الجمعة 10 شباط (فبراير) 2012

الفوضى البناءة سياسة وهمية

الجمعة 10 شباط (فبراير) 2012 par منير شفيق

أطلقت وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة كونداليزا رايس تصريحاً في أثناء فشل العدوان الصهيوني على لبنان في تموز/آب 2006، أعلنت فيه عما أسمته سياسة “الفوضى البناءة”.

كثيرون التقطوا هذه النظرية السياسية التي أسمتها كونداليزا رايس بالفوضى البناءة، فراحوا يفسّرون من خلالها سياسات الولايات المتحدة الأميركية ليس في عهد إدارة بوش الابن قحسب وإنما أيضاً في عهد إدارة أوباما-كلينتون.

طبّقوا النظرية على كل وضع سياسي نشأ في البلاد العربية بعد ذلك بما فيه الفشل الأميركي في العراق، أو في عملية التسوية، أو في مواجهة الفشل في أفغانستان وأخيراً وليس آخراً ما عرفته البلاد العربية من ثورات في العام 2010. الأمر الذي جعل الأحداث المختلفة تُعزى إلى سياسة الفوضى البناءة بما في ذلك حيث واجهت أميركا هزائم مدويّة.

ما من قوّة مسيطرة عالمياً أو داخل بلادها تذهب إلى الفوضى حيث تقع سيطرتها أو النظام الذي فرضته. ففي حالة السيطرة فالمسيطر بحاجة إلى النظام والضبط وليس إلى الفوضى. فمن يحتاج الفوضى في صفوفه إنما هم أعداؤه وخصومه.

ولهذا لم يسبق لأميركا أن تحدثت عن نظرية “الفوضى الخلاقة” أيام قوّتها وتمدّد نفوذها، وإلاّ كانت تحاول أن تفيد من الفوضى حين تدبّ في مناطق نفوذ فقدتها، أو كانت تحت سيطرة خصومها ومنافسيها.

أما من ناحية أخرى فإن نشوء حالة فوضى على مستوى عالمي، أو على نطاق إقليمي أو حتى على نطاق بلد واحد، فذلك لا يتم إلاّ من خلال محصلة لصراع مختلف القوى المعنية وليس سياسة لدولة بعينها حتى لو أرادتها وخططت لها. وإلا ستكون إزاء وجه آخر لعملة “نظرية المؤامرة” بتعريفها الرديء.

أما عملية الإفادة من حالة فوضى فهذه ليست اختراعاً أميركياً وليست شطارة طرف واحد من أطراف الصراع. فكل اللاعبين، وبغض النظر، عن قدراتهم وإمكاناتهم، سيعملون للإفادة من حالة الفوضى التي بالضرورة لا سيطرة لأحد عليها.

فالفوضى المسيطر عليها من طرف بعينه لا تُسمّى فوضى وإنما تُسمّى إعادة ترتيب أوراق ما دامت قادرة، ولا وجود لطرف آخر يستطيع تحويلها إلى مصلحته، أو التحكم فيها. فشرط الفوضى عدم وجود سيطرة عليها، وإن وُجدت قوى قد تكون أكثر قدرة على الإفادة منها. فكيف يمكن أن تسمّى فوضى بناءة بالنسبة إليها.

عندما أطلق ماو تسي تونغ، وقبل أن تولد كونداليزا رايس، مقولته المعروفة عن الوضع العالمي: “الفوضى تسود العالم فالوضع جيد”. بمعنى أن بإمكان أعداء الإمبريالية الأميركية، أو أعداء الدول الكبرى التي يفترض أن تكون مسيطرة على العالم أن يفيدوا من حالة الفوضى. فالفوضى ليست من صنع القوى المسيطرة عالمياً حين تسود الوضع العالمي، وإنما هي في غير مصلحتهم بالتأكيد.

ولهذا لا تكون كونداليزا رايس حين وصفت الوضع العالمي الذي اتسّم بالفوضى بأنه “فوضى بناءة” إلاّ من قبيل تعزية النفس، وإيهام الآخرين أن هذه الفوضى سياسة عبقرية وراءها قوّة قادرة تجعل منها شيئاً إيجابياً في مصلحتها. بل لعل من حق كل الدول الكبرى والمتوسطة والصغرى أن ترى في حالة الفوضى ما هو إيجابي وبنّاء عدا الولايات المتحدة، ولا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة، وما بشرّت به من إقامة نظام عالمي أحاديّ القطبية.

كيف يمكن للذين هيّأوا أنفسهم بعد انهيار الإتحاد السوفياتي ليروا دول العالم مصطفة تقدّم للولايات المتحدة آيات الولاء. وإذا بأميركا في أقل من عقديْن تبحث عن الفوضى العالمية لتفيد منها. وهي الموجهّة ضدّها وضدّ حلمها بإقامة نظام عالمي وليس فوضى عالمية.

طبعاً يستطيع الذين وقعوا في حبائل النظرية الوهمية حول “الفوضى البناءة” أن يبحثوا عن السياسة الأميركية وراء الفشل ليس بسبب حماقاتها ومغامراتها وأخطائها الإستراتيجية، وليس بسبب ما واجهته من منافسة دولية وممانعات ومقاومات، وإنما باعتبارها سياسة واعية ذهبت إليها بكامل إرادتها ورغبتها. ولكنهم كيف سيفسّرون الفوضى الحادثة في عالم المال والإقتصاد على المستويين الأميركي والعولمي. هل هذا أيضاً من قبيل “الفوضى البناءة” أيضاً؟ وكيف يمكن أن تكون هذا الفوضى-الكارثة مصنوعة أميركياً من خلال الوعي الكامل، وسبق الإصرار والتصميم؟ فالسياسة الأميركية يجب أن تُحلَّل وفقاً لكل حالة عما إذا كانت هجومية وعدوانية ومبادِرة، أم مهزومة متراجعة مرتبكة، أم باحثة عن الفوضى حيث فقدت سيطرتها، أو هاربة منها حيث انقلبت عليها والمزيد في الطريق.

إن الحديث عن “الفوضى البناءة” دليل آخر على الضعف وتدهور الحال بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وليس اكتشافاً لسياسة عبقرية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2181440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2181440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40