في ما يتعلق بصدام حسين.

وكما حدث مع العراق أيضاً - عندما تضافرت عقوبات اقتصادية قاسية مع حشود عسكرية أمريكية لتجعل التصعيد باتجاه الحرب شبه حتمي - فإن مسلسل تشديد العقوبات الغربية على إيران يدفع مختلف الأطراف أكثر فأكثر نحو الحرب.

وفي نوفمبر - تشرين الثاني، أدى غضب الإيرانيين إزاء عقوبات متصاعدة وأعمال عدائية أخرى إلى هجوم على السفارة البريطانية في طهران، ما أدى بدوره إلى رفع مطالب أوروبية جديدة لفرض حظر شامل على البترول الإيراني. ومع ازدياد حدة التوترات، زاد مجلس الشيوخ الأمريكي الأمور سوءاً بتصويته بإجماع أعضائه المئة على فرض عقوبات اقسى على إيران.

في المقابل، هددت إيران بالرد على الحرب الاقتصادية التي أعلنها الغرب بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره خمس بترول العالم، ما رفع أسعار النفط وهز اقتصادات الغرب المهتزة أصلاً. ورداً على هذا التهديد الإيراني، رفع العديد من السياسيين الأمريكيين من حدة لهجتهم الميالة للقتال، خصوصاً منهم الجمهوريين الطامحين للرئاسة والذين نددوا بالرئيس باراك أوباما الذي رأوا أنه لم يكن حازماً بالقدر الكافي إزاء إيران.

وباستثناء الجمهوري رون بول، أكد الجمهوريون الطامحون للرئاسة، بمن فيهم ميت رومي ونيوت غينغريتش، استعدادهم الانضمام إلى «إسرائيل» من أجل شن حرب على إيران. وأوكل رومني مهمة وضع أجندته للسياسة الخارجية إلى محافظين جدد بارزين، في حين ذهب غينغريتش إلى حد التلويح بغزو شامل لإيران تشنه الولايات المتحدة و«إسرائيل» من أجل فرض «تغيير النظام».

وبينما أخذ معظم السياسيين ووسائل الإعلام الأمريكيين يتحدثون عن إيران باللغة ذاتها التي تحدثوا بها عن غزو العراق، بدا أن العقبتين الرئيستين أمام حرب جديدة هما الرئيس أوباما ووزير الدفاع ليون بانيتا. وأفاد مسؤولون وتقارير إعلامية أن كلا الرجلين عارضا في أحاديث خاصة شن حرب على إيران، خلافاً لما كانت عليه حال الرئيس جورج بوش ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد في ما يتعلق بالعراق.

ومع أن أوباما وبانيتا تحدثا بلهجة قوية بشأن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة»، فإن إدارة أوباما تمكنت من ادخال ثغرات في تشريع معاد لإيران اعتمده مجلس الشيوخ، وهي ثغرات تتيح للرئيس تعليق تطبيق عقوبات على إيران إذا رأى أن مثل هذه العقوبات ستهدد الأمن القومي الأمريكي أو الاقتصاد الأمريكي.

وقد ابلغني مصدر استخباراتي أن أوباما يلعب لعبة دقيقة، يسعى من خلالها إلى تهدئة مشاعر الصقور المعادين لإيران في «إسرائيل» والكونغرس، بينما يواصل سعيه إلى ترتيبات أمنية على مستوى الشرق الأوسط تكون إيران شريكة فيها. ومع نهاية العام 2011، كان مسؤولو إدارة أوباما يحاولون تخفيف اللهجة المعادية لإيران في وسائل الإعلام الأمريكية.

ومع ذلك، لا يزال يتعين الانتظار لمعرفة ما إذا كان أوباما قادراً على تفادي نشوب نزاع عنيف مع إيران، ومع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية - واستمرار المرشحين الجمهوريين في مهاجمة أوباما باعتباره «ليناً» مع إيران - فإن هجوماً «إسرائيلياً» على إيران أو سوء حسابات من قبل إيران يمكن أن يجعل اندلاع حرب حتمياً.

في هذه الأثناء، تبذل كبريات وسائل الإعلام الأمريكية كل جهد ممكن من أجل تعبئة الشعب الأمريكي خلف حرب جديدة.

[**ازدواجية معايير مفضوحة*]

في موقع «انفورميشن كليرينغ هاوس»، انتقد الصحافي الأمريكي بيتر سيموندز وسائل الإعلام في بلاده لتحريضها على حرب ضد إيران. وقد رأى - خلافاً لوجهة نظر روبيرت باري - أن إدارة أوباما هي التي تهدد بحرب في منطقة الخليج وكتب يقول : موقف إدارة أوباما الميال للقتال تجاه إيران يهيئ المسرح لانزلاق خطر نحو حرب في منطقة الخليج، وبعد أن استفزت الولايات المتحدة إيران باقرارها تشريعاً يفرض ما يعادل حظراً نفطياً، ها هي تهددها الآن بعمل عسكري إذا ردت بإغلاق مضيق هرمز.

وعلى الفور، صبت الصحافة الزيت على النار بدعمها إدارة أوباما وتشنيعها بإيران. وفي افتتاحية يوم 29 ديسمبر- كانون الأول، قدمت صحيفة «نيويورك تايمز» دعماً كاملاً لتهديد إدارة أوباما بعمل عسكري ضد أية محاولة إيرانية لإغلاق مضيق هرمز. ودانت الافتتاحية إيران على «رعونتها وازدرائها للقانون الدولي»، وقالت إن «هذه حكومة ينبغي ألا يقبل أي بلد في العالم أن تمتلك أسلحة نووية».

وذهب قسم من وسائل الإعلام إلى أبعد من ذلك، ليجعل من نفسه بوقاً باسم دوائر حاكمة في الولايات المتحدة و«إسرائيل» تدعو لهجوم وقائي على إيران من أجل تدمير منشآتها النووية والعسكرية. واستغلت افتتاحية لصحيفة «وول ستريت جورنال» التوترات بشأن مضيق هرمز، فحذرت من «خطر نظام إيراني معزز بقدرات نووية»، وخلصت إلى القول إنه سيكون «من الأفضل القيام بعمل الآن من أجل وقف إيران».

هذا استخفاف مذهل. فبعد أن شنت الولايات المتحدة حربين عدوانيتين ضد أفغانستان والعراق، ودعمت عملية حلف الأطلسي في ليبيا، ها هي تزكي التوترات الآن في الخليج، برعونة وتعمد، من خلال التهديد بعقوبات بالغة القسوة ضد أية شركة أجنبية تتعامل مع البنك المركزي الإيراني، ما يعني عملياً وقف صادرات النفط الإيرانية. وليس مما يدعو للدهشة أن تكون طهران قد ردت على عمل يعد حرباً اقتصادية ويمكن أن يؤدي إلى انهيار اقتصادها الهش أصلاً.

ووسائل الإعلام تلتزم الصمت إزاء نفاق واشنطن المفضوح بمطالبتها بوقف برامج إيران النووية بينما هي تدعم الدولة الوحيدة المسلحة نوويا في الشرق الأوسط - حليفتها «إسرائيل» - والمشهورة بحروبها العدوانية، وهذا الكيل الفاضح بمكيالين يؤكد واقع أن نزعة إدارة أوباما القتالية تجاه إيران لا صلة لها ب «الخطر النووي»، تماماً كما لم يكن لـ «الإرهاب» وأسلحة الدمار الشامل صلة بحربي أفغانستان والعراق.

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165536

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165536 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010