السبت 28 كانون الثاني (يناير) 2012

ماذا بعد فوز الإسلاميين في مصر؟

السبت 28 كانون الثاني (يناير) 2012 par غسان العزي

بعد عام واحد بالتمام والكمال على ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 يستعد الإخوان المسلمون لحكم مصر . لقد حانت الفرصة التي انتظروها منذ تأسس حزبهم على يد الشيخ حسن البنا في العام 1928 رغم أنهم لم يصنعوا الثورة، ولم يشاركوا فيها في أيامها الأولى بل فوجئوا بها كما فوجئ النظام نفسه قبل أن يلتحقوا بها فيعطوها زخماً أفادها وأفادهم . ولم يكن مفاجئاً فوزهم في الانتخابات إذ إنهم لطالما كانوا الجماعة الأكثر تنظيماً وشعبية ربما بسبب ما تعرضوا له من تنكيل واضطهاد على يد النظام المصري .

قد يبدو للمراقب أن فوز الإسلاميين في مصر بعد تونس والمغرب دليل على أن النموذج التركي هو ما يتعمم أمامنا في العالم العربي، بدليل أن الولايات المتحدة نفسها تبارك فوزهم بعد أن شنت عليهم حرباً ضروساً منذ العام 2001 على الأقل . بالطبع تدل تصريحات المسؤولين الأمريكيين على استعدادهم للتعامل مع عالم عربي جديد يقوده الإسلام السياسي على أنقاض فكرة القومية العربية التي اندحرت بفعل ما عانته من أنظمة استخدمتها كتجارة وشعارات ممجوجة . والولايات المتحدة تعرف الإسلام السياسي حتى المتشدد منه بل كانت حليفاً لبعضه خلال الحرب الباردة، وفي الجبهة الأفغانية ضد الاحتلال السوفييتي .

بيد أنه إذا كان حرب النهضة التونسي قد أعلن على لسان زعيمه راشد الغنوشي بأنه معجب بالنموذج التركي إلا أن الإسلاميين في مصر لم يوافقوا على ما قاله لهم رجب طيب أردوغان خلال زيارته الأخيرة لمصر حول فصل الدين عن الدولة .

وفي تركيا اندرج الإسلام السياسي في إطار العلمانية التي سبقته بعقود طويلة وعليها تأسست الدولة التركية المعاصرة، في حين أن الإسلام السياسي في مصر يصل إلى دولة لم تكن بالعلمانية الخالصة ولا بالإسلامية رغم المادة الثانية من الدستور . وفي تركيا جيش يسهر على حماية العلمانية ومبادئ المؤسس مصطفى كمال وثمة مؤسسات وتداول للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع التي قد تأتي بحزب يساري تارة وإسلامي طوراً، وهي تجربة يستعد لها المصريون من دون تجربة راسخة الجذور . وبكلمة موجزة فإن الإسلام السياسي ليس واحداً في المغرب وتونس وليبيا ومصر وتركيا وغيرها بل إنه ليس واحداً في كل من هذه الدول، في مصر يختلف الإخوان عن السلفيين في الكثير من الرؤى والتأويلات .

لهذه الأسباب وغيرها من الخطأ الحكم المسبق على التجربة التي تبدأ أمامنا في مصر، لاسيما أن ما ينتظر حزب العدالة والتنمية كمٌ من الملفات الشائكة والمشاكل المعقدة المتراكمة ما يجعله في موقع لا يحسد عليه مطلقاً . والشعار الذي رفعه إلى السلطة “الإسلام هو الحل” يرتب عليه مسؤوليات جسيمة سياسية ومعنوية على الأقل . فكيف، مثلاً، سوف يتوصل إلى حل مشكلة الأربعين مليون مصري الذين يعانون البطالة أو يعيشون بدولارين في اليوم؟ الاقتصاد الحر الذي اعتنقته الدولة منذ بداية عهد الرئيس السادات أنتج ما أنتج من مصائب اجتماعية واقتصادية بسبب تغوّل طبقة طفيلية مالية وسياسية (وعسكرية إلى حد ما) لن يكون من السهل اجتثاثها نظراً لإمساكها بالكثير من القطاعات الاقتصادية وللحاجة إليها في هذه المرحلة الحساسة . وبالمقارنة فإن دولاً غنية أوروبية وأمريكية لم تنجح، رغم إمكاناتها الهائلة وتجاربها وترساناتها القانونية والفكرية، في إيجاد حلول لمشكلات أقل حدة مما يعانيه المجتمع المصري، فمن أين سيأتي النظام الجديد بالحلول، وهو مضطر لأن يبقى في الدورة الاقتصادية العالمية المعولمة ويخضع لقوانينها الجائرة؟

مما لاشك فيه أن مصر الجديدة ستكون بحاجة للمساعدات الدولية مع الشروط المترتبة عليها والتي تضيّق من هامش اتخاذ القرارات المستقلة النابعة من العقيدة الإسلامية، وهذه اشكالية لن تحلها الخطابات والمواعظ . ثم ماذا عن قطاع السياحة الأساسي للاقتصاد والذي بدأ يشعر بالتهديد نتيجة النقاش، السابق لأوانه، حول المحرمات وما يتنافى مع الشريعة؟

على صعيد السياسة الخارجية أصدر الإسلاميون إشارات متناقضة حتى الآن في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وكامب ديفيد والعلاقة مع “إسرائيل”، لكنهم سوف يضطرون إلى توضيح مواقفهم عما قريب مما يجعلهم بين سندان الشعب الذي انتخبهم ومطرقة العلاقة مع الغرب عموماً والولايات المتحدة التي يحتاجون إليها . والأمر نفسه ينسحب على علاقتهم المستقبلية بإيران على سبيل المثال وحماس والسلطة الفلسطينية والأقليات الدينية وغيرها .

تطول قائمة الإشكاليات التي تنتصب أمام النظام المصري الناشئ، ومما لاشك فيه أن المعارضة شيء والحكم شيء آخر مختلف تماماً . وكل الخوف من أن تكون مباركة الولايات المتحدة وأوروبا للإسلاميين هي مجرد تطبيق لقناعة بعض المفكرين الغربيين القريبين من القرار مثل الفرنسي أوليفييه روا والأمريكي ريتشارد هاس، والقائلة إن أفضل طريقة لنزع القناع عن الإسلاميين وتجريدهم من المصداقية هي في تركهم يصلون إلى السلطة وبأن الإسلام المعتدل هو خير من يتصدى للإسلام المتطرف وتحقيق ما عجزت عنه الترسانات العسكرية والأمنية والاستخباراتية الأمريكية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165961

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165961 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010