الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012

هل الخلاف مميت بين «الإحياءين» السني والشيعي؟

الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012 par د. حبيب فيَّاض

وزير خارجية تركيا ينعى «الإحياء الشيعي» في المنطقة، ويبشر بولادة «الإحياء السني» من رحم الثورات العربية. وفيما يبدو انه تحذير تركي لإيران بضرورة تحمل التبعات في حال رفضت طهران تمدد أنقرة الإقليمي يقول أوغلو : «إيران، بالخيارات التي ستعتمدها، سيكون لها تأثير، إما في الاتجاه السلبي أو بالاتجاه الايجابي. سوف توضع أسس المئة عام المقبلة. وعلى كل طرف أن يحدد موقفه تبعاً لذلك». ويضيف رئيس الدبلوماسية التركية مخاطباً الإيرانيين «إذا ظهر أن إيران هي التي تقف خلف الصدامات المذهبية في سوريا ولبنان والعراق فماذا ستفعلون؟ وكيف ستقيمون علاقات مع جبهة سنية تقف بوجهكم؟ السنّة سوف يتكتلون ضدكم. عليكم إجراء حسابات بهذا الصدد».

كلام صاحب نظرية تصفير المشاكل، الذي جاء في أعقاب زيارته الأخيرة الفاشلة الى طهران، اقرب الى المبالغة والتهويل منه الى الجدية في توصيف الواقع. الموقف التركي يرمي الى دفع الدور الإيراني في الإقليم الى التراجع تحت وطأة التلويح بالمواجهة المذهبية. وليس استحضار مقولة الإحياء، من أدبيات عصر النهضة أمراً بريئاً، بل يراد منه إعادة إنتاج عثمانية جديدة وربطها بمشروع نهضوي، على طريقة رائد عصر النهضة جمال الدين الأفغاني. يقول هذا الأخير : إن عوامل النهوض، حال توفرها، هي نفسها عوامل السقوط في حال انتفائها. الثورات العربية، في الرؤية التركية، توفر عامل نهوض الدور التركي الإقليمي بعد سبات امتد عقوداً طويلة.

النهوض التركي يراد منه توسيع نفوذ أنقرة في الإقليم، لكن من خلال تعميم النموذج، وليس على طريقة التمدد الإمبراطوري. النموذج هذا، بشكله الراهن، يستند الى قوة الفكرة في الجذب أكثر مما يستند الى أي عنصر آخر. حزب «العدالة والتنمية» يؤمن، بأن الإسلام التركي وحده قادر على ردم الهوة الحضارية بين الإسلام والغرب بعيداً عن منطق التحدي والغلبة. لهذا يتمحور الدور التركي، في زمن الثورات العربية، على تدجين الإسلاميين مقابل اعتراف غربي بشرعية وجودهم في السلطة.

في الأصل، لم يكن التباين بين المشروعين التركي والإيراني نابعاً من اعتبارات مذهبية. الدور التركي الجديد، يدفع أنقرة، على خلفية الثورات العربية، الى التهويل بالخلاف المذهبي بوصفه تأشيرة عبور للتوازن الإقليمي مع طهران. قبل الآن، قام المشروع التركي - منذ بداية عهد العدالة والتنمية - على ثلاثية المصالحة مع الغرب تمهيداً للشراكة معه، التمسك بالإسلام المعتدل في المجتمع والسلطة مقدمة لتعميمه، التوتير مع «إسرائيل» جلباً للتأييد العربي والإسلامي. بالمقابل، يقوم مشروع إيران الإقليمي على ثلاثية مباينة : التوازن والندية مع الغرب تمهيداً لإخراجه من المنطقة، الإسلام المبدئي في المجتمع والدولة تعزيزاً لمنطق السيادة، العداء النهائي لـ «إسرائيل» مقدمة لإزالتها عن الخارطة.

توزعَ الحضور الشيعي في الإقليم على أربعة أنماط: دولة في إيران، سلطة في العراق، مقاومة في لبنان، أقليات معارضة في دول الخليج. الحضور هذا كان وما زال يتحرك ضمن «إحيائية» استمدت ديناميتها من تبني القضايا المشتركة للمسلمين، وإذا كان الحراك الشيعي في موقع ما يتمظهر على شكل خصوصية مذهبية، فإن القاعدة التي تحكم ذلك، غالباً ما تكون دفع الضرر وليس جلب المنفعة. والفارق بين الأمرين كبير.

لإيران، الجمهورية الإسلامية، مصالح غالباً ما تتخلى عنها من اجل مبادئها، فيما لتركيا، «حزب العدالة والتنمية»، مبادئ غالباً ما تضعها جانباً في سبيل مصالحها. مبادئ الأولى ستلتقي مع مصالح الثانية عند ضرورة الابتعاد عن المواجهة الساخنة والفتنة المذهبية، وكل ما دون ذلك ممكن بينهما.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2178846

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178846 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 33


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40