الأحد 6 حزيران (يونيو) 2010

دروس أم الهزائم العربية..!

الأحد 6 حزيران (يونيو) 2010 par شاكر الجوهري

عدم إحياء ذكرى هزيمة حزيران، من قبل النظام العربي، ووسائل الإعلام الرسمية، يصب في ذات الإتجاه الذي تمثل بداية في اطلاق تسمية نكسة على الهزيمة المفجعة التي حلت بالأمة العربية، ولا نزال ندفع ثمنها منذ ذلك الوقت، وحتى الآن، على مدى ثلاثة وأربعون عاماً.

محاولة خداع الرأي العام بدأت قبل أن يعلن قرار وقف اطلاق النار، ولم يتوقف بعده.

الذين عاشوا تلك المرحلة المخزية من تاريخ الأمة، يذكرون ثلاثة أمور لا يمكن نسيانها مورست علينا اسرائيلياً من قبيل الحرب النفسية التي لم ترحم دموع رجال الأمة، وهي تنهمر مثل دموع النساء:

الأول : اغنية “أكلك مين يا بطة” لصباح، التي كانت تبثها اذاعة اسرائيل الناطقة بالعربية، بعد اذاعة كل بلاغ عسكري اسرائيلي يعلن احتلال المزيد من الأراضي العربية، مستدرة المزيد من دموع العجز، ونحن نواجه دبابات الإحتلال بالدموع، لأننا جردنا من غيرها..!

لقد كان يتصور كل واحد منا نفسه أنه بطة معرضة لأن تأكلها قوات الإحتلال..؟

الأمر الثاني : تسجيل المكالمة اللاسلكية التي جرت بين الراحلين جمال عبد الناصر، والملك حسين، التي تم اعتراضها من قبل الجانب الإسرائيلي، وأخذات اذاعة اسرائيل تكرر بثها على مدار ساعات اليوم.

النص شبه الحرفي لتلك المكالمة، كما تحتفظ به الذاكرة المتعبة بهزائم النظام العربي، يقول فيه عبد الناصر للملك : “خلينا نقول إن طائرات اميركية وبريطانية شاركت في العدوان إلى جانب اسرائيل.. احنا نطلع بيان، وجلالتك تطلع بيان، ونخلي أخواننا السوريين يطلعوا بيان”..!

الأمر الثالث : “العبط” الذي تصرف به مواطنو الضفة الغربية، حين خرجوا إلى الشوارع يستقبلون رقصا وفرحاً دبابات الإحتلال الإسرائيلي التي دخلت مدنهم وبلداتهم ترفع الأعلام العراقية والجزائرية، وصور الرئيسين الراحلين هواري بومدين وعبد الرحمن عارف..!

مساكين الإسرائيليون.. اعتقدوا أن شعبنا كان مسلحا، فأرادوا خداعه، فوق الخداع الذي عرضه له النظام العربي..!

لم يكن سبب هذا السلوك كله “عبطا”.. إذ أن أحداً لم يكن يتوقع الهزيمة.. خاصة هزيمة جيش “الأسمر عبد الناصر”، كما كانت تهتف له الجماهير من المحيط إلى الخليج، وكذلك لصواريخ القاهر والظافر والناصر، التي أكدت الأيام أنها لم تكن أكثر من دمى تنكية للضحك على ذقون الشعوب العربية، بعد أن كانت تراهن على تحرير فلسطين بها..!

في ذات السياق، أعلن في حينه أن من اسباب الهزيمة، التي أسميت نكسة، أن القيادة العسكرية المصرية توقعت قدوم الطائرات الإسرائيلية من الشرق، فباغتتها بالمجيئ من الغرب..!!

بالطبع، لو كان الطيارون المصريون لم يناموا ليلة العدوان، التي سبق لعبد الناصر أن أبلغ بها قائده العسكري الفذ المشير عبد الحكيم عامر؛ لو كانوا لم يناموا مسطولين من المشروبات الروحية والحشيشة، التي تناولوها على انغام و“طعوجات” الراقصة سهير زكي في مقر القيادة العسكرية المتقدمة في سيناء..!، لما أفرقت معهم الجهة الجغرافية التي ستأتي منها الطائرات المغيرة..؟

بعد أن وضعت الحرب اوزارها، تواصلت محاولات تضليل الرأي العام العربي عبر اجرائين اساسيين :

الأول : بيان التنحي الذي جاء في وقت كان تفجر فيه الخلاف بين عبد الناصر وعامر على السلطة..!

الثاني : لاءات قمة الخرطوم في السنة التالية. ففي آب/ اغسطس 1968 خرجت علينا قمة الخرطوم العربية بلاءات ثلاث وجهت للرأي العام العربي، وشعار جديد وجه للولايات المتحدة واوربا واسرائيل.

اللاءات الثلاث التي رفعتها، وهتفت لها الجماهير المغيبة عن الوعي بفضل إعلام الأنظمة، “لا اعتراف.. لا تفاوض.. لا سلام”.

أما الشعار الذي رفع ليسمعه الغرب واسرائيل فكان “إزالة آثار العدوان”.. أي الإعتراف بإسرائيل ضمن حدود 1948، ومطالبتها بالإنسحاب عما احتلته من أراض سنة 1967..!

وقد كان هذا هو الشعار الحقيقي الذي عمل النظام العربي على تحقيقه من خلال المفاوضات المفضية إلى الإعتراف والسلام رغما عن أنف الشعوب..!!

وقد أدى ذلك إلى قبول مصر سنة 1970، وقبيل فتنة ايلول/ سبتمبر في الأردن من ذلك العام، بمبادرة روجرز للسلام، موفرة ظرفا موضوعيا لإطلاق شرارة الفتنة في الأردن..!

أين تكمن الأسباب الحقيقية للهزيمة..؟

هذا هو السؤال المركزي الذي لم، ولا يريد النظام العربي الإجابة عليه..

الأسباب الموضوعية ممثلة بالإنحياز الأميركي والاوروبي لإسرائيل، اشبعت اجتراراً، ولكن ماذا عن الأسباب الذاتية التي لا تزال قائمة فينا..؟

تتخلص هذه الأسباب في العوامل التالية :

أولاً : تغييب الديمقراطية الحقيقية.. أي ابعاد الشعب عن دائرة صنع القرار.

هنالك سببان رئيسان يقفان وراء المواقف المشرفة الحالية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان :

1- اخلاص الرجل.

2- ديمقراطية النظام التركي، وهو ما يعني فشل اردوغان في الإنتخابات المقبلة لو لم يتخذ المواقف التي اتخذها إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضية اسطول الحرية لغزة..!

ثانياً : ابعاد الجماهير عن القيام بدورها في مواجهة العدو. وكانت آخر مناسبة تبين فيها هذا الموقف الحاسم والحازم للنظام العربي، هي التشكيك في انتصار حزب الله في سنة 2000 وحرب 2006، وتحميل حركة “حماس” المسؤولية عن عدوان أواخر 2008 أوائل 2009.

ثالثاً : محاربة والتنكيل بالأحزاب السياسية، التي وحدها تستطيع طرح البرامج واستقطاب الرأي العام حولها، وانتخاب المؤهلين لتنفيذها.

رابعاً : غياب المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.

لو كانت هناك مساواة لما تمكن رجل في مثل ضحالة عبد الحكيم عامر من الصاق رتبة المشيرية فوق رتبته الحقيقية (رائد) وتولى منصب نائب رئيس الجمهورية، والقائد العام للقوات المسلحة المصرية..!

في السياق، هنا سؤالان مركزيان يطرحان نفسيهما :

الأول : لم انتصر الجيش الأردني في معركة الكرامة (21/3/1968) حين واجه الجيش الإسرائيلي وحده، وذلك بعد فقط قرابة العشرة أشهر من هزيمة حزيران/ يونيو 1967..؟

الثاني : هل يمكن تصور تصدي تركيا لإسرائيل على النحو الذي نراه أمام اعيننا لو لم يكن نظام الحكم فيها ديمقراطياً..؟!

أولاً : لأنه كان منتشراً ومتمركزا حيث يجب أن يكون.

ثانياً : لأنه كان متعطشاً للإنتقام لهزيمة العام السابق.

ثالثا : لأنه اعتمد على نفسه، ولم يعتمد على قيادة خارجية، كما حدث في حرب حزيران.

رابعاً : لأنه شعر بالتفاف المواطنين من حوله، ممثلين اساسا بالشعب المقاوم من خلال الحركة الفدائية.

خامساً : لأنه كان يقاتل وظهره مسنود إلى الحائط، حيث لا خط دفاع ثان عن عمان..!

أما لو كان نظام الحكم في تركيا غير ديمقراطي، فإن هذا يعني ابتداءً عدم وصول اردوغان إلى الحكم، وثانيا عدم محاسبة الشعب للحاكم، أصاب أم اخطأ..!

إن ما يجب استخلاصه من هزيمة (وليس نكسة حزيران)، هو أن الإصلاحات السياسية الديمقراطية هي الأساس الذي يصون اوطان الأمم والشعوب في مواجهة أعتى الأخطار.

ولأن النظام العربي يرفض الديمقراطية، ويغلب مصالح الحاكم الفرد على مصالح الأمة، لم يتم احياء ذكرى أم الهزائم العربية في العصر الحالي، منعا لاستخلاص النتائج التي يجب استخلاصها، وقد أخذ يفوت الأوان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2176556

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2176556 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40