الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2012

كوبا والحصار التاريخي

الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2012 par أمجد عرار

قبل نحو خمسين عاماً، فرض الرئيس الأمريكي في حينه جون كيندي حظراً شاملاً على كوبا الشيوعية بدعوى خرق حكومتها لحقوق الإنسان . خرج كيندي من الرئاسة ومن الحياة تاركاً خلفه تقليداً تبناه تسعة رؤساء بعده، بحيث أصبح الحديث عن رفع الحظر بمثابة دعوة لتغيير اتجاه شروق الشمس . لكن حتى بالنسبة للإنسان العادي يتضح أن كون كوبا شيوعية كافٍ لاتباع الإدارات الأمريكية المتعاقبة هذه السياسة الثابتة تجاه الجزيرة الصغيرة التي لا تكفي مسافة المائة وخمسين كيلومتراً التي تفصلها عن حدود الدولة النووية الكبرى، لجعل مفاصلها ترتجف وتخضع للإرادة الأمريكية فتفقد بالتالي استقلالها وسيادتها وكرامتها مقابل رفع الحظر ودخول استثمارات الهامبرغر والكاتش أب وبنطلونات الجينز .

خمسون عاماً والحظر مستمر على الجزيرة الكوبية التي كادت تنطلق منها حرب عالمية ثالثة إبان أزمة الصواريخ في خليج الخنازير، ولم يلحظ أي محلل أو باحث أو مراقب أية نتيجة وأي أثر في سياسة القيادة الكوبية المتمسكة بالسيادة والاستقلال والعداء للإمبريالية العالمية وسياساتها المعادية للشعوب والطامعة بخيراتها باستخدام سلاح الديمقراطية وحقوق الإنسان، تلك الكذبة التي لم تعد تنطلي سوى على الأغبياء أو المأجورين . وقد أثبتت كل تجارب الحصار في غير مكان في العالم أن المتضرر منها هو الشعب وليست الحكومات، فلا وزير يجوع ولا ابنه يحرم من الذهاب إلى المدرسة ولا رضيعه تمنع عنه رضاعة الحليب والدواء . ومع ذلك تستمر الكذبة الكبرى بأن الحصار والعقوبات تستهدف الحكومات والمسؤولين . ومن المنطقي الافتراض أنه لو اتصل الزعيم الكوبي بواشنطن وأبدى استعداده للارتماء بحضنها تابعاً منفّذاً لإملاءاتها، لأصبح المرشّح الأول لجائزة نوبل للسلام .

توهّم فارضو الحصار على كوبا أن إفقار الشعب وتقتيل أطفاله بالجوع والمرض يمكن أن يدفعه لليأس والبحث عن الخلاص بالانقلاب على قيادته واستبدالها بقيادات جاهزة متوثّبة في أروقة الاستخبارات الأمريكية ووسائل إعلامها التي تضخ ليلاً نهاراً سيلاً من التحريض والتضليل والفبركة، في مواكبة ممنهجة للحصار والعمل الاستخباري الذي فشل في أحد خطوطه في أكثر من مئتي محاولة اغتيال لفيدل كاسترو الذي أدهش هذه الدوائر وهي ترى الناس تستمع لخطابه طيلة سبع ساعات تحت المطر، وتكتفي بإطلاق وسائل الإعلام لوضع تفسير واحد لهذا الالتفاف باعتباره ناتجاً عن الترهيب والتخويف، تماماً كما أظهروا أن بحر الدموع التي سالت على وجنات ملايين الكوريين الشماليين على زعيمهم الراحل، مجرد خوف أو تمثيل . هكذا تعمل مصانع التضليل وهكذا تروّج بضاعتها لكي تكون أمريكا ومن لف لفها الحكم والمعيار الوحيد للديمقراطية وحقوق الإنسان، وللعلاقة الصادقة بين القيادة والشعب، ولكي تعطي هذه المنظومة الإمبريالية نفسها الحق في التدخل في الدول الأخرى وصياغة أنظمتها بما يؤمن للإمبريالية مساراً مفتوحاً للنهب والاستغلال .

لا تكترث هذه المنظومة بموقف الشعوب وأغلبية دول العالم، فمنذ عشرين عاماً تصوّت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنوياً بأغلبية ساحقة ضد الحصار غير الإنساني على كوبا التي تواصل كونها هاجساً سياسياً واستخبارياً لواشنطن، رغم أن هذه السياسة لم تفشل فقط في تغيير الحكم في كوبا، إنما لم تمنع انتشار “العدوى” الكوبية في أمريكا اللاتينية التي باتت معظم دولها تتبنى سياسة تحررية وثورية معادية للإمبريالية ومدافعة عن حركات التحرر وقضايا الشعوب العادلة .

عشر رؤساء أمريكيين مروا على أمريكا، وما زال أطول حصار في التاريخ مستمراً، رغم أن معظم الخبراء يتفقون على أن هذه السياسة فشلت، إلا في إشباع سادية المعارضين الكوبيين الذين أصبحوا أمريكيين من أصل كوبي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165450

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165450 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010