السبت 18 شباط (فبراير) 2012

من رفيق الحريري إلى سعد: متى تصبح رجل دولة؟

السبت 18 شباط (فبراير) 2012

«إن السّعيدَ لَمَنْ جُنِّب الفتن».

الحافظ أبو نعيم

«ولدي العزيز سعد.

كان الثلاثاء يوماً حزيناً بالنسبة إليّ. إذ أني لم أكن أتصوّر أن تتحول ذكرى استشهادي من فسحة للتأمل والصلاة والدعاء إلى الله بأن يوفّق القضاء الدولي في الوصول إلى الحقيقة، والاقتصاص من المجرمين الذين أزهقوا أرواح شهداء ثورة الحرية والسيادة والاستقلال وتعليق مشانقهم في ساحة الحرية ـ إلى منصة لشن حرب على سوريا و«حزب الله» وسلاحه الذي يحصّن لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي.

وكلنا ندرك حدة الانقسام الداخلي حول المقاومة وسلاحها، خصوصاً بعد أحداث 7 أيار. ولكم تمنيت من كل قلبي أن تكون المناسبة هذه السنة لإعادة توحيد اللبنانيين حول المبادئ التي آمن بها رفيق الحريري، والقيم التي اهتدى بها في حياته وأدت إلى استشهاده.

ولقد أخذني العجب وأنا أشاهد ما جرى في «البيال»، من خلال شاشة افتراضية انتصبت في السماء، وأُصغي إلى الكلمات التي ألقيت من ثلاثة قادة مسيحيين في مجموعة 14 آذار، وما تفوّهوا به مباشرة ومداورة من كلام في حق شريكين رئيسين في الصيغة هما المسيحي المتمثل بـ«التيار الوطني الحر» والمقاوم الذي أخذ على عاتقه التصدي لإسرائيل وإلحاق الهزيمة بها مرتين على أيامي، واحدة عام 1996 وتوّجت بـ«تفاهم نيسان» الذي تم في رعايتي وكرّس لدى الأميركيين والإسرائيليين، كما لدى المجتمع الدولي، حق المقاومة في لبنان بالعمل لتحرير الأرض المحتلة، ثم في 25 أيار عام 2000 يوم اضطر العدو الإسرائيلي إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي. كما ألحقت به هزيمة مشهودة في تموز 2006، بعدما روت الأراضي المحررة دماء الشهداء من المجاهدين الأبطال والفلاحين الجنوبيين الفقراء.

ان هذه الصورة التي أحفظها في مخيلتي ويجعلني ضميري أسترجعها وأوصي بالمحافظة عليها وعدم الانزلاق في المخطط الأميركي ـ الإسرائيلي، هي الصورة التي أريدك ان تحفظها في ذاكرتك، وتحفرها في وجدانك.

أما سوريا، فلا أريد ان تكون جاحداً إزاء من فتح لك قلبه، وقدم لك سريره في دمشق لتنام فيه باطمئنان.

ان الشعب السوري، يا بني، يعرف ما يريد وهو قادر على تحقيق الأهداف التي ترمي إليها ثورته على الظلم والاستبداد، بعيداً من الإرهاب الدموي والتدخل الخارجي.

وعليك أن تفكّر بتداعيات موقفك مع تيارك من سوريا، في البيئتين المسيحية والشيعية التي يتربص بهما العدو الإسرائيلي للإيقاع بينهما وبين السنة الذين لم يعودوا جسماً واحداً بعد يقظة الخلايا الأصولية السلفية والوهابية التي كانت نائمة، خصوصاً في الشمال والبقاع. ثم من أنت يا سعد حتى تقدم ضمانات للبطريرك الماروني الجديد مار بشارة بطرس الراعي، الذي سمعت الكثير عن وطنيته، وعقلانيته وبُعد نظره وهو الذي يكرز صبح مساء في الناس داعياً إلى «شراكة ومحبة» بين مكونات المجتمع اللبناني بأن لا خوف على المسيحيين في لبنان من الإسلاميين المتشددين، في حال تغير النظام في دمشق.

وفي المنحى نفسه، من أنت حتى تعرض الأمان على الشيعة الذين تخيّلت، بسذاجة مفرطة أنهم سيقولون «إن انتصار الثورة في سوريا سيتحول في لبنان هجوماً سنياً عليهم للثأر لدم الحريري ولتجريدهم من سلاحهم» الذي عجزت إسرائيل ووراءها أميركا عن نزعه منهم، وقد حوّل النزال مع الإسرائيليين عام 2006 المقاومة قوة إقليمية يحسب لها حساب، في الحرب كما في السلم.

وإني لأربأ بك من الوقوع في الفخ الأميركي ـ الإسرائيلي المنصوب للمقاومة من خلال قولك «إن إسرائيل هي عدونا جميعاً، وخطر علينا، نواجهه دفاعاً عن الوطن وننتصر جميعاً في كنف الدولة». وأظنك عاقلاً كفاية حتى تميّز بين الدولة والمقاومة، وبين المقاومة والجيش، حيث لكل دوره في الدفاع عن الوطن، وليس من مصلحة الجيش ولا الدولة ان يكونا مسؤولين عن أعمال المقاومة.

بالله عليك، يا بني، هلاّ تقول لي من كتب لك تلك الأسطر التي لا يتفوه بمثلها عاقل؟

ألا تعرف قيمة وحدة اللبنانيين في مواجهة الأخطار، وما معنى أن يكون استشهاد رفيق الحريري محل اعتبار وتقدير جميع اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم وفصائلهم، فيتحول أيقونة وطنية، بدلا من ان تكون ذكرى استشهاده مناسبة لقياس مدى الصدع الذي أصاب الجسم اللبناني.

أخشى يا بني، ان تكون لا تزال تجهل حقيقة رفيق الحريري الذي دلّك إليها أمس الصديق الوفي بهيج طبارة الذي، وإن باعدت بيننا وبينه مسافات كبيرة، فإنه لا يزال يحتفظ في وجدانه بصورة نقية لرفيق الحريري. كما قدمها في حديث إلى «السفير».

وحبذا لو تراجع ما قاله الرئيس أمين الجميل في «البيال» حول أخطار التدخل اللبناني في الشأن السوري، وهو أخبر الناس بآل الأسد.

أكرر انه حان لك ان تنضج وتصبح رجل دولة.

في الختام اسأل الله أن يحميك ويحوطك بالمحبين والمخلصين، خصوصاً بعدما أكثرت أخيراً من الثرثرة السياسية و«التخبيص» المالي الذي يكاد يبدّد كل ما بنيته بعرق الجبين.

«أبوك رفيق»

edmond@edmondsaab.com

(رسالة افتراضية أوحاها الاحتفال في «البيال» الثلاثاء الماضي في الذكرى السابعة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري)

- ادمون صعب - السفير اللبنانية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165884

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165884 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010