الثلاثاء 28 شباط (فبراير) 2012

الحرب الباردة تبدأ من جديد

الثلاثاء 28 شباط (فبراير) 2012 par د. فايز رشيد

تصريحات الرئيس القادم لروسيا بوتين (حيث من المؤكد أن يتم انتخابه قريباً)، بإعادة تسليح روسيا بشكل لم يسبق له مثيل وبمبالغ تصل إلى ما قيمته آلاف المليارات من الروبلات، تؤكد أن الحرب الباردة ستبدأ من جديد . نعم: روسيا والصين تسيران بخطى حثيثة نحو تشكيلهما قطبين عالميين جديدين على الساحة الدولية، وبذلك لن تعود الولايات المتحدة القطب الوحيد المهيمن على العالم . نعم ما جرى في مجلس الأمن الدولي مؤخراً عندما استخدمت روسيا والصين “الفيتو” ضد تدويل الأزمة السورية، يعني بكل القوة والوضوح أن البلدين في طريقهما إلى تشكيل محور دولي جديد في مواجهة العالم الغربي، وتحديداً في وجه الولايات المتحدة . نعم واشنطن تحكّمت في الساحة الدولية بما يزيد على العقدين من الزمن، أي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وحتى وقت قريب .

روسيا عاشت مرحلة التبعية المطلقة للولايات المتحدة بعد الحقبة السوفييتية، إلى الحد الذي حار فيه المراقبون لمسيرة روسيا التبعية، فهي الدولة الغنية التي كانت تنتظر المساعدات الأمريكية والأخرى الغربية . جاء عهد بوتين وكان ما كان في روسيا، حيث أخذ على عاتقه القيام بجملة تحولات على الصعيدين الداخلي والخارجي، داخلياً، أعاد الاقتصاد الروسي إلى وضع مزدهر فيه فائض في الميزانية، وحارب المافيات وبخاصة الاقتصادية منها دون هوادة، واستتبّ الأمن في الدولة الوريثة للاتحاد السوفييتي، وأصرّ بوتين على عكس الهيبة السوفيتية في روسيا، فاستولى على الثروات التي جرى بيعها في عهد يلتسين، وأعاد مؤسسات القطاع العام إلى ملكية الدولة، كالبترول والصناعات الثقيلة، وغيرها من الخطوات التي كان لها الأثر الكبير في إعادة الهيبة إلى روسيا . وعلى الصعيد الخارجي رأى بوتين أن الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً تنطلق من أسس الحرب الباردة، وكان من المفترض أنها انتهت بانهيار الإمبراطورية السوفييتية ودول المنظومة الاشتراكية .

واشنطن والعواصم الغربية وحلف (الناتو) لم ينفذوا ما اتفقوا عليه مع روسيا بتدمير الترسانات النووية لدى الطرفين، وأرادوا الإحاطة بروسيا مثل السوار بالمعصم، فكان مشروعهم المشترك بما يسمى “الدرع الصاروخية”، وثبتوا الصواريخ الاستراتيجية في بولندا وتشيكيا بعد الثورة البرتقالية والعديد من الجمهوريات السوفييتية السابقة، ما شكل تحدياً كبيراً لروسيا ولبوتين شخصياً الذي عمل على إعادة التحالف مع بيلاروسيا المجاورة، وقام بخطوات ضد رغبات واشنطن والعواصم الغربية في تدخله في الحرب الجورجية - الروسية، وقام بتهديد حلفاء الاتحاد السوفييتي السابقين، إن هم وافقوا على نصب صواريخ (الناتو) الموجهة إلى روسيا في بلدانهم .

كذلك ارتفعت حدة المواجهات الأمريكية الغربية - الروسية تجاه العديد من القضايا الدولية، منها على سبيل المثال وليس الحصر الموقف من المشروع النووي الإيراني، وإقامة علاقات روسية متطورة مع العديد من بلدان أمريكا الجنوبية، والدول اللاتينية التي نجحت أحزاب يسارية في العديد منها، وكذلك مع الكثير من الدول الإفريقية والأخرى الآسيوية . روسيا حاولت العودة إلى الشرق الأوسط من خلال نسج علاقات مع إيران وسوريا وغيرهما . بعد انتهاء مرحلة بوتين جاء تلميذه ميدفيديف إلى منصب الرئاسة وتسلّم هو رئاسة الوزراء . ورغم أن ميدفيديف ليس نسخة كربونية من بوتين، فإن الثنائي الروسي كان منسجماً في أغلبية المواقف (إلا بعض الاختلافات والتعارضات الثانوية وليس الأساسية التناحرية)، من القضايا على الصعيدين الداخلي والخارجي .

القشة التي قصمت ظهر البعير في المواجهة الأمريكية الغربية - الروسية الصينية هي المواقف من سوريا وتصويت البلدين ب”الفيتو” على مشروع القرار الغربي، الأمر الذي حدا بكلينتون مسؤولة الدبلوماسية الأمريكية إلى وصف شعورها ب”الاشمئزاز” من “الفيتو” الروسي الصيني، وهو ما حدا بوزير الخارجية الروسي لافروف إلى التصريح “بأن الأمريكيين يتصرفون بانفعال” . الصين وروسيا (وبخاصة الأخيرة) تدركان أن سوريا بالنسبة إليهما هي موطئ القدم الأخير في المنطقة العربية .

لقد عانت القضايا الوطنية العربية، والقضية الفلسطينية تحديداً، الاستفراد الأمريكي (الذي هو في جزءٍ أساسي منه صهيوني وفي جزءٍ آخر غربي)، بالساحة الدولية، وعانت الهيمنة والتحكم في القرار الدولي، كما عانى العالم كذلك الاضطهاد والعنجهية والصلف الأمريكي الصهيوني - الغربي، حتى باتت الولايات المتحدة هي مقرر السياسات على الصعيد العالمي .

وجود قطب مقابل آخر، روسي أو روسي صيني مواجه للآخر الأمريكي، سينعكس إيجاباً على الصعيد الدولي وفي الأمم المتحدة ومجلس الأمن وعلى المنطقة العربية، وبخاصة على القضية الفلسطينية، وعلى قوى التحرر والتقدم على صعيد القارات الخمس .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2178229

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178229 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40