الأربعاء 25 كانون الثاني (يناير) 2012

زمن العروبة قد دنا

الأربعاء 25 كانون الثاني (يناير) 2012 par ميخائيل عوض

على الرغم من عاصفة الخلافات السياسية والنظرية حول الثورات العربية ونتائجها التي تحققت حتى اللحظة، وما أثاره وصول جماعات الإسلام السياسي إلى السلطات في كل من ليبيا ومصر وتونس، وتقدمهم في المغرب واليمن، وما تحمله الأيام من تطورات، تبقى الحقيقة ساطعة، وتفيد بأن العرب عادوا إلى التاريخ والجغرافية ومهنة صناعة التاريخ الإنساني.

فالثورة التي اجتاحت تونس وعصفت بمصر والأخريات، تميزت بالكثير من الصفات والحداثة، وفي أهم صفاتها أنها ثورة المعرفة والكرامة الإنسانية، وأنها أعادت الشعب إلى إرادة الحياة بلغة عربية فصيحة متعددة الرسائل والأدلة، وفي مقدمها ما صار على لسان الشعوب في ميادين النضالات المطلبية والسياسية، وما تشهده أميركا وأوروبا في حراكها الذي توسم بالثورات العربية الخير له أيضاً وصار يطالب بإسقاط الرئيس ويهتف “الشعب أراد ويريد الحياة”..

هي ثورة عربية بلسانها وبسرعة انتشار نارها وشمولها عموم الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، ومن لم تضرب به بعد، فالمسألة ليست أكثر من وقت وتدق ساعتها، ولن تنجوا منها واحدة من الدول والأوطان التي فصلها المستعمر قبل أن يرحل وأحكم قبضته عليها، لاسيما مشيخات الخليج، ليتحقق له استمرار النهب وتكريس التقسيم والاستفراد وفرض همينته على الجغرافيا والثروات، وتقييد حقوق وحريات البشر، وتحويلهم إلى مجرد أدوات استهلاك، لتشغيل مصانعه ولحماية مصالحه ومعالجة أزماته الاقتصادية، وأزمات مصانع سلاحه.

فسرعة انتشار الثورة، وتفاعل العرب معها بعامتهم، دليل إضافي على أنها عربية الطابع، وليست قطرية أو محصورة بالأقاليم وأزماتها، وما يفيد بأن الظرف الثوري عربي وليس مقتصراً على بيئة أو دولة واحدة..

والثورة التي ضربت بالعرب ولم تكتمل فصولاً بعد، ومازالت في مراحلها الأولى الانتقالية، لا يسيء لها البتة أن تصعد من صناديق الانتخابات، التي تجري بأقرب ما تكون الحرية والديمقراطية لأول مرة منذ عقود طويلة جماعات الإسلام السياسي، التي كمنت طويلاً، وعُرّضت لاضطهاد، ونجحت في بناء مجتمعات مضادة عبر شبكات الجمعيات الأهلية والمصالح الاقتصادية والاجتماعية ونشاطاتها الدعوية والتعبوية.

وصول جماعات الإسلام السياسي إلى السلطات بإرادة شعبية وبانتخابات حرة، أمر في غاية الأهمية والتاريخية، لاسيما في المرحلة الانتقالية للثورات، فالظروف والمهام والحاجات الملحة عناصر حاسمة في فرز الجماعات الإسلامية، كما فرزت من قبل الجماعات السياسية والنظرية الأخرى، والزمن العربي الآتي مسرعاً سيضع تلك القوى والجماعات في أعلى الهرم، وتالياً ستكون معنية فوراً بأن تقدم أجوبتها العملية على ثلاثة أسئلة محورية:

السؤال الأول: كيف ستتعامل مع قضايا الأمة ومصالحها وصياغة واقعها لصناعة مستقبلها؟ فإن كان الجواب على نفس نمط النظم التي سقطت، فلن يطول حكمها.

والسؤال الثاني: كيف ستتعامل مع الأزمات الاجتماعية والاقتصادية؟ وما هو برنامجها وممارساتها لتقديم نموذج اقتصادي اجتماعي حضاري وعادل؟ وإن جاء جوابها العملي التمسك بما كان والسير على طريقه، فالسقوط حكمياً، وأسرع من الصعود بألف مرة على الأقل.

أما السؤال الثالث: كيف ستتعامل مع الكرامة الإنسانية ومع حقوق الإنسان؟ وبأية عقلية وصياغات ومفاهيم سترسي قواعد حكمها وعلاقتها بالناس وعلاقة الناس بالنظام والدولة؟ فإن أعادت تجربة النظم الساقطة وحاولت العودة بالإنسان إلى الماضي العتيق، فستكون رصاصة الرحمة حصادها الوحيد..

العرب في ثورة، وزمنهم قد دنا، وفي أولويات مهام الثورة العربية، العودة إلى شعارات ومهام مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية وإنجازها، بعد أن علقت لنصف قرن.

فهل تفعلها جماعات الإسلام السياسي، أم تخلي الساحة سريعاً للقوى الثورية الشعبية حاملة المشروع؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2166047

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166047 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 31


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010