الاثنين 9 كانون الثاني (يناير) 2012

بعد الفشل في سورية .. أميركا تلجأ إلى الإرهاب

الاثنين 9 كانون الثاني (يناير) 2012 par د. أمين محمد حطيط

مع خروج جيش الاحتلال الأميركي من العراق قال أوباما «وداعاً للحروب»، مرفقاً قوله بالتعهد بالمحافظة على قوة الجيش، بما يجعله متقدماً او متفوقاً على أي جيش في العالم، ومع وعد بتأمين مصالح أميركا في العالم بالطرق المناسبة، نافياً أن يكون تحوله الى المحيط الهادئ تخلياً عن «الشرق الأوسط»، وخاصة ان أميركا نفسها وفي المفهوم الاستراتيجي الذي اعتمدته لـ «الناتو» أكدت على هذه المنطقة باعتبارها المنطقة الإستراتيجية الحيوية الأولى في العالم بالنسبة لها وللغرب. حيال هذا المشهد كان للمتابع أن يتساءل : كيف ستحمي أميركا مصالحها بعد هذا الانكفاء العسكري المباشر، وبعد الالتزام بعدم فتح الجبهات لقواها العسكرية التقليدية؟‏

هنا يجد الباحث أولاً في نص إستراتيجية الأطلسي الجديدة عبارات ترشده الى النوايا الأميركية ثم يجد حالات تطبيقية في كل من العراق وليبيا والسودان تؤكد القرار الأميركي ومن خلال كل ذلك نستطيع القول بان «استراتيجية الفوضى الخلاقة» التي أعلنها الجمهوريون لم تطو مع خروج بوش من البيت الأبيض، لكن أسلوب تنفيذها مع الديمقراطيين تغير دون تغيير في الثوابت من الأهداف.‏

وفي نظرة على النصوص الناظمة نجد أن عبارات «الأزمات» و«خلايا إدارة الأزمات»، و«الإنهاك الداخلي» و«التآكل الذاتي»، هي عبارات تحفل بها الدراسات الإستراتيجية الأميركية اليوم وتتصدر القرارات او التقارير التي توصي صانع القرار بعمل ما.‏

وفي الميدان نجد أن العراق الذي لم يستجب لأميركا بتمديد الاتفاقية الأمنية كما أرادت، بات بعد الانكفاء العسكري الأميركي المباشر مرتعاً للقلق على وحدته واستقراره وأمنه بسبب اليد الإرهابية التي تدير عملياتها بتوجيه أميركي، والمواقف السياسية التي تتحرك استجابة للأوامر الأميركية والتي لم يخجل مطلقوها بمطالبة أميركا بالعودة وممارسة نفوذها من اجل إقامة حكومة عراقية «متوازنة».‏

وقبل الانسحاب من العراق كانت أميركا قد أنجزت واطمأنت الى تنفيذ التقسيم في السودان، حيث واكب التنفيذ عملية عسكرية أطلسية جوية نفذت ضد ليبيا فاقتلعت نظامها، ودمرت بنيتها، وشتت قواها وأحالت البلاد اليوم الى بلد يصعب حكمه او السيطرة عليه، ما جعل المسؤول الانتقالي عنه يقول بان الحرب الأهلية والفوضى الشاملة هي اليوم اخطر التهديدات لليبيا والتي لا تملك سلطتها ما يحول دونها.‏

وفي سورية، حيث حطت الأزمة المفتعلة برحالها منذ ما يكاد يقترب من السنة، حشدت أميركا كل متاح ومتيسر من مال وإعلام وقوى سياسية محلية وإقليمية وعربية ودولية، وانطلقت متصورة بأنها ستطيح بسورية وحدة ونظاماً وقوة إستراتيجية، بمهلة لا تتجاوز صيف 2011 وفي ابعد تقدير نهاية السنة الماضية ليترافق الانهيار السوري كما خططت مع الانسحاب الأميركي من العراق، فيكون الانجاز تعويضاً للانسحاب أولاً ثم التفافاً عليه ثانياً.‏

لكن الميادين السورية كذبت الحسابات الأميركية حيث صمدت سورية وأسقطت كل الرهانات، وهنا كانت أميركا أمام خيار مما يلي :‏

- الانكفاء والتسليم بالهزيمة والسعي الى إعادة ترتيب الأوراق وفقا للمتغيرات المستجدة.‏

- الهجوم العسكري المباشر واحتلال سورية بإعادة التجربة العراقية وإدارة الظهر لمجلس الأمن المقفل أمامها بالفيتو الروسي - الصيني.‏

- الاستعاضة عن العمل العسكري المباشر، بحرب بديلة مركبة تؤمن الأهداف ولا تتسبب بخسائر لأميركا.‏

وفي المفاضلة كان منطقياً أن لا تتقبل أميركا فكرة الانكفاء لان فيها التخلي عن أهم منطقة في «الشرق الأوسط» ذات تماس مباشر مع «إسرائيل»، أما الحل الثاني أي الاحتلال على الطريقة العراقية فرغم انه يغاير الإستراتيجية الأميركية الجديدة (وداعاً للحروب)، فان ظروفه غير متوفرة مع مخاطر الحرب الإقليمية الشاملة التي ستطول نيرانها «إسرائيل» وتنفتح على احتمالات قد لا تكون مريحة لها أمناً ووجوداً.‏

وبقي أمام أميركا الحل الثالث الذي ينسجم مع استراتيجيها الجديدة وهو الاتجاه الى إشاعة الفوضى ومنع الاستقرار والإخلال الأمني وهي الحرب البديلة التي تعتمدها أميركا اليوم في سورية. حرب تقوم على القتل والتدمير واستعمال من تم تخديرهم وتصنيعهم من قبل أجهزة المخابرات مستغلة العقيدة الدينية التي يعمل على ترويجها بشكل منحرف (رجال دين ومفتون يبتدعون الفتاوى التي ما انزل الله بها من سلطان) وان لم تسعف هذه الفتاوى رجال المخابرات فيكون الحل بالمخدرات التي تحول الأشخاص الى أدوات تنفيذية لا فكر لها ولا إرادة ولا تمييز. وهكذا يكون تصنيع الأدوات بتخدير وعمى ينتجه فكر ديني محرّف، او برؤى تثير العصبية الجاهلية، وأخيراً بالتخدير العضوي ويضاف إليهم أصحاب شهوة السلطة ممن هم أصلاً نكرات في مجتمعهم.‏

أما التسمية المتداولة لهذه الحرب البديلة فهي «الثورة الشعبية» لطلب «الحرية والإصلاح وإقامة حكومة العدل»، ثورة يكون سلاحها أولاً الجمهور إن توفر، وإلا وبكل بساطة «الإرهاب». وهو السلاح السحري الذي تراه أميركا حلاً لمعضلتها اعتمدته سابقاً وتعتمده أمس.‏

لقد أسعف الإرهاب أميركا عندما مارسته، وخدمها عندما قررت او ادعت محاربته. خاصة وأنها تكيف مفهوم الإرهاب حسب مصالحها، وهنا ندرك سبب رفضها لتعريف الإرهاب ووضع معايير ثابتة له كما طالب الرئيس حافظ الأسد أكثر من مرة، ففي حين تعتمد أميركا للإرهاب مفهوماً مرناً متحركاً يحدد حسب المصلحة الأميركية ما جعلها تصنف المقاومة إرهاباً، وإرهاب الدولة (إسرائيل) دفاعاً عن النفس، نرد عليها بالفقه القانوني الدولي معرفين الإرهاب بأنه العنف الممارس ضد مدنيين أبرياء من اجل الضغط للوصول الى مصلحة غير مشروعة، وبأنه كل عنف يصيب شخصاً بريئاً في جسده او أمنه او ماله (وهذا ما نقول به).‏

لقد دعت أميركا المسلحين السوريين الى رفض إلقاء السلاح و«مقاومة السلطة» ثم طورت توجيههم الى تنفيذ تفجيرات متكررة في الأحياء الأهلة لقتل الأبرياء عشوائياً، ما يرسم مشهداً إرهابياً من غير نقاش، ومن اجل التفلت من المسؤولية المباشرة تقدم أميركا على الإدانة الخجولة للجرائم هذه ثم تدفع عملاءها مما يسمى مجلس اسطنبول الى تحميل النظام المسؤولية بشكل يثير السخرية والضحك.‏

لقد اختار الإرهاب المخطط هدفه في المكان بما يخدم الإستراتيجية الأميركية لجهة زج دمشق في دائرة النار بعد أن رفضت الاستجابة للدعوات بالتظاهر، فخيبت آمال مخططي أحداث سوريا فأرادوا معاقبتها وجعلها اسماً متداولاً في أخبار الاضطرابات والفوضى على الطريقة الأميركية. وبهذا نصل الى القول اليقيني أن أميركا لم تدفع من تديرهم الى الإرهاب إلا لأنها عاجزة عن العمل في سوريا بأساليب أخرى ونصل الى السؤال : هل ستحقق أميركا أهدافها بالإرهاب؟ لقد أثبتت سوريا قوة لم يكن يتوقعها احد، لذا نرى أن مواجهة السلاح الأخير المتبقي باليد الأميركية أمر سهل وصعب في الآن ذاته.‏

- فهو سهل إذا طور الشعب حذره ويقظته ومارس ما نسميه مبدأ «كل مواطن خفير» وراقب كل شخص محيطه وبلور الشعب منظومة فاعلة من المراقبة والتدخل من غير سلاح (يكفي البصر للكشف والإعلام) تتكامل مع منظومة الأمن الرسمي للمعالجة والتعقب بحذر وشدة.‏

- وهو صعب إذا استطاع الإرهاب أن يؤثر على العنفوان الشعبي ودفع الناس الى الانكفاء في بيوتهم وإخلاء الساحات للإرهابيين وتعطيل الحياة العامة.‏

لكن معرفتنا بالشعب السوري تجعلنا نقول بان أميركا لن تحقق بالإرهاب ما عجزت عنه بالوسائل الأخرى بعد فشل التظاهر المدني وفشل إقامة المناطق المعزولة ثم فشل شق الجيش والدولة .. فشل تلا فشل ولم يبق في اليد الأميركية إلا الإرهاب.‏



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2180785

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2180785 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40