إذا لم أكن مخطئا فإن الملايين الذين خرجوا يوم 25 يناير الماضى لم يهتفوا فقط ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة وإنما كانوا يبعثون برسالة للبرلمان أيضا خلاصتها أن «الميدان» لا يزال رقما حيويا فى المعادلة السياسية.
قد لا يعجب هذا الكلام أعضاء مجلس الشعب خصوصا أصحاب الأغلبية، لكن علينا أن نناقشه بعمق من الآن حتى لا نجد أنفسنا ذات يوم قريب والشرخ قد ازداد اتساعا بين المجلس والميدان.
لا أرى تعارضا بين شرعية المجلس وشرعية الميدان، و أى شخص أو تيار يحاول التقليل أو التشكيك فى دور مجلس الشعب فإنه يرتكب خطأً فادحا لأن هذا المجلس هو حصاد إرادة الشعب.
المؤكد أن الذين خرجوا يوم الأربعاء الماضى كانوا من جميع القوى، وكان هناك مواطنون عاديون، ربما ذهبوا للفرجة و للاحتفال، وبالطبع كان هناك أنصار التيار الدينى لكن الذى أتحدث عنه هم الشباب المنظمون الذين جاءوا فى مسيرات منظمة من ميادين محددة فى القاهرة وغالبية المحافظات.
رأيت هؤلاء ظهر الأربعاء يتدفقون كالطوفان فى شارع البطل أحمد عبدالعزيز بالمهندسين فى طريقهم للتحرير.. تمعنت فى وجوههم وملابسهم وهيئتهم الاجتماعية.
هم يشبهون تماما أولئك الذين فجروا الثورة منذ عام، هم أبناء الطبقة الوسطى بامتياز ، الفتيات المشاركات لم تكن كلهن محجبات.
عندما ذهبت إلى الميدان بعد عصر اليوم نفسه كانت هذه النوعية هى الغالبة على الحاضرين أيضا.
هؤلاء المتظاهرون هتفوا ضد المجلس العسكرى كثيرا بالطبع، لكنهم كانوا يهتفون أيضا مع الديمقراطية والدولة المدنية ــ التى هى نقيض الدولة الدينية أو العسكرية ــ وبالطبع هتفوا لصالح العدالة الاجتماعية.
لا يخفى على أحد أن كثيرين راهنوا على أن الجماهير لن تنزل الشارع بكثافة مرة أخرى، كما أن آخرين اعتقدوا أن مجرد وجود برلمان منتخب يعنى عودة الناس لبيوتهم.. والمؤكد أن غالبية النواب يتمنون «أن يتركهم ميدان التحرير فى حالهم» لكن ضخامة أعداد من نزلوا ينبغى أن يصل مغزاها لمن يهمه الأمر.
فى أوقات الاستقرار فإن الشعب ينتخب نوابه لمدة أربع سنوات مثلا وبعدها يحاسبهم بتجديد ثقته فيهم أو انتخاب غيرهم، الآن يبدو أن هذا النمط غير قابل للتكرار، فالشعب متحفز ويريد محاسبة نوابه جلسة بجلسة، بل إنه يريد منهم تعهدات حتى قبل بداية الجلسات العادية وقبل انتخاب اللجان الانتخابية نفسها.
قلبى متعاطف مع النواب، فهذا المجلس لن يكون كسابقه، وعضوية البرلمان لن تكون هى التى تمنح «الحصانة والأبَّهة والبزنسة» ، هى عبء ثقيل وربما من سوء حظ نواب هذه الدورة أن ميدان التحرير لا يبعد سوى خطوات عن البرلمان.
جزء كبير من المتظاهرين يشعرون بالإحباط لأن معظم المطالب الجوهرية للثورة لم تتحقق، وحتى ممثليهم لم يدخلوا المجلس، وبالتالى يمكن تفهم إصرارهم على مراقبة المجلس يوميا.
هذا البرلمان عليه ألا يتصادم مع الميدان، وعلى الميدان أن يدرك أيضا أنه ليس بديلا عن البرلمان ولن يكون.
أسابيع أو شهور ويعود المجلس العسكرى إلى أداء مهماته الطبيعية وهى حماية الحدود، ووقتها فإن كل الشحنة الموجهة من الشباب ضد « العسكرى» سوف تتوجه آليا إلى مجلس الشعب ومساءلة أحزابه ونوابه كل لحظة؟!.
على أعضاء البرلمان تذكر أن بعض زملائهم لديهم أجهزة «آى باد» متطورة وحساباتهم على تويتر نشطة جدا وبالتالى فكل همسة أو لمسة داخل البرلمان ستكون معروفة للجميع فى نفس اللحظة.